الحلقة –الثامنة – من – رواية :”تحت ظِلال أشجَار التّين والزّيتُون” ( سيرة بطل مُجاهد شهيد معركة “أنوال” الماجدة)
الحلقة –الثامنة – من – رواية :”تحت ظِلال أشجَار التّين والزّيتُون”
( سيرة بطل مُجاهد شهيد معركة “أنوال” الماجدة)
بقلم : د. محمّد مَحمّد خطّابي
-8-
“..أصبح نهار اليوم مُشمساً ،والجوّ حارّاً ،وكان الطقس معتدلاً، قرّر “مُوح” أن يذهب للأستجمام والسّباحة والتنزّه، فاليوم لم تكلفه أمّه بأيِّ عملٍ في الحقل أو في البيت ، قرّر أن يتّجه إلى شاطئ “الصّفيحة” الجميل الذي وجده خالياً تماماً من البشر ،وكأنّ الشاطئ قد أصبح كلّه ملكاً له وحده ،مرّ راجلاً أمام جزيرة النكورالسّليبة، توقّف أمامها قليلاً مُتألّماً ،مُتحسّراً ،وحدّق النظرَ فى هذه القطعة من اليابسة الصّغيرة التي هي إمتداد طبيعيّ لأراضي قريته أجدير ، ولم يكن يستوعب كيف احتلّها أو استولىَ واستقرّ بها الإسبان منذ زمنٍ بعيد، وعَلِقُوا بها لاصقين على نتوءات صخورها الصّلدة بدون رجعة ،كان يصفهم بالقُرّاد .
كان السكّان يُسمّون الجزيرتيْن المتقاربتيْن من شاطئ “الصّفيحة” بأسماء خاصّة منذ القدم ، فالجزيرة الأصغر والأقرب إلى اليابسة تُسمّى بجزيرة البرّ الصُّغرىَ، ويُطلقون على الجزيرة الأكبر والأبعد منها داخل البحر بجزيرة البحر الكبرىَ.
دخل (مُوح) سباحةً الى الجزيرتين الصغيرتيْن ، كان يحمل معه سكّيناً صغيراً قابلاً للطيّ يُفتح عند الحاجة إليه، سبح لمدّةٍ طويلة في شاطئ رمليّ صغير جداً كان يُوجد في الجانب الشّرقي للجزيرة الصغرىَ ، ثمّ أخذ قسطاً من الرّاحة والإسرخاء مُستمتعاً بجمال الطبيعة الخلاّبة ،وبهدوء هاتيْن الجزيرتيْن اللتيْن لا تُسمع فيهما سوى زقزقة البلابل، وشَدْو العصافير، ورفرفة الطيور ،وهديل الحَمام ،وعرير الصّراصير الذي لا يتوقّف ،وعند حلول وقت صلاة الظّهر أو العصر كان يُسمع بالجزيرتيْن صوت المؤذّن الذي كان يصدح في الآفاق انطلاقاً من مسجد “المُجاهدين” ( إمجاهدن) الذي لا يبعد عن الجزيرتيْن كثيراً ، كما كان ينتهي إليه صوت انكسار أمواج البحر على الصّخور المحاذية للجزيرتيْن مختلطاً بصيّاح أصوات النوارس المتقطّعة وهي قابعة في فوهة جُحُورها لحماية أفراخها الصّغار وإطعامهم بمناقيرها الطويلة في أعالي الصخور، أو وهي تُحلّق في الفضاء الفسيح حول الجزيرتيْن بدون انقطاع ،أو هي تصطاد الأسماك الصّغيرة فى عرض البحر .
قام ( مُوح) بجني بضعة ثمرات من التّين الشوكيّ المستويّة الطريّة اللذيذة ذات الألوان الصّفراء الفاقعة، والحمراء القانية ،التي تكون متوفّرة فى فصل الصيف ، وبعد أن نفض عنها بسَعف النّخل القصيرالذي يثمر ثمرات الجُمَّار أشواكها الدقيقة البالغة فى الصّغرالعالقة على قشورها الخارجية وضعها بين تجاويف صخور الشاطئ لتبرد قليلاً ،كانت مياه البّحر تملأ هذه التجاويف عند المدّ، وانهمار الموْج ، ثمّ سرعان ما تُفرغ من جديد عند الجَزْر، وانحسار الموج ،بعد ذلك أشبع غليله منها.
كانت نباتات التّين الشّوكي ،وشُجيرات الصبّار تنبت بهاتين الجزيرتيْن بكثرة وتغطّي أديمهما ، وهي تُعمّر فيهما على امتداد الحوْل.
استلقىَ (مُوح) لأخذ قسطٍ من الرّاحة تحت ظلّ شجرة صبّار عتيقة لمدّةٍ وجيزة . وعندما انتهي إليه أذان صلاة العصر رخيماً من صومعة “إمجاهدن” أدّي فرائضه بجزيرة البحر ، ثمّ قرّر العودة الى اليابسة فى الشّاطئ الرّملي ، عاد إلى اليابسة وهو يسبحُ بذراع ٍ واحدة ،ورفع الذراع الأخرى فوق الماء التي كان يحمل بها اثنتيْن من الحَمام البرّي الذي يعشعش ويكثر في الجزيرتيْن الصّغيرتيْن، ويقيم بهما على امتداد السّنة، كانت جزيرة “النكور” الكبرى المُجاورة المُحتلّة لا تتجاوز المسافة بينها وبين الجزيرتيْن الكيلومتر الواحد ..(يتبع).