أدب وفنمنتديات

صديقي الكتاب

نجاة بنونة / كاتبة و باحثة من المغرب

 

صديقي الكتاب

هو  أوفى  الأوفياء و أثر العظماء ! إنه موضع إعجاب و عشق إلى  حد الهيام  و الاقتداء ! إنه صانع الكرماء و كفانا دليلا أول آية في القرآن  تقول :” اقرأ باسم ربك الذى خلق،  خلق الانسان من علق ، اقرأ وربك الأكرم …”

 نعم إنه الكرم نفسه ! ما الحياة إلا فراغ لو لم يملأها كتاب ؟ و ظلمة حالكة لو لم ينرها كتاب ؟ و فقر لو لم يغنها كتاب ؟!

إنه المؤنس في الوحشة و الرفيق  في الوحدة ! هو الواقى من العلل و المنقذ من الملل !

إنه جواز سفر بدون قيود إلى رحلة بدون  حدود !

هو فاتح الآفاق و  مهذب الأذواق و ملهم الأخلاق!

إنه حافظ  التاريخ و الحضارة من الضياع و النسيان

و مازج العقول و الأرواح الى درجة الذوبان !

 إنه المرشد في الهذيان و المعالج بالمجان !

إنه خير جليس  في الزمان والمكان و باعث الفرح

و الاطمئنان!

أجل إنه العلم و المعرفة و لا أروع   و لا أجمل من زاد و سلاح و رفعة و كرامة كل إنسان !

من هو يا ترى  هذا الذى  اجتمع فيه ما افترق

في غيره !!! من هو هذا الذى امتزجت فيه كل هذه المحاسن و الفضائل ؟!

أجل فأنتم على حق . إنه الكتاب ! صغير في حجمه لكن عظيم في أثره !!! و مهما قيل عنه، ومهما  قلت و سأقول ، أراني عاجزة عن إيجاد كلمات تغطى مساحة حبى وإعجابي به و إحصاء نعمه!!!!!!

ما أحوجنا إلى ساعات بين الكتب كلها متعة و استفادة تأخذنا إلى عالم كله جمال و خيال يشبع فضولنا المعرفي و العلمي و يستنهض همتنا و يحرك مشاعرنا الراقية و يخاطب وجداننا و يصحح أفكارنا و يحسن سلوكنا و يلطف مزاجنا ؛ فنصبح بفضله

 صالحين، نافعين، متفائلين و متحمسين للسير إلى الأمام بخطى ثابتة و واعدة !!!

نعم ! إنه الكتاب المعلم الأول للبشرية !! أي فوائد؟!

 و ما أغناها و أنفعها من فوائد !! و كم من مناقب !!

 و ما  أجملها وأروعها من مناقب !! إنها لا تعد

 ولا تحصى !!و كم من طرائف !! و ما أحلاها

 و أعذبها من طرائف  تروح عن النفس و تحقق لها الأمن و الاسترخاء و تملؤها طاقة إيجابية ترفع المعنويات  فتضاعف العطاء و الإنتاج !!

و كم من ذكريات !! و أي  ذكريات !! ذكريات الأمجاد و تألق الرواد و صنع الأفداد تضرب للناس نماذج البطولة و الشرف  و تحفز للتقدم و التألق !!!

نعم! و لحكمة ما و لأمر ما، ذكر الله الكتاب في  القرآن عدة مرات ، فوردت كلمة كتاب معرفا مائتين و ثلاثين مرة بما فيها أهل الكتاب و بالتنكير كتاب اثنتي عشرة مرة و مقرونا بضمائر كتابنا ،كتابه، كتابي ثلاثة عشرة مرة ، و بالجمع كتب ست مرات ؛ كما كان أمره الأول يدعو للقراءة علما منه بقيمة الكتاب و فوائده المتعددة

 و المتنوعة .

عندما خلق الله الإنسان ميزه على سائر المخلوقات، فوهبه بعض النعم إكراما له و تشريفا له إن هو قدرها حق قدرها و أدرك معانيها حق الإدراك ! و منها القراءة لا على سبيل الحصر و التي يجب أن تلازمه ملازمة ظله لأنها تثبت وجوده و تضمن سلامة عقله

 و صفاء روحه و سمو فكره و يقظة ضميره و بعد

نظره و إحياء نبل مشاعره و صدق عواطفه ورقي ذوقه و سعة قلبه و انشراح صدره و قوة عزيمته و استقامة سلوكه و نظافة يده ؛ كما تلهب طموحه ، فيزداد حماسة و ثقة بالنفس لمواجهة تحديات الحياة . بل وأكثر

 من ذلك، قد تقوده إلى أعلى المراتب بتبنى شخصية تاريخية تغير مجرى حياته . و من الإعجاب و الهيام  بالقراءة ما أعطى أكله !!! بدليل أن هناك أشخاصا قرأوا فوصلوا  أسمى المنازل و كان لهم الفضل في تعليم و توجيه و تثقيف الملايين من الناس لأنهم أصبحوا مصدر إلهام بامتياز !أحبتهم الجماهير دون معرفتهم عن قرب ، غير عابئين لا بجنسيتهم و لا سنهم و لا عرقهم

و لا لونهم ؛ و انما العلم و المعرفة هما مصدر  نبع هذه العواطف الصادقة و العميقة . و جميل أن يحتل الإنسان مكانة  خاصة في قلوب الناس دون صلة قرابة أو صداقة أو مصلحة دون علمه!.

إنها أكبر و أعظم  نعمة  ينعم الله بها على عباده  المختارين

و إذا كانت القراءة ترفع الإنسان إلى هذا المقام الرفيع ليصبح محبوب الجماهير عبر العالم دون حدود و لا قيود فلا استغناء له عن الكتاب لأنه ضرورة من ضروريات الحياة و مهم على قدر أهمية الأكل والنوم

 فالمطبخ و المكتبة لا بديل لهما بالبيت و من حرم الكتاب كمن حرم الطعام . و كما نذهب الى السوق للتزود بالمواد الغذائية بصفة فطرية و منتظمة وجب علينا التردد على المكتبة لاقتناء الكتب لتغذية العقل

 و الروح . و في هذا  السلوك  توازن ، و هو مقياس الرقي و الجمال في كل شيء . و لعل  التوازن  هو أول مزية للقراءة ، لأن الإنسان مركب من جسد و عقل

 و روح

 و من الضروري الاعتناء بهم  مجتمعين . و هو بخير

ما وازن بين جميع مكوناته.

 إن التوازن جمال في خلق الله أولا و في كل فن من الفنون الجميلة و من منا لا يحب الجمال و لا يسعى جاهدا لكسبه ؟!

و إذا كان للكتاب عدة حسنات فأولاهم هي هذا التوازن الناتج عن التناغم و الألفة بين العقل و الروح و الجسد؛

وهذا التوازن بالذات يفرز الاتزان الذى يساعد الإنسان على ضبط نفسه في أغلب الأوقات و اصعب الحالات، و الفضل كله يرجع إلى الكتاب الذى أكسبه هذه المناعة ضد الانفعال السريع و التأويلات الخاطئة أو النظرة القصيرة و الضيفة بما ينطوي عليه من تراكم تجارب الحكماء و خبرة العلماء و عبر مستمدة من أبطال التاريخ البشري تغير مجرى حياتنا إلى الأحسن بكل ثقة و ثبات .

و بعد التوازن و الاتزان، يأتي التواضع بفوائده العديدة و المتنوعة تعود على الإنسان بالخير الوفير أذكر منها لا على سبيل الحصر الاستعداد للتعلم المستمر النابع من قناعة الانسان بحجم جهله مهما كان مستواه العلمي و المعرفي فيزداد حرصا على مواكبة العلم والمعرفة ؛ .ولا أدل على ذلك من  مقولة الإمام الشافعي رضي الله عنه و هو من هو في علمه وسعة ثقافته وورعه

 و إمامته :”كلما ازددت علما زادني علما بجهلي “

و العالم الأديب و الفيلسوف ديكارت:

“كلما أعلم : أني لا أعلم شيئا “

أجل إن القراءة المنتظمة هي التي تشعرنا بحجم جهلنا و تحمسنا إلى المزيد من التعلم بعيدا عن الغرور

 و الرياء .وكل من يدعي العلم معرفة فإنه جاهل وأكثر لأنه  يجهل جهله . و لقد صدق من قال :

قل لمن يدعي العلم معرفة ، إن عرفت شيئا غابت عنك أشياء

و لحكمة ما قال النبي( ص):” اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد “وعيا منه  بأنسنة الإنسان لأن العلم سر وجوده في الكون و تميزه عن سائر المخلوقات و هو الذى أمره ربه بالاستزادة في طلب العلم

” و قل ربي زدني علما “

و يقينا أن التواضع يتربع على عرش الخصال الحميدة التي يجنيها من  القراءة المستمرة فتجعل منه مواطنا  صالحا لنفسه و مجتمعه؛ و معها و بها يصبح واثقا من نفسه متصالحا معها و بالتالي مع الآخرين فيتقاسم معهم

خلاصة قراءاته ملهما بعضهم – من حيث لا يشعر- إلى الاغتراف و النهل من  نفس  المصادر . لقد ساهمت القراءة و بشكل كبير و بطريقة غير مباشرة إلى تعزيز الثقة بالنفس و تقدير الذات ؛ آنذاك يصبح  الإنسان بفضلها منتجا: يبدع و يمتع الى أن  يحتل مكانة مرموقة  و يكون مصدر اشعاع

و تنوير  و روح المجالس أينما حل و ارتحل بسعة ثقافته

 و رقي اسلوبه و جودة افكاره .كما  قد يذهب الى أبعد من ذلك ، فيفكر في الكتابة بفضل آلياتها التي أصبحت تطاوعه للتبادل الثقافي و المعرفي و قد يشرع في تعلم اللغات الأجنبية لتوسيع آفاقه المعرفية و الثقافية

 و تطوير ملكات البحث و التنقيب و التحليل .

و بانخراطه في التعلم المستمر تفتح له آفاقا عديدة يطل منها  على العالم من خلال الكتب و المجلات المفيدة غير عابئ لا بقومية و لا جهوية و لا جنسية

 ولا عرقية ؛إنما يصبح شعاره الأول هو “الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها” كما قال سيد الأنام عليه أزكى السلام .

و بما أن الكتاب يساهم و بشكل ملفت في تطوير ملكات النقد و الاستنتاج و قراءة الأمور القراءة الموضوعية

و التأويل الصحيح ، فإن الإنسان يستفيد منها بالدرجة الأولى في التعاطي مع شؤون حياته اليومية باتخاذ القرارات الصائبة و تفادي العواقب الوخيمة فضلا عن مواجهة التحديات دونما تضخيم الذي غالبا ما يضعف قوى الإنسان و يقوده إلى الاستسلام ،و من تم إلى الفشل . إن القراءة تعوده على التريث لأن له من النضج ما يكفيه على فك الرموز و حل المشاكل بصفة

 منطقية  و ناجعة نظرا للمهارات التحليلية و عمق التفكير الذي أكسبه الكتاب إياها. و لهذا السبب نجد جل المفكرين و الكتاب و المؤلفين قبلة للاستشارة  و النصح على المستوى الوطني و الدولي في اتخاذ القرارات الحساسة ؛ كما نجدهم في أعلى السلطات سواء ببلدهم أم ببلدان أخرى .هذا من الناحية المعنوية

أما من الناحية المادية فقد تدر عليهم ربحا ماليا مشرفا سواء عبر التأليف أو الترجمة أو النشر أو الاستشارة في أعلى مستوياتها و التي غالبا ما يستثمرونه في البحث العلمي أو مشاريع تربوية  . إن تسيير شؤون  الدولة  لا تستقيم إلا بخلية  استشارية تكلف بدرس الملفات الكبرى و اتخاذ القرارات الاستراتيجية. و من الواضح أنها لجنة مكونة من مفكرين أكفاء لهم من الخبرة الواسعة و النظرة الثاقبة و التحليل الموضوعي و النقد الذاتي ما يؤهلهم للقيام بمهامهم أحسن قيام .

 و بالطبع أن القراءة المنتظمة و الواسعة فضلا عن تكوينهم الأكاديمي هي التي زودتهم بالآليات الضرورية للوصول الى هذه المراتب العليا .

و هناك أيضا مزية أخرى على قدر من الأهمية و هي مطاردة الملل باستغلال الوقت الاستغلال النافع

و الممتع ؛ ففي حضرة مولانا الكتاب لا نشعر بالملل على الإطلاق لأنهما عدوان لا يلتقيان .نعم إنه مشغل الوقت لا يترك للبطالة سبيلا و لا للرذيلة دليلا بل هو للوحدة  بديلا . مع الكتاب نحلق بعيدا في الزمان و المكان و نسمو إلى أعلى مراتب الجمال و الكمال فهو من عوامل الوجود الإنساني.

و الآن عزيزي القارئ اليك بعض التجارب الحية :

لقد سبق الروس الأمريكيين في إطلاق أول قمر اصطناعي إلى الفضاء ، فتساءل الباحثون الأمريكيون عن السبب الكامن وراء هذا الإنجاز العظيم، و بعد البحث و التنقيب، اكتشفوا إخفاق المدرسة الأمريكية في تعليم أبنائهم القراءة الجيدة لتحصيل العلم و المعرفة فبادروا لإصلاح منظومتهم التعليمية بتعويد الطفل الأمريكي على القراءة الجيدة و المتنوعة بتهييء  جميع الفرص لتعزيز حب القراءة .

أما اليونانيون، فلقد امتد فكرهم إلى كل حضارات العالم بفضل اهتمامهم بالقراءة ، و نفس الشيء بالنسبة للعرب، فمنذ حملوا لواء “اقرأ” انطلقوا في جميع بقاع الأرض ليعلموا الناس و يمهدون دروب العلم و الثقافة حتى أصبحت كتبهم مراجع فكرية و علمية و جامعاتهم قبلة لنبلاء اروبا في القرون الوسطى .

 و الآن لك بعض المقولات لكبار المفكرين حول القراءة . سئل أرسطو عن تقييم الإنسان فقال :”ان قيمة الإنسان تكمن في عدد الكتب التي يقرأها “أما العقاد فقال :”أحب الكتاب لا لأني زاهد في الحياة بل لأن حياة واحدة لا تكفيني ” و نجيب محفوظ :”إن أكبر هزيمة في حياتي هي حرماني من متعة القراءة بعد ضعف بصري ”  أما العالم الفرنسي فيكتور ايكو فقال :”القراءة هي الأكل و الشرب .إن العقل الذى لا يقرأ يضعف ” أما  مونتيسكيو  فقال :”إن القراءة هي الطبيب الذي يحبب  الإقبال على الحياة بامتياز”

و الآن مارايك في التذكير ببعض النماذج التي قرأت فوصلت لعلها تلهمنا فنقبل على الكتاب بكل حيوية و ابتهاج ؟!

يحضرني على  رأس القائمة أستاذنا العظيم صاحب العبقريات الإسلامية عباس محمود العقاد و الذي لم يحظ بتكوين أكاديمي و إنما الفضل كله فيما خلف لنا من روائع أدبية و علمية وثقافية هي نتيجة جهده الشخصي عبر مصاحبته مولانا الكتاب أعزه االله و أبقاه ذخرا لنا إلى يوم الدين ، و لولا الكتاب ما كان ليكون ضمن رموز أشهر المفكرين و المؤلفين الذين نفعوا الأمة بمنشوراتهم الشيقة و المفيدة .

يليه الروائي السوري “حنا مينا “الذي كان حلاقا

 و بحارا و حمالا قبل أن يصبح كاتبا مرموقا و روائيا

 مشهورا ؛ و لولا فضل الكتاب عليه ما تطورت ملكاته الأدبية و الثقافية ليرتفع الى درجة الأكاديميين .و من هنا يمكن القول أن الكتاب مدرسة من لا مدرسة له

 و جامعة من لم تطأ قدمه الجامعة . كما يحضرني شيكسبير شاعر الوطنية و عبقرية استبصاره ؛ فمرونة أفكاره جعلت كتاباته رغم توغلها في القدم خالدة و قابلة للاهتمام حيث ترجمت إلى عدة لغات و أصبحت كتبا مدرسية تدرس بالجامعات للاستفادة منها ؛ و لقد خلفت مؤلفاته انطباعا جميلا في نفوس الأجيال لتنوع مواضيعها و أهميتها . و لدور النشر دور فعال للتعريف بهؤلاء العظماء الذين قرأوا فوصلوا للسير على منوالهم . أجل لقد قرأوا فوصلوا فأغنوا الأدب العالمي و تصدرت كتبهم جميع  مكتبات  العالم .

قرأوا فأبدعوا و تألقوا و علموا الملايين . كما يحضرني الأديب الروسي “تيلستي” الذي حقق المعجزات بفضل القراءة لأنها هي البوابة للتطور و النماء والطريق الذي يضمن التقدم و البناء .

إن القراءة هي بلوغ الكمال النفسي و العقلي

 و بالمواظبة على القراءة المتنوعة ، تصبح ذلك المشعل المضيء لنفسك و للآخر؛ و قبيح بمن أعطي شمعة يستضيء بها فيطفئها و يمشي في الظلام . إن القراءة جهاد ! فعلموا   أبناءكم و أحفادكم  القراءة لتصبح عادة يومية ،  بل ثقافة ! و هكذا التطبع مع الوقت يصبح  طبعا و ما أجمله من طبع ! و ما أعظمه من إنجاز !! إنها  أحد أعمدة الحياة الطيبة  و الناجحة ! .إنها  ركن من أركان العلم !!       

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى