دراسة أدبية تحليلية حول رواية د. طراد حمادة ” صيف البلابل “في زمن الكورونا ٢٠٢٠
الكاتبة فاتن مرتضى
بدأ الكاتب بطرح المشكلة ، التي ستدور حولها رواية صيف البلابل ، التي كُتبت بزمن الكورونا .
أنتج الإنسان السم بدل الرغيف
ونام على حلم الملك
وأفاق على كارثة الوباء ص٥
إنطلق من رؤيته وإيمانه ، بأنّ الإنسان خليفة الله على الأرض ، وهو سيكون عمّار العالم الجديد، ليكون من الفرقة الناجية .والخلاص ليس في الحياة في ناطحات السحاب ، بل بالعودة إلى الطبيعة .
الرواية عمل إبداعي تخيّلي ، والتاريخ مرجع واقعي لمادتها الحكائية ، لأنّ أحداثها عام ٢٠٢٠ .
قراءة القصة كالحلم ، ينشط فيه العقل والمخيلة ، بشكل حيوي ، يحملنا إلى عالم خاص ،فيه هروب ، من الواقع المؤلم ، إلى عالم وردي جميل ، جعل فيها الربط قوياً ، بين الأدب والحياة ..
بطل الرواية حيّان اسماعيل ، الذي نراه بإسمين آخرين ..
على أثر حادث ، فقد ذاكرته ، وعاش بين عالم الحلم والواقع . أعطت شخصيته الحيوية للرواية ، لأنّها دخلت في حركة تغيير مستمرة ..
على أثر انتشار وباء الكورونا ، وارتفاع أعداد الوفيات ، غادر حيّان المدينة مع صديقيه اللذين توفيا ، إثر حادث سيارة ، احترقت بمن فيها ، ونجا هو بأعجوبة مع محفظته الجلدية التي تضم مخطوطاً مهمّاً . عاش مع فقدان الذاكرة ، إذ تخيّل نفسه ، ثابت بن مرّة المغامر والرحالة ، كما كان دون كيخوت . وصل إلى قرية ، ساعد أهلها بأعمال البناء ، أحبّوه وأطلقوا عليه إسم عمّار الآدمي ، وأهدوه بيتاً صغيراً وحقلاً زرعه وروداً..
بالأصل هو شاعر ، مثقف ، محب لأعمال الخير ،يعشق الطبيعة، ولكنه ، لا يذكر شيئاً ..
يذكر الكاتب ، نظرية برغسون ،حول الذاكرة والتذكر ،ووظيفة الدماغ ،هي مساعدة الذكريات وليس حفظها هنا يكمن مفتاح حل مشكلة التذكر والنسيان ، عند ثابت بن مرة ..
بطلة الرواية ، روز البستاني ، أستاذة في الفلسفة والآداب ، باحثة في الفنون وعلم الجمال والهندسة ، ظهرت بشخصية المرأة الكليّة ، فقدت شقيقها بمرض الكورونا ، جاءت إلى القرية هرباً من المدينة الموبوءة ، تعرفت على حيّان وساعدته ، على استعادة ذاكرته ، وفكت رموز المخطوطة ، التي ما هي إلا ديوان شعره ..جمعت ما بين البطلين ،فضائل إنسانية مشتركة ، تعرفنا عليها ، من خلال ما يسعيان لتحقيقه ،وما يمتازان به، من خلال الحوارات والرسائل المتبادلة بينهما ..
وقد ظهر :البُعد النفسي : وما يدور في أعماقهما ، من محبة الناس ، مشاعرهما وانفعالاتهما ، ثم عاطفة الحب التي جمعتهما .
البُعد المادي : الملامح والهيئة العامة ، وصف جمال روز والأماكن الطبيعية حيث كانا يلتقيان .
البُعد الأيديولوجي : الإنتماء الفكري للحزب الأخضر ، والعمل لتحقيق أهدافهما بحماية البيئة وإنشاء مدينة نموذجية ..
حدّد الكاتب الزمان ٢٠٢٠ إثر جائحة كورونا .
أما المكان ،فقد تغيّر ،حسب مقتضيات الرواية ، وغالبيته في مدينة ، روزستان ، أو مدينة الورود ، وهو إسم اختاره حيّان ،تكريماً لما قامت به روز ، تجاه هذه المدينة .
هما شخصيتان ساميتان ،تمثلان من يسعى إلى بناء مجتمع فاضل ، من خلال ، التعاون ، التكاتف ، والتكامل بين أفراد المجتمع .
تطالعنا في الرواية شخصيات ثانوية ، كالطبيب ، العالم ،الإقتصادي وعموم أهل القرية .
ساعد الحوار بالتعرف على أفكار شخصيات الرواية وأبعد عنها رتابة السرد الكلاسيكي وجعل كل فرد يتكلم ، بما يناسبه من موقعه الاجتماعي ،المعرفي والثقافي..
من يقرأ هذه الرواية ، في أي زمان ، يصل إلى فهم الأحوال ، الاجتماعية ، الإقتصادية ، السياسية ،الصحية ، والعلمية التي سادت العالم عام ٢٠٢٠ ، وفتحت أمامنا آفاق من التجارب ، والأمنيات ، إن لم نخضها ، على أرض الواقع ، فإننا نخوضها مع الكاتب ، عن طريق الخيال ..
يُعطي الكاتب الحل للخلاص الإنساني من جائحة كورونا بعدم القنوط ، ومجابهة التحديات ، والعمل لإيجاد حلول ناجحة للمشكلات ص ٩٦
فكرة المخلص قديمة في الآداب العالمية ، لأنّها رمز الانتظار ، والأمل ، كلما مرّت الشعوب بضيق ،مثلما ورد في مسرحية ، إنتظار “غودو”
وجد بطلا الرواية ، الحل لجائحة كورونا ، إقامة مدينة فاضلة، في ظاهرها زراعية ، من القرون الوسطى ،ولكنّها تملك ، كل التقنيات ، التي تجعل من سكانها جماعة معاصرة ، وصديقة للطبيعة ، والطبيعة وحدها هي الخلاص ، وعشق الطبيعة هو الدواء ..ص ١٤٨
هذه المدينة ستكشف زيف المدن ، هي نموذج أنشأه الحزب الأخضر ، ومؤيدوه..
كانت تضج بالحركة والحياة ، بسبب تعاون أهلها ، نكاد نرى بوصف دقيق ذهابهم وإيابهم ، حركة معاولهم ،وأصوات البائعين ..
رفض أهل المدينة ، كل التدخّلات الخارجية ،بما في ذلك تدخّل صندوق النقد الدولي .
ستكون هذه المدينة محمية جميلة ، نامية ، سعيدة ، قائمة على العدالة ،المساواة، المحبة ، التضامن ،التعاون ،وبناء مستقبل أفضل لهذا العالم ص ١٧٠
يوجد فيها كل أسباب الإكتفاء الذاتي ، وإمكانية تصدير الفائض ..
لأنّ العالم مدينة واحدة، وهذه القوة في التعاون ، ستقضي على هذا الوباء ،وتغيّر نظام العالم، ص ١٦٥
فما بعد الكورونا ليس كما قبلها ..
هناك تفاعل كبير ، بين القارئ ، وأحداث الرواية لأنّها معاصرة ، يُسقط حياته وتجاربه الشخصية عمّا يقرأ .نحن نتأثر معها فكرياً ، وعاطفياً لأنّها ، تجربة فريدة ،يحلم بها الجميع ، بكتابة أدبية ، تُثري ذوقنا الفني ، والإنساني .
ظهرت شخصية الكاتب الموسوعية ، بثقافته الغنيّة ،فهو الشاعر ، أستاذ الفلسفة ، المصلح الاجتماعي ،الخبير بشؤون البيئة ،التربة ،زراعة الزهور ، أنواع الطيور ، تربية النحل والأسماك ، التنظيم المُدُني ، توزيع العمل على السكان ،تصريف الإنتاج ، تبادل الخدمات ، عالم بأسس الصحة والسلامة ، متابع للحداثة والتكنولوجيا ..
من يقرأ هذه الرواية ، في أي زمان ، يصل إلى فهم الأحوال ، الاجتماعية ، الإقتصادية ، السياسية ،الصحية ، والعلمية التي سادت العالم عام ٢٠٢٠ ، وفتحت أمامنا آفاق من التجارب ، والأمنيات ، إن لم نخضها ، على أرض الواقع ، فإننا نخوضها مع الكاتب ، عن طريق الخيال ..
فقد استعمل أسلوباً سردياً مباشراً ، وأحياناً أخرى ، غير مباشر ، بطريقة جاذبة للقارئ ،بلغة بسيطة ، معبّرة ، واستطاع بحرفية تطويع الكلمات واختيار المناسب منها ، للمكان المناسب ، لعله يتحدث عن حلمه ، وأحلام الجميع ، بالحياة ، في جنّة على الأرض ..
ظهرت شخصية الكاتب الموسوعية ، بثقافته الغنيّة ،فهو الشاعر ، أستاذ الفلسفة ، المصلح الاجتماعي ،الخبير بشؤون البيئة ،التربة ،زراعة الزهور ، أنواع الطيور ، تربية النحل والأسماك ، التنظيم المُدُني ، توزيع العمل على السكان ،تصريف الإنتاج ، تبادل الخدمات ، عالم بأسس الصحة والسلامة ، متابع للحداثة والتكنولوجيا ..
هو غزير الثقافة تطالعنا في روايته أسماء عالمية مثل : جاك بريفير ، برغسون ، ديكارت ، راشل كارسون ، حافظ شيرازي ، جلال الدين الرومي ..
ننتظر أن نقرأ الرواية مترجمة بلغات عالمية ، لأنّها تتطلع إلى خلاص البيئة والعالم ، مما وصلا إليه ، في ظل هذه الجائحة ،والانفتاح على الخير المُطلق ، والمدينة الفاضلة التي يحلم بها الجميع..
نكاد نشم رائحة الورود ،ونشارك في فرحة عرس حيّان وروز ، ونعيش صيف الروح ،لأننا نقرأ ..
رواية صيف البلابل..
فاتن مرتضى