في الذّكرىَ المائوية ” لمعركة أنوال الخالدة ” 1921- 2021 الفصل – الثاني والعشرون- من – رواية”تحت ظِلال أشجَار التّين والزّيتُون”
في الذّكرىَ المائوية ” لمعركة أنوال الخالدة ” 1921- 2021 الفصل – الثاني والعشرون- من – رواية”تحت ظِلال أشجَار التّين والزّيتُون”
( سيرة بطل مُجاهد شهيد معركة “أنوال” الماجدة)
.الدكتور محمّد محمّد خطّابي
“.. بعد بلوغه سنّ الثلاثين عاماً أصبحت “ميمونة أزرقان ” والدة الفتىّ ” مُوح” تفكّر كلّ يوم في تزويج ابنها ففي نظرها لقد آن الأوان لتحقيق هذه الغاية التي لابدّ أنها ستُسْعِد وَلدَها وستشدّ من أزرالأسرة بالمُصاهرة مع أسرة شريفة كانت تربطها أواصر متينة بزوجها زادت عُراها متانةً بعد غيابه القسري ، نظراً لذكائها الفطري، وحدْسها الفطن،وفِراستها أدركت الأمّ منذ مدّة غير قصيرة أنّ ابنها الأكبر دائم الاهتمام مع أختيْه فظمة ومنّوش بابنة مُوح أبقّوي الفتاة اليافعة منّوش التي كان والدها من كبار أعيان القبيلة ، والذي كانت تربطه صداقة وثقىَ بوالد الفتىَ (مُوح) قبل اغتياله.
أصبحت هذه الفكرة لا تحيد عن رأس الأمّ،وغدت تراودها في كلّ لحظةٍ وحين، ولكنّها كانت تفكّر في طريقةٍ تُفاتح بها ابنها في هذا الموضوع ، ولم تجد أمامها سوى بنتيْها اللتيْن كانتا على علمٍ بأنّ أخاهما منشغل بالفتاة منّوش بنت مُوح أبقوي منذ مدّة ،ولكنه طبقاً لتقاليد القبيلة الصّارمة لم يتجرّأ قطّ في حياته أن يقترب منها أو يحدثها على انفراد سوى عن طريق أختيْه في إيصالها علامات الإعجاب، وإبلاغها إشارات التزلّف منها .
ذات يومٍ فاتحت الأمّ ابنتها الكبرى فظمة ، وطلبت منها مُصارحتها، وأن تؤكد لها ما يدور في رأس أخيها (مُوح) حول هذا الموضوع ، ولم تتأخّر ابنتها في إخبار والدتها بمدى إعجاب (مُوح ) بجارتنا بنت مُوح أبقّوي ، إلاّ أنّ فظمة كانت تتحدّث إلى أمّها بحياء مُفرط، وكانت تتلعثم في كلامها إلى أمّها حول هذا الموضوع ،كانت عندما تتحدّث إليها تنظر الى الأرض، ولا ترفع عينيْها نحوها، ولم تتجرّأ أن تنظر الى أمّها خجلاً ، عندئذٍ قالت الأمّ لابنتها الكبرى :
-لقد كاد فصل الصّيف أن ينصرم، وعلينا الإعداد لهذا الحدث السّعيد بما يليق ، اخبري أخاك أنني سأذهب غداً لزيارة والدة منّوش أبقّوي وأفاتحها في موضوع طلب تزويجه من ابنتها المَصُون ، ولكن قبل ذلك أريدكِ أن تخبريه بهذا الأمر حتى يكون على علم ٍ بهذه الخطوة المباركة بحول الله .
لم تنتظر ابنتها فظمة إلى يوم الغد لإخبار أخيها بل إنّها أومأت له على جناح السّرعة بما تنوي القيام به أمّه غداً ، ردّ (مُوح)على أخته بابتسامة الرضىَ دون ان ينبس ببنت شفة ،كان الليل قد طفق يُرخي سدوله على القرية في سكون، وعندما ذهبت فظمة إلى غرفة أمّها لتنام كانت والدتها قد أطفأت قنديل الغاز (رفنار) المعلق على خشبة وسط الغرفة، فتسلّلت في هدوء الى لحافها بجوار أختها منوش ظانّةً أنّ والدتها كانت تغطّ في نومٍ عميق، وشوشت بصوتٍ خفيض في أذن أختها وأخبرتها بما تنوي أمّهما القيام به غداً ، فطنت الأمّ التي كانت يقظة ولم تنم بعد ،كانت شعلة في الذكاء فهي إبنة أسرة عريقة في أجدير وهي عائلة ( أزرقان) ،وقد تولّى أحد أعمامها فيما بعد مراتب عليا في حرب الرّيف التحرّرية إلى جانب الزّعيم مولاي موحند ، بادرت الأمّ في جُنح الليل قبل أن يشقشق الفجر، وأن ينشر خيوطه البيضاء في الكوْن الفسيح، فقالت لبنتيْها :
-على بركة الله غداً إذن ستذهبن معى إلى سوق الاثنين لنتبضّع قليلاً ونشترى بعض اللوازم كقوالب السكّر، والهدايا لنستقدمها معنا الى بيت جارتنا والدة منّوش زوجة مُوح أبقّوي ان شاء الله .
في الصباح الباكرمن يوم الغد ، اتّجهت والدة (مُوح) رفقة بنتيْها إلى السّوق الأسبوعيّ الخاصّ بالنساء (رثناين نثمغارين ) واشترينَ قوالبَ السّكر ،وبعض الحلويات التقليدية والهدايا ،ولوازم أخرى ، وعندما عُدن من السّوق الذي لم يكن بعيداً عن مقرّ سكناهنّ ، قرّرت الأمّ رفقة ابنتيْها الذهاب لمنزل منّوش نمُوح أبقّوي الذي لم يكن يبعد سوى بضعة أمتارعن منزلهنّ، استقبلتهنّ والدة العرُوس عند مدخل البيت ورحّبت بهنّ ترحيباً كبيراً ، وكأنّ الأسرتيْن كانتا على علمٍ مُسبّق بهذا الحدث الحميد ،وبعد أن جلسنَ في غرفة استقبال الضّيوف حيث احتسيْنَ جميعاً أكؤساً من الشّاي الأخضر المُنعنع فاتحت أمّ (مُوح) والدة منوش في نيّة ابنها طلب يد ابنتها المَصُون ،قالت لهنّ أمّ العروس بصوتٍ خفيض والبسمة لا تفارق مُحيّاها :لن يكون إلاّ الخير إن شاء الله ،ثمّ انتفضت واقفةً وذهبت لاستشارة زوجها الذي كان في غرفة مجاورة ،حيث كانت العادة أن يقوم بهذه المُهمّة والد العريس الخاطب ولكنّ بما أنّ الموت كان قد غيّب والد (مُوح) فقد قامت الوالدة بهذه المهمّة التي كلّلت مساعيها بالنّجاح وبموافقة والد العرُوس دون تأخيرعلى تزويج ابنته من الفتىَ (مُوح) نَسِّي أحمد الذي كان يكنّ له ولوالده قيد حياته كلّ المحبّة والتقدير، اتفقت الأسرتان على المهر (الصّداق) الرّمزي إلى جانب بعض الألبسة التقليدية ،والحليّ المصنوعة من الفضّة ،كما اتفقتا على اليوم الذي ستتمّ فيه الخطوبة “ثازافث”، ثمّ كتابة عقد الزّواج بحضور عدليْن شرعييْن وقراءة الفاتحة ، والدّعاء الصّالح بأن يجعل الله هذا الزّواج زواجاً مُباركاً وسعيداً للزّوجيْن” وإقامة حفل الزفاف في أقرب الآجال بحول الله “
كانت حفلات الزّفاف في مختلف مناطق الرّيف تدوم ثلاثة أيام ، وعادة ما كانت تتمّ في فصل الصّيف،وذلك بعد انصرام موسم الحصاد ،وتخزين أكوام من التبّن (روم) ورفعه وتجميعه في (أثمون) (كومة التبن التي تُقام على شكل هرمٍ دائريّ مُحكم الصُّنع والإتقان ) ،وايداع المحاصيل من شعير، وقمح، وذرة في مطموراتٍ خاصّة لضمان استمرار جودتها ،والحفاظ عليها إلى موسم الحصاد المقبل .
في اليوم التالي قامت عائلتا العروسيْن بطلاء حيطان منزليْهما بالجير الأبيض ،وإعداد كلّ ما يتطلبه حفل الزّفاف (تمغرا) من أمور لها صلة بالطهي، وتهيئ الكوشة (اركوشث) وسواها من الإعدادات الأخرى من استحضار الهدايا ، والذبائح وسواها من المُستلزمات الضرورية التي تتطلبها هذه المناسبة السّعيدة في حياة الأسرتيْن والعروسيْن معاً..” ..(يتبع) .