في الذّكرىَ المائوية”لمعركة أنوال المجيدة” 1921-2021 الحلقة -الواحدة والعشرون- من – رواية”تحت ظِلال أشجَار التّين والزّيتُون”
في الذّكرىَ المائوية”لمعركة أنوال المجيدة” 1921-2021 الحلقة -الواحدة والعشرون- من – رواية”تحت ظِلال أشجَار التّين والزّيتُون”
( سيرة بطل مُجاهد شهيد معركة “أنوال” الماجدة)
الدكتور محمّد محمّد خطّابي
“…”جزيرة النكور” السّليبة توجد قبالة منزل (مُوح) ، لا تخطئها العين من أيِّ مكانٍ في قرية أجدير، ومن مختلف القرىَ ،والمداشر، والمناطق المجاورة، هذه الصّخرة التي لا تبعد عن اليابسة سوى حوالي ثلاثمائة متراً تحتلها إسبانيا منذ سنوات بعيدة ،وجميع سكّان القرية يعلمون أنّ معظم قاطنيها إنْ لم يكن كلّهم من العساكر الإسبان ،الذين كان يُطلق عليهم أهلُ القرية وسائر مناطق الرّيف “إيروميّين”،وكانت فئات قليلة من سكّان القرية يتعاملون مع هذه الجزيرة ويتّصلون بها، ويزورونها خاصّة ممّن كانوا يتعاطوْن التجارة ، حيث كانوا يستقدمون منها شراءً أو مقايضةً أو مبادلةً العديد من المواد والمنتوجات الغذائية التي يشحّ ،أوتقلّ، أو يتعذّر وجودها في منطقتهم .وكان هؤلاء الذين يتعاملون مع قاطني هذه الجزيرة لا يحظون باحترام أهل القبيلة وسكّانها وفى طليعتهم (مُوح) ، كانوا ينظرون اليهم نظرة احتقار،وانتقاص، وازدراء ،ويعتبرون لقاءَهم بقاطنيها اعترافاً بالعدوّ الغاصب ونوعاً من الخيانة الكبرى للوطن وللسكّان ، وهذا هو المبدأ الثابت الذي كان يؤمن به (مُوح) إيماناً راسخاً في قرارة نفسه ، ولم يُسجَّل قطّ عليه طوال حياته القصيرة أنه زار هذه الجزيرة أو التقى بقاطنيها أو تعامل معهم أبداً ، بل إنه كان يحاسِبُ ، ويؤنّبُ،ويعاقبُ،ويوبِّخ كلّ مَنْ فعل ذلك من أقربائه، أو من محيط عائلته، أو أصهاره، أو مَعَارفه .
كانت هناك في شاطئ ” الصّفيحة” المقابل للجزيرة مراكب، ومُعدّيات صغيرة الحجم تؤمِّن العدوة أو الإنتقال منها أو إليها . وكانت السّواحل الممتدّة من “الصّفيحة” الى أراضي تمسمان النائية مروراً بشواطئ (الطايث) الطاية، والسّواني، والحرْش كلها تغصّ بزوارق الصّيد الصّغيرة التي غالباً ما كانت تعمل بالمجاديف الخشبية التقليدة البسيطة الصّنع،إلاّ أنّ نشاط الصّيد البحري لم يكن يحظى باهتمام السكّان ،ولم يكن مزدهراً عندهم في مستوى جيرانهم من القرى المجاورة، وبشكلٍ خاص في قبيلة “بقّيوة” حيث إشتهر أهلها بتعاطيهم لفنون الصّيد البحري منذ أقدم العهود ،وكان مشهوداً لهم عبر التاريخ بالمهارة في هذا الميدان منذ زمنٍ بعيد ،كانت عندهم مراكب كبرى للصّيد والقرصنة،والجهاد البحري وكانت هذه المراكب تمخر عُبابَ البّحر الأبيض المتوسط وتجوب فضاءاته الواسعة وأقاصيه .
في مواسم الصّيف، والحصاد،والعنصرة،وبعض المناسبات الدينية وسواها كانت تُقام إحتفالات وتُنظّم تجمّعات بين السكّان على هذه الشواطئ المترامية الأطراف، وتحت الأشجار الوارفة الظلال المنتشرة بمحاذاتها للتباري بين شباب القرىَ ورجالاتها في فنون الرّماية ، ودقّة التسديد ببنادقهم الخاصّة ، وكان (مُوح) لا يتأخّر أبداً عن المشاركة فى هذه الحفلات باسم قريته ، وكان غالباً ما يحرز على قصب السّبق فيها بين أقرانه وخلاّنه منذ نعومة أظفاره ، حتى إشتهر بينهم وذاع صيته بشكل واسع بهذه الخاصّية العجيبة فى مختلف أرجاء قريته وفى القرى والمداشر المجاورة ، إذ كما تنبأت له أمّه عندما اشترت له البندقة وهو بَعْدُ في مقتبل العمر سرعان ما أصبح بارعاً في فنّ الرّماية ، وماهراً في دقّة التسديد بشكلٍ مُلفت للنظر ،حتّى بذّ وتفوّق على منافسيه في قريته وفى مختلف القرى الأخرى التي كانت تشارك بفتيانها ورُمَاتها المَهرة في هذه المنافسات ممّا سبب له بعض المضايقات وإثارة الغيرة لدى بعض أهل القبيلة من معاصريه ،وما أن جاوز الثلاثين من عمره حتّى أصبح مَضرب الأمثال بينهم ،بل وبين شباب القرىَ،والضّيع، والمداشر الأخرى كذلك ، الشئ الذي سيؤهله في مستقبلٍ قريب للاضطلاع بدور محوري حاسم في خضمّ حرب الرّيف التحرّرية الباسلة التي اندلعت بسبب تهجّم المُستعمر الاسباني، وأطماعه الجشعة في فرض سيطرته، ونشر هيمنته،وبسط ونفوذه على منطقة الرّيف لاستغلال خيراتها، ونهب ثرواتها التي تعجّ بها باطن أرضها وأديمها وثراها وبحرها من مناجم نادرة، ومعادن ثمينة، وخيرات ومنتوجات فلاحية متنوّعة وسواها ، ناهيك عن الموقع الاستراتيجي الممتاز الذي حباها الله به في مختلف المناطق والاصقاع…” .(يتبع)
…( الصّورة المرفقة القديمة منظر جزيرة النكور السّليبة من بيت مُوح نسّي أحمد ).