أدب وفن

قصيدة الشاعرة إخلاص فرنسيس و قراءة الشاعر جميل داري

من ديوان “وأمضي في جنوني”
اتّكاءٌ

كان يتّكئُ إلى جدارٍ من بنفسجٍ
يستكملُ في ذاكرة أناملِهِ مواسمَ الأحلامِ
ويستحضرُ على شفتيهِ قبلةً مهشّمةً
يقتسمُ والمطرَ غسلَ الحجارةِ
من أنتَ صاحَ الجدارُ المبلّلُ بصورِ الريحِ
وعينانِ تهديانِ الخلودَ
لا شيءّ، إلا إنني أسترجعُ لعنةً أصابتْني
أذوّبُ اسمَها في أرجوانِ دمي
أحرسُ الحلمَ العابرَ في اللاوعي
وأبني من صوتِها منفايَ
ألجُ الغيابَ، أعيدُ عقاربَ الوقتِ مرةً
تكفي لأدوّنَ أنفاسَها في أبديّةِ الحكايةِ
الشاعرة إخلاص فرنسيس

هنا يتمرّد النصّ على قانون الرتابة، فالشعر سباحة بعكس التيار، واجتراح مآثر جديدة لا تشبه إلا نفسها، فالجدار البنفجسي يجعلنا نُعمل خيالنا ليبلغ مبلغ خيال الشاعرة، فالبنفسج كما أرى نبات حزين، ومن منّا لم يسمع “ليه يا بنفسج بتبهج وانت زهر حزين” لصالح عبدالحي .؟
أما القبلة المهشّمة فتوحي بانكسار الحبّ وأنين القلب، فالقبلة هي الحبّ في مهده الآمن ، والتهشيم هو قتل هذا الحبّ، بمعنى أنّ الفرح ناقص، والحزن كامل إلى حدّ أنّ الحبّ محاصر بأوبئة المجتمع الذي ما زال يرى فيه خطراً على أمن الإنسانية.
والمطر الذي يغسل الحجارة بدلاً من أن يهطل على السهول والوديان ما أشبهه بمطر السياب الذي وعدنا به منذ أكثر من نصف قرن، وما زلنا ننتظر.
حتى المطر لا جدوى منه سوى أنّ الحجارة تستحمّ به، وتقول له: أيها المطر الغبي ألم تجد سواي ملعباً لك؟ فما أنا إلّا حجر أصمّ ؟

والجدار المبلّل بالريح صورة لا تخطر على بال جنّيات عبقر، فكيف لنا أن نتصور الريح تبلّل الجدار تمهيداً لتصدّعه وانهياره على رؤوس من يلوذ به ويعيش تحت رحمته القاسية.
أما أبني منفاي ..فصورة لا يمكن المرور بها مرور الكرام فعندما تطردنا الأوطان حتى المنافي لا ترضى بنا، لذلك نضطر إلى بنائها.. وأيّ بناء؟
تدوين الأنفاس في أبدية الحكاية :لوحة سريالية لا يمكن تفسير كنهها، وهذا هو المطلوب في الشعر ألّا يكون مطواعاً متثائباً يسرّب النعاس إلى القلوب قبل العيون.
جاء أحمق إلى أبي تمام وقال له:
لِمَ تقول ما لا يُفهم؟
قال أبو تمام: ولِم لا تفهم ما يُقال؟
هذا النصّ متخم بالغموض الشفيف ، بانزياحات يطول الحديث فيها عدا الاستعارات المبتكرة من مثل:
ذاكرة الأنامل- صاح الجدار-أبني منفاي -ألج الغياب- إلخ…
أمّا اللغة فهي التي تضافرت مع ما سبق قوله حتى صار النصّ تحفة فنّية تُعلّق في متحف عبقر .

الشاعر جميل داري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى