نصوص أدبية/ قلم الأديبة مهى هسي

لم أكتب بعد ولا مرة عن رهاب الأماكن المغلقة!بصراحة لأنني خشيت أن أعطي أفكاراً لقاتل يضمر لي نيّة خبيثة، أن يقتلني لا بأس، ولكن أن يحبسني فهذا لا أحتمله! الآن وقد تأكدتُ أنني لست مهمّة إلى هذا الحد، لا أحد سيضيفني لسلسلة جرائمه، ولا حبيب سينتقم لخيانتي، ولا أحد استطعت إيذاءه بشدة كي يهدر وقته في التخطيط لقتلي… كانت أول قصة كتبتها في حياتي عن السجون الصغيرة والكبيرة، كتبت عن حياة ملؤها الذعر والصراخ المدفون والريش الذي يسقط عن الأجنحة بفعل فاعل، كلما دخلت غرفة وأغلقت باباً أتخيل أن لا أستطيع فتحه ثانية، لهذا أترك الأبواب مفتوحة والنهايات مفتوحة… أترك قلبي مفتوحاً كي يمرّ منه الأحبّة ويعبروا إلى حيواتهم السعيدة حيث يضحكون في الصور، وأقول لا بأس إنهم على الأقل لم يغلقوا دائرة عليّ، حتى حين أسير في الطريق أحفّ بأقدامي لأمحي أطراً أتخيلها مرسومة بالطبشور، كنت أبرع طفلة في لعبة القفز عن المربعات، لأنني أقفز بسرعة من واحد إلى آخر خشية أن ينبت منه نبات خبيث يطبق على أقدامي، وصرت كبيرة أبحث عن بيتٍ أحط فيه، عن جسدٍ أمسك به، حين أفيق من كابوس أبحث عن كنزة أمي كي أشد عليها، أو صوت حبيبي الذي أصوره على أنه غيمة وأتناسى أن لصدره قفص، لقد أصبحت الحياة سجناً كبيراً دون أن أحس، والبلاد قبراً ضيقاً وأصحو كل يوم مدركة أن أسوأ مخاوفي قد تحقق، نتساءل عن الذنب الذي ارتكبناه، والذنوب أضيق الأماكن، لماذا خسرنا كل ما خسرناه ونحن لم نمتلك شيئاً يوماً، لماذا نختنق داخل ضمائرنا التعيسة بينما يلقي علينا المجرمون التحية ويمضون أحراراً، لا أعرف كيف أصف خوفي الذي هاجر مفتاحه مع المفاتيح الهاربة، بالأمس صادفت عروساً في سيارة ليموزين كبيرة أغلقت الشارع بحجمها، قهقه العابرون: “تخيلوا أن يدرك العريس أنها لئيمة ولا تستحق”، رد صوت من أعماقي: أليست هذه السيارة حبساً صغيراً؟ محشوراً في وسط الطريق؟ لو كنت مكانها لصرخت حتى انكسر الباب وركضت إلى المحيط….
