أدب وفنمقابلات

حوار مع الشّاعر الدّكتور حسن عليّ شرارة

حوار مع الشّاعر الدّكتور حسن عليّ شرارة/ حاوره الأستاذ محمد فاضيلي


هو شاعر متميّز متألّق، فريد في نظمه، مهووس بحبّ وطنه، عاشق له حتّى الثّمالة :
لبنـانُ أنـتَ الهوى والحُلـم والأملُفيك الرّجاءُ بك الوجدانُ متّصلُ فيك الجمالُ طيوفٌ فــي مخيّلتيتبقى رفيقةَ عمري حيثُ أنتقلُ
أهواكَ حضنًا فأنتَ الحصنُ تأمنهكلّ النّـفوسِ وبالأنوارِ يكتحـلُ أهـواكَ للعلمِ تاجَ المُلهمين ومنأرواحُهم في سبيلِ الخيرِ قَد بذلُوا
فأنت سُكنَى عـباقرة يروقُ بهـم*نظم القريضِ وفيهم تطربُ الجملُ

اكتوى بنار الحروب الأهليّة في لبنان وبنار الصّراعات الطّائفيّة والأزمة الاجتماعيّة الّتي تخنق الوطن الحبيب، فنظم في حقّه قائلا:

لَهـفي عليـكَ أيا لبنـــانُ يا وطني تـغدو يبابًا وَتـهوِي هذه القللُ أبكي عليـهَا بيوتَ العزِّ يسكنُهافقرٌ وجوعٌ ووضعٌ خَطبُـهُ جللُ
والأنسُ غابَ عن الآفاقِ مُذ هجرتعنهُ الشّوادِي وسَادَ البينَ والوَجَلُ أبــناؤُنَا هــجَروا أرباعَـنا فَـغَـدت تبكي عليهِم دمًـا مِن حُزنها المُـقلُ
والـرّوحُ تـنشـجُ آهـاتٍ مُـردّدةبالأمسِ كانوا هُنَا واليوم قد رحَلُوا هذي سطورِي لَظى والأمنياتُ ذَوَت وكلُّ حَرفٍ بنارِ الوجدِ يشتعِلُ
لكن مع ذلك فهو متفائل بفجر النّصر والإصلاح بعد غلس الظّلم والفساد:
هذي العُقُولُ الّتي غابَـت مفارقةلا بدّ يومًـا ستأتي مثلما أفلُوا غـدا تلوحُ بِـرغم الظّلمِ بَـارقةٌللأمنياتِ وهـذا الجُرحُ يَــــندملُ
ويشرقُ الفجرُ فجرَ الحقِّ في وطني يَـمحُو الفَـسادُ هذهِ العللُ ويكدحُ الصِّيدُ كي يُحيـوا مرابعَناليزدهي السّهلُ والوديانُ والجبلُ
كيمَـا تَـؤوبَ إلى لبنانَ بهجتُــــه*والعـزُّ والأمنُ والإيمانُ والأملُ

بالإضافة إلى الوطن الغالي لبنان فهو مهتمٌّ بقضايا الأمّة العربية جمعاء، وعلى رأسها الحبيبة الغالية فلسطين، الّتي نظم فيها قائلا:

فلسطيني أنا، عََـزمي وبأسِيأبيتُ العيشَ فِـي ذلّ وبُؤسِ ورحتُ بنفحَةِ التّحريرِ أحــياوتحيَا في هُيَام القُدسِ نفسِي
نذرتُ لنصرة الأقصَى حياتيأسـيرُ بـهدي إيمانـي وقدسِي لئن عزّ السّــلاحُ لردع طـاغٍحملتُ بكفّيَ المـيمون فأسي

ولتوجيه الفكر العربيّ نحو المعالي، نظم في نحويٍّ مُنشغل بالتّفاهة قائلا:

ثارَ نحويٌّ تولاه الغضـبُ راح يـــدعو يا لثاراتِ العَربْ نغّصتهُ هاء سكتٍ رسمت تاء ربط دوّنت فيـما انكتــبْ أهملَ المعنى للفظ طارئ**إنّــهُ أمرٌ مُثيـرٌ للعجَبْ ليت شعري أزعجته لفظةكيف لم يزعجهُ ماخور الأدبْ

يُسعدنا في موقع منار الإسلام أن نستضيفَ الشّاعر الكبير الدّكتور حسن عليّ شرارة لنحاوره في تجربته الشّعريّة الفريدة والقضايا المتعلّقة بالفكر والأدب.

1- الشّاعر الدّكتور حسن عليّ شرارة، أهلًا وسهلًا بكم ضيفًا عزيزًا على موقع منار الإسلام، يُسعدنا أوّلا أن تعرّفوا روّاد الموقع عن شخصكم الكريم، وأهمّ المحطّات في حياتكم الشّخصيّة:

• إذا ما أردتُ التّعريف بنفسي أبدأُ منَ الدّائرةِ الأوسعِ الّتي أنتمي إليها، إلى أن أصلَ إلى الدّائرةِ الأضيقِ؛ فأنا”حسن عليّ شرارة” أنتمي إلى الإنسانيّةِ الّتي تتجاوزُ الأعراقَ، والأقوامَ، والحواجزَ الجغرافيّةَ، أحملُ الهمَّ الإنسانيَّ في قلبي، وأترجمُهُ شِعرًا، وهذا أضعفُ الإيمانِ، وأنا ابنُ الأمّةِ الّتي أنتمي إليها، فقد تربّيتُ على الإخلاصِ والوفاءِ لها، وابنُ هذا الوطنِ العربيِّ من محيطِهِ الهادرِ إلى خليجِهِ الثّائرِ باختلافِ أقطارِهِ وطوائفِهِ.
• ولدتُ في قريةِ “الرّماديةِ”/ قضاء صور/ لبنان الجنوبيّ، ونشأتُ وترعرعتُ في “جبلِ عاملَ”، وتعلّمتُ وما زلتُ إلى الآنَ في “بيروتِنا”، وأنا أنحدرُ من “بني شرارة”؛ عائلةٌ همدانيّةٌ تنوخيّةٌ تمتدُّ على مدى تخومِ هذا الوطنِ العربيِّ من: فلسطينَ، إلى لبنانَ، فسوريةَ، فالعراقَ، فالأردنَ، فمصرَ، فاليمنَ، فالحجازَ، إلى جزائر المغربِ العربيِّ، ولعلَّها من أكبرِ العائلاتِ العربيّةِ، حباها اللهُ موهبةِ الشّعرِ والأدبِ والفنِّ إرثًا ضاربًا في تاريخِها، تتوارثُ الشِّعرَ واللّغةَ والفنَّ كما يتوارثُ النّاسُ العِقارات، أي إنّني شاعرٌ بالولادةِ أبًا عن جَدٍّ، وحباها عشقَ الوطنِ والأرضِ، فقد بقيتْ تُرابطُ لــــ 200 عامٍ تقاتلُ الفِرنجةَ، وتذودُ عن تخومِ بِلادِ الشّامِ؛ حتّى ظهورِ “صلاح الدّين الأيّوبي”، وفي التّاريخِ شهاداتٌ تحكي عن دورِ أبنائِها في العملِ المُقاومِ المُتواصلِ مُنذُ زمنٍ طويلٍ إلى يومِنا هذا.
• أمّا أهمُّ الإنجازاتِ: فكلُّ الإنجازاتِ مهما كانَ نوعُها أعلميّةً كانتْ أم أدبيّةً أم تربويّةً ما هيَ إلّا محطّاتٌ مُهمّةٌ في سلسلةٍ، كلُّ حلقاتِها، لها في نفسي المكانةُ ذاتُها؛ لأنّها محطّاتٌ متكاملةٌ في مسيرةِ حياتي الّتي أعتزُّ بِها، فأنا خادمٌ أمينٌ لهذهِ الأمّةِ ولغتِها، وجنديٌّ مجهولٌ للذّودِ عن حياضِها، وخليّةٌ صغيرةٌ في جسدِها؛ أشعرُ أنّني مهما قدّمتُ أبقى مُقصّرًا بحقِّها.

2- بعد هذا التّعريف، نود التعرّف إلى علاقتكم بالشّعر، وصِلتِكم بالشّعراءِ، وهل تصنّفون نفسَكم في مدرسة أدبيّة خاصّة.

• علاقتي بالشّعرِ كما سبقَ وعرفّتُكَ بنفسي؛ فأنا ابنُ عائلةٍ دينيّةٍ أدبيّةٍ لها في ميدانِ الشّعرِ باعٌ طويلٌ، والبعضُ يقولُ عنها إنّها “عائلة الألف شاعر”، فمنها الشّاعرُ العلّامةُ الشّيخ باقر شرارة، ومنها الشّاعرُ المرجعُ الشّيخ موسى شرارة، ومنها الشّاعرُ الشّيخ عليّ شرارة، وأنجالُهُ الشّعراءُ والأدباءُ واللّغويّونُ: الشّيخ محمّد شرارة رائدُ النّضالِ والاشتراكيّةِ في العراق ولبنان، والأديبُ العلّامةُ عبد اللّطيف شرارة، واللّغويُّ النِّحريرُ الأستاذ حسين شرارة، والشّيخ أمين شرارة وحفيدُهُ الشّاعر الدّكتور مرتضى شرارة، ومنها الشّاعرُ الفذُّ موسى الزّين شرارة شاعرُ الثّورةِ وجذوةُ النّضالِ القوميِّ، ونجلُهُ المُناضلُ العربيُّ الكبيرُ، والإعلاميُّ المُميّزُ الأستاذ غسّان شرارة، اللّذانِ تتلمذتُ على أفكارهِما، ومبادئِهما، والقائمةُ تطولُ، ويقصّرُ المجالُ عن ذكرِ الجميعِ. فـ ” كلُّ الرّبيعِ ببعضِ العُطرِ يُختصرُ”، كما أنَّ جبلَ عاملَ الّذي تنتمي إليه عائلتي “جبلُ الشّعرِ والأدبِ”، وقد قيل: “احذروا إبداعَ العامليّينَ فوراءَ كلِّ حجرٍ فيه شاعرٌ”. لذلكَ، كَثُر فيه الشّعراءُ الأعلامُ الّذين أغنوا الأدبَ العربيَّ بمؤلّفاتِهم، وذاعَ صيتُهم على مدى الكونِ، وهم أصحابُ مدرسةٍ تُعرفُ بمدرسةِ الأدبِ العامليِّ الثّوريِّ.

3- هلّا حدّثتمونا عن مميّزات تجربتكم الشّعريّة، والإضافة النّوعيّة الّتي أغنيتم بها الفضاء الشّعريّ المعاصر؟

• ليسَ في الشّعرِ انتماءٌ، فهذا التّصنيفُ بدعٌ من صُنعِ النُّقّادِ، وليسَ قاعدةً أو مادّةً يُقولِبُ فيها الشّاعرُ مواجدَهُ الّتي تخرجُ منسوجةً بخيوطِ المشاعرِ اللّطيفةِ؛ ليحصلَ على هويّةٍ أدبيّةٍ.. الشّاعرُ شاعرٌ، وكلُّ مذاهبِ الأدبِ مذهبُهُ، وموضوعُ النّصِّ يختمرُ في نفسِهِ، ليخرجَ عملًا فنّيًّا على هيئةِ بِلا هُويّةٍ، ثمَّ يعطيهِ النُّقّادُ رقمَ سجلٍّ في أحدِ المذاهبِ الأدبيّةِ الموضوعةِ. والقارئُ غيرُ النّاقدِ، لا يلتفتُ إلى الهُويّةِ الأدبيّةِ للنّصِّ؛ لأنّهُ في موقعِ المُتذوّقِ، وليسَ القاضي. فما يصدرُ عن العاطفةِ، والمشاعرِ، والوجدانِ يجبُ ألّا نُخضعَهُ لقوانينِ العقلِ، والمنطقِ، والتّفكيرِ المُمعنِ في الأشياءِ؛ حتّى تكونَ في قوالبَ تُحدّدُ الشّكلَ والمضمونَ.

4- ما هو الشّعر في نظركم، وما هي الشّروط الّتي ينبغي توافرها في من يخوض بحر الشّعر الطّامي؟ وهل كلّ من نظم القصيدة شاعرًا؟

• كما هوَ معروفٌ، الشّعرُ فنٌّ أدبيٌّ، وهوَ قسيمُ النّثرِ. فهوَ خطابٌ ذو إيقاعٍ موسيقيٍّ؛ تُحدّدُهُ التّفعيلاتُ والقافيةُ والرّويُّ، وعباراتُهُ يتلالأُ الجمالُ في تركيباتِها البلاغيّةِ، وتناقضاتُ ائتلافاتِها الخلّاقةِ اّلتي تُقدّمُ المشاعرَ والأحاسيسَ بصُورٍ إبداعيّةٍ مُستوحاةٍ من عالمِ الخيالِ، فالشّعرُ رأسُ الفنونِ الجميلةِ، وأشملُها، وأرقاها.
• ليس كلُّ مَن نظمَ كلامًا موزونًا ومقفًى شاعرًا، لأنّ الشّاعرَ ليسَ إنسانًا عاديًّا، وإن أعملَ جهدَهُ لإخراجِ نصٍّ موزونٍ مقفًى، فقبلَ ذلكَ عليهِ أن يكونَ حُرًّا منَ التّبعيّةِ الضّيقةِ بكلِّ أشكالِها غيرِ الحضاريّةِ: كالتّبعيّةِ السّياسيّةِ المُغرضةِ، أو القبليّةِ العُنصريّةِ المقيتةِ الّتي تنصرُ الظّالمَ، وأن يتمتّعَ بثقافةٍ تُنمّي عندَهُ النّظرةَ العميقةَ إلى الأمورِ، وتجعلُهُ يستشرفُ المستقبلَ، ويُحيطُ بالحاضرِ. ومن هُنا يُقالُ إنَّ الشّاعرَ راءٍ، وكلُّ شاعرٍ “مُتنبّئٌ”، وإن لم يكنْ كذلكَ فهوَ ليسَ شاعرًا، فالشّاعرُ يمتلكُ عينًا فنّيّةً، وأذنًا موسيقيّةً،وعليهِ أن يكونَ رساليًّا يحملُ رسالةً مُحقّةً وعادلةً، ومُجاهدًا مُنافحًا عن الحقِّ بالكلمةِ الّتي لها أثرٌ أمضى من السّيفِ.
ليس في قولِك معنىإن مضَى من غيرِ ضَجّة إنّ حُـرّ القـولِ يـبـقَىفي فمِ الأجيالِ حـجّة
ورخيصَ القولِ يُلقى
مثل مــاءٍ فَوقَ ثَلـجَة
كُن على الظّـالمِ ذئـباومعَ الـمظـلومِ نَـعـجة وأبــا ذرٍّ إذا مـا*استفحلَ الطّغيانُ نهجَه
الشّاعر موسى الزّين شرارة

5- هلّا حدّثتمونا عن مميّزات تجربتكم الشّعريّة؟ والإضافة النّوعيّة الّتي أغنيتم بها الفضاء الشّعري؟

• هذا سؤالٌ في شقّيْهِ يُوجَّهُ إلى النّقّادِ والقرّاء، والإحابةُ عنهُ تكونُ من خلالِ ما كُتبَ عن نتاجاتي الأدبيّةِ، وقد أسمحُ لنفسي بأن أقولَ بعضَ ما قِيلَ عنّي بأنّي شاعرٌ شموليٌّ “مسبّع الكارات”؛ بمعنى أنّني أكتبُ في كلِّ الفنونِ الأدبيّةِ، وفي شتّى الموضوعاتِ، حتّى تلكَ الّتي قد لا يلتفتُ إليها أحدٌ، وأُبحرُ في أعماقِ النّفوسِ مُتلمسًا دقائقَ الأتراحِ والأفراحِ؛ لأُخرجَها في صورةٍ شعريّةٍ تليقُ بِها؛ لأنّني أؤمنُ بأنَّ الشّعرَ رسالةٌ إنسانيّةٌ ومسؤوليّةٌ. فعلى الشّاعرِ أن يكونَ رادارًا يلتقطُ مواجعَ شعبِهِ، ويستشعرُ همومَهُ، فيتطرّقُ إلى كلِّ الأمورِ الّتي تهمُّ النّاسَ، وينسجُها لوحاتٍ شعريّةً تُجسّدُ في مضامينِها تجاربَ إنسانيّةً خالدةً.

6- ما رأيكم بالشّعر الرّسالي، وكيف نجعل من رسالتِنا الشّعريّةِ سفينة للتغيير، ومشتلا لغرس القيم الإنسانيّة النّبيلة في المجتمع؟

• ذكرتُ لكَ أنَّ الشّعرِ رسالةٌ، والشّاعرُ رساليٌّ، وإنْ خلتْ مضامينُ شعرِهِ من تلكَ القِيمةِ، وقصّرَ الشّاعرُ في تأديةِ دورِهِ في السَّعي إلى نُصرةِ القضايا المُحقّةِ على المستوياتِ كلِّها؛ لتحقيقِ مآربَ شخصيّةٍ، ومنافعَ دُنيويّةٍ، ولم يُبادرْ إلى تكريسِ القِيمِ والمبادئِ السّاميةِ، وإلى الدّفاعِ عن معاناةِ النّاسِ جماعاتٍ وأفرادًا، والتّعبيرِ عن الحبِّ والحقِّ والجمالِ، كانَ شعرُهُ آنيًّا لا قيمةَ لهُ، ولن يدخلَ في ذاكرةِ الأجيالِ، وبانتمائيّ إلى بيئتي التّربويّة الّتي كرسّت حياتي لها صمّمت أن أكون جسرًا لشعراء قادمين يحملون الرّاية الّتي استلمتها من أسلافي المناضلين عن القضيّة والمنافحين عن الحقّ.

7- نودّ من شاعرنا القدير حسن علي شرارة أن يقوّم الحركة الشّعريّة المعاصرة في لبنان، وهل استطاع الشّعر خصوصا والأدب عموما تحقيق ما عجزت عنه السّياسة؟

• هيَ حقيقةٌ مُرّةٌ نأبى إلّا أن أبوحَ بها، وهيَ أنَّ الحركةَ الشّعريّةَ المُعاصرةَ في لبنانَ تأثّرتْ بالتّناقضاتِ الفكريّةِ، والشّروخِ السّياسيّةِ، وحتّى الدّينيّةِ، فصارَ بعضُ الشّعراءِ يعيشونَ في جُزرٍ مُتفرّقةٍ، بل في جبهاتٍ مُتناحرةٍ؛ يكيدونَ الكيدَ بقوالبَ شعريّةٍ ليسَ فيها من نقاءِ الشّعرِ أثرٌ! فبعضُهم أبواقٌ تحريضيّةٌ لا يُقيمون وزنًا لقداسةِ الدّورِ الرّساليِّ التّوجيهيِّ للشّعرِ، ويسعونَ إلى تكريسِ مفاهيمَ وقيمٍ مُنفّرةٍ، لا يتقبّلُها الآخرُ ممّن يُشاركُهم في الإنسانيّةِ، والقوميّةِ، والتّبعيّةِ في الوطنِ، وحتّى في الدّينِ، أو في المجتمعِ المُحيطِ بِهم، وأخشى أن يرسّخَ الشّعرُ المُعاصرُ في لبنانَ ما تعملُ السّياسةُ على ترسيخِهِ، فيفقدُ بذلكَ قيمتَهُ الإنسانيّةَ، ودورَهُ الرّساليَّ! فالشّعرُ نقيضٌ للتّرسيخِ، ومهمّتهُ الأسمى تحريكُ المياهِ الرّاكدةِ، وطرحُ الأسئلةِ حولَ كلِّ ما هوَ راسخٌ وصنميٌّ؛ لخلقِ عوالمَ جديدةٍ، وفتحِ آفاقٍ غيرِ محدودةٍ، وينبغي أن يكون الشّعرُ مادّةً ترأب الصّدوعّ، وتبلسمُ الجراحَ وتلمّ الشّمل وتوحّد الجهود باتجاه بوصلة الأمّة.
• ولا يعني ذلكَ أنّني أُطلق حُكمًا عامًّا، فهناكَ شُعراءُ كانوا وما زالوا أحرارًا غيرَ مأجورينَ، ينظمونَ شعرَهم بمدادِ الصّدقِ، وينتصرونَ للحقِّ، ولا تخطفُهم الشّعاراتُ التّحريضيّةُ والفتنويّةُ.
• أذكرُ منهم بإيجازٍ من أُطلق عليهم “شعراءُ الجنوبِ” الّذين حملوا الهمَّ المعيشيَّ ورايةَ المقاومةِ، الشّعراء: محمّد عليّ شمس الدّين، وجوزيف حرب، وشوقي بزيع، ومصطفى سبيتي، وحسن العبدالله، والكثيرُ غيرُهم مَن صارت أشعارُهم حِداءً للثّائرينَ، وأهازيجَ للمقاومينَ لُحنت وغُنّيت، وحفظتها الأجيالُ على امتدادِ وطنِنا العربيّ.
• وشكّلَ شعرُهم رافدًا يصبُّ في يمِّ شعرِنا الثّوريِّ الطّامي، الحاملِ للهمومِ القوميّةِ والإنسانيّةِ، وربطَ جنوبَنا بقضايا الأمّةِ، وعلى رأسهِا قضيّتُها المركزيّةُ “فلسطين”، وكانَ لهُ دورُهُ الحيويُّ في نُصرتها، وحملِ قضاياها. ولاقوا شعراء المقاومة في فلسطين والوطن العربي: ومنهم طوقان، ودرويش، والقاسم في فلسطين، والشابّي، والجواهري، والسيّاب، والنوّاب، وأبو ريشة، والقبّاني، وأمل دنقل، وغيرهم من شعرائنا الفطاحلِ.

8- لمن يكتب الشّاعر حسن علي شرارة؟ وأنتم تنظمون الشّعر، هل تفكرون في قارئ معيّن؟ وما هي شروط المتلقّي عندكم؟

• حينَ أكتبُ لا أفكّرُ في هُويّةِ مَن سيقرأُ، ولا أسألُ نفسي لمنْ أكتبُ، ولا أضعُ مواصفاتٍ مُحدّدةً للقارئِ. بل يكونُ جلُّ تركيزي على أن تتدفّقَ القصيدةُ مِن سهوبِ ذاتي إلى رحابِ ذوّاقةِ الشّعرِ، لتصلَ إلى فضاءاتِ الأمّةِ سهولًا وجبالًا ووديانًا وصحارى، وقد تصلُ إلى بعضٍ يسيرٍ ممّن لا يهتمّونَ بالشّعرِ بطريقةٍ ما، ويكونُ هَمّي أن يكونَ لها أثرٌ في النّفوسِ بحَسبِ موضوعِها. لذلكَ، أنا أكتبُ لمن يقرأُ، ويفهمُ، ويتفاعلُ. سواءٌ من يُصادفُ قصيدتي أو تصادفُهُ .

9- متى يكتب الشّاعر حسن عليّ شرارة، ومتى يجد نفسه في حاجة ماسّة للكتابة والنّظم؟

• ليسَ للكتابةِ وقتٌ، ولا مكانٌ مُحدّدٌ، ولا طقسٌ مُعيّنٌ. فكلُّ الأوقاتِ صالحةٌ للكتابةِ عِندي؛ لأنَّ قريحتي في حالةِ تأهّبٍ دائمٍ، وانشغالي بهمومِ النّاسِ وقضاياهم لا ينقطعُ. وأحاولُ أن أستغلَّ أكبرَ قدرٍ منَ الوقتِ في الكتابةِ أو التّهيئةِ لها.

10- صدر لكم دواوين شعريّة عدّة،وأخرى قيد الطّبع،نودّ منكم إعطاءالقرّاء الكرام فكرة عن هذه الدّواوين، وعلى الخيط الناظم الذي يربطها.

• كَوني خبيرًا تربويّا ركّزتُ كثيرًا على القصائدِ المدرسيّةِ الّتي تُنمّي القِيمَ السّاميةَ لدى النّشءِ، وترتقي بِهم إلى مدارجِ الأخلاقِ الحسنةِ، والمزايا الحميدةِ، فأصدرتُ ثلاثةَ دواوينَ “قصائدُ مدرسيّةٌ”، ونشرتُ العديدَ منَ القصائدِ في الكتبِ المدرسيّةِ الّتي تُعلّمُ في أكثرَ منْ قُطرٍ عربيٍّ، ولي العديدُ منَ القصائدِ المنشورةِ في المجلّاتِ الأدبيّةِ، والجرائدِ، وأنا ناشطٌ على المواقعِ والمجلّاتِ الإلكترونيّةِ، فقد صار النّشر الإلكتروني أسرع وأوسع انتشارًا وأمتع. عٌنيت به الأدب الرقميّ الحقيقيّ والمباشر، والّذي يواكب الأحداث، ويستشرفها مرارا، ولي عدّةُ دواوينَ قيدَ الطّبعِ، والعديدُ منَ النّصوصِ، والمقالاتِ،والمسرحيّاتِ المدرسيّةِ.
• والخيطُ النّاظمُ عندي فتيلٌ من مجموعةِ خيوطٍ تلتفُّ حولَ فتيلٍ تتخطّى الذّاتَ؛ للتعمّقِ في إبرازِ الهمومِ الإنسانيّةِ، والالتزامِ بالقضايا المُحقّةِ. إنّهُ خيطٌ شعوريٌّ متينٌ لم تُضعفهُ اضطراباتُ المواقفِ، ولم يتأثّرْ بالمُستجداتِ والطّوارئِ.

11- من خلال اهتمامكم بتدريس اللّغة العربيّة، والتّأليف فيها، هل ترون أنّ اللّغة العربيّة قادرة على تدريس العلوم والتّكنولوجيا، ومسايرة البحث العلميّ والتّقنيّ المتطوّر؟

• اللّغةُ العربيّةُ لغةٌ اشتقاقيّةٌ، وهيَ غنيّةٌ بأصولِها المُعجميّةِ، وقوالبِها الصّرفيّةِ. فهيَ ولّادةٌ، وقادرةٌ على أن تستوعبَ كلَّ جديدٍ سواءٌ من بابِ التّعريبِ، أو التّدخيلِ؛ فتُضيفُهُ إلى دائرتِها، وتُخضعُهُ لقوانينِها؛ حتّى يصيرَ عربيًّا أصيلًا، ورُبّما هذا واحدٌ منَ الأسبابِ الّتي خوّلتها أن تكونَ اللّغةَ الرّسميّةَ الثّالثّةَ في أروقةِ الأممِ المُتّحدةِ، ومنَ النّاحيةِ العِلميّةِ نجدُ في نجاحِ التّجربةِ السّوريّةِ والأردنيّةِ وغيرِها منَ الأقطارِ العربيّةِ في تعريبِ العلومِ مثالًا على قدرةِ اللّغةِ العربيّةِ.
• ولي تجريةٌ ناجعةٌ معَ أخي الأستاذ الدّكتور الشّيخ إبراهيم العزّنكي في تأليفِ منهجٍ إلكترونيٍّ لتعليمٍ العربيّةِ للنّاطقينَ بغيرِها للمعهدِ العالي الّذي أُديرُهُ “معهد صفّ عربي”، وشارفنا على إنجازِ الكتابِ الثّامنِ مِن هذهِ السّلسلةِ.
12– حصلتم على شهادات عليا متّعددة في “اللّغة العربيّة، والتّربية، وعلم النّفس”، ومارستم التّعليم، والإدارة، والتّنسيق، والإشراف، والتّوجيه، والتّأليف التّربويّ لمدّةِ أربعينَ عامًا، من خلال هذه التّجربة التّربويّة التّعليميّة الواسعة، كيف تقيّمون الواقع التّعليميّ العربيّ، وما هي السّبل الكفيلة بالنّهوض بالتّعليم في الوطن العربيّ؟ وكيف يمكن إصلاحه وتطويره وتجويده؟

• لا سبيلَ لنهضةِ الأمّةِ إلّا بالعودةِ إلى المدارسِ؛ لتنشئةِ جيلٍ واعدٍ مُحصّنٍ بالقيمِ الأصيلةِ، والعاداتِ النّبيلةِ، وفتحِ آفاقٍ معرفيّةٍ للرّقيِّ والارتقاءِ إلى مصافِّ الشّعوبِ المُتقدّمةِ،دون أن نهملَ مُعطياتِ العصرِ الّتي استفادت منها التّربيةُ، ومواكبةَ مُستجدّاتِها..
بالعلمِ نسمو لِلعـلاءِ ونرتقيونسيرُ نحوَ غدٍ مُنيرٍ مُشرقِ ولنا الرّهانُ على الدّوامِ بنشئِناوالفخرُ في تلميذِنا المُتفوّقِ
ولا مناصَ من مواكبةِ تقنيّاتِ العصر ِ، وتطويرِ طرائقِ تدريسِ العربيّةِ. ولنا في تاريخِنا شواهدُ للنّهضة بعربيّتِنا وتعزيزها، وانتشارِها، فالعربيّةُ لن تأخذَ مجدَها ومكانتَها الإنسانيّةَ المنشودةَ والمرموقةَ إلّا حينَ نعطيها الأهمّيّة الّتي تستحقّها في حياتنا وحيثيّاتنا.

13- لكم تجربة مهمّة، ونشاط كبير في مجال حقوق الإنسان، هلّا حدّثتمونا عن هذه التّجربة في ظلّ الواقع العربيّ الّذي يتنكّر لأبسط الحقوق، ويمارس التّضييق على المناضلين في هذا المجال؟

• قد لا يمتلكُ الإنسانُ موهبةَ الشّعرِ؛ ليكونَ رسولًا وداعمًا للقضايا المُحقّةِ، فكيفَ إن كانَ شاعرًا قادرًا على أن يكونَ مُدافعًا عنها من خلال القصيدةِ، والمقالةِ، والمسرحيّةِ، والخاطرةِ، والقصّةِ، ومُربّيًا يؤلّفُ الأنشطةَ والتّدريباتِ والتّوجيهاتِ والإرشاداتِ، ويسكبُها في قوالبَ فنيّةٍ؛ لتصلَ بيُسرٍ وسهولةٍ إلى عقولِ النّاشئةِ، وترسخَ في أذهانِهم. وهذا ما فعلتُهُ، وبثثتُهُ في خمسِ سلاسلَ تعليميّةٍ وللصّفوفِ كافّةً. ولي ديوانٌ شعريٌّ يحتوي على قصائدَ ومسرحيّاتٍ عن مفاهيمِ حقوقِ الإنسانِ.

14- بالإضافة إلى هذه الاهتمامات والأنشطة المُكثّفة، أنتم عضو في منظّمة مناهضة الغزو الثّقافيّ والتّطبيع، هلّا حدّثتمونا عن هذه المنظّمة؟ وأهمّ منجزاتها؟

• أنا عضوُ اتّحادِ الكُتّابِ العربِ، الّذي انبثقت عنهُ مُنظّمةُ “مُناهضةُ الغزوِ الثّقافيِّ والتّطبيعِ؛ وهيَ مُنظّمةٌ ناشطةٌ لمتابعةِ ومراقبةِ الغزوِ الثّقافيِّ والتّطبيعِ بأشكالِه ولبوسِهِ المُختلفةِ، وهيَ تُبادرُ إلى دحضِ الافتراءاتِ، وكشفِ الادّعاءاتِ المُلتبسةِ الّتي تسعى إلى زرعِ الأفكارِ الهدّامةِ، والعاملةِ بدأبٍ على زعزعةِ القيمِ الأصيلةِ، وبثّ المفاهيمِ الدّخيلةِ على ثقافتِنا وقِيمِنا، والأدهى هوَ السّعيُ الدّؤوبُ على قطعِ صِلةِ الأجيالِ الصّاعدةِ بتراثِها وأدبِها، ومبادئِ دينِها، وخنقِ الأصواتِ المُجلجلةِ منذ فجرِ هذهِ الأمّةِ المَجيدِ ليومِنا هذا.

15- كيف تنظرون لمستقبل لبنان السّياسي والاجتماعيّ، وهل من سبيل لتذويب الطّائفيّة وتكريس المواطنة كأساس للتّعايش في بلد الأرز والخير والجمال.

• التّفاؤلُ قريني، وهذا جليٌّ في قصائدي، فحينَ أتحدّثُ عن قضيّةٍ، أو أزمةِ أُنهي قصيدتي بإشراقةِ أملٍ؛ لذلكَ فبرغمِ ما نمرُّ بهِ منْ مِحنٍ وأزماتٍ يحدوني الأملُ في أنّنا سائرونَ إلى حَلٍّ؛ لا سيّما أنّ الخيرَ لم ينعدمْ، وأنّهُ برُغمِ الاصطفافاتِ ما زالتْ فئةٌ تسعى لشدِّ الوثاقِ، واجتراحِ العُرى الوثقى الّتي تجمعُ الفعاليّاتِ المتنافرةَ. فلبنانُ جزءٌ من هذهِ الأمّةِ العربيّةِ الإسلاميّةِ الّتي أمعنَ فيها الغربُ تجزئةً وفُرقةً، حتّى صارَ همُّ الحركاتِ السّياسيّةِ في الأقطار ِ العربيّةِ محصورًا في دولِهم المُجزّأةِ، فدولةُ التّجزئةِ قد تكونُ في الموقعِ الثّاني خطورةً بعدَ اغتصابِ فلسطينَ. فإذا تعافى هذا العالمُ العربيُّ، فلا مندوحةَ من تَعافي لبنانَ.

16- أكيد أنّ مسيرتكم الأدبيّة والفكريّة والتّربويّة حافلة بالإنجازات، وأنّ عطاءكم في مجال التّأليف لا ينفد، فهل تبوحون لنا بأسراركم، وتخبرونا عن مشاريعكم المستقبليّة؟

  • كما سبقَ وأخبرتُكَ أنا نذرتُ عُمري لخدمةِ هذهِ الأمّةِ، ولغتِها، ومارستُ التّعليمَ، والتّدريبَ، والإدارةَ، والإشرافَ، والتأليف لـــ 40 سنةً.
  • حملتُ لِوا النّضالِ وكنتُ طفلًاوشبتُ ولم أزلْ في المَعمعانِ • لقد أسهمتُ في تأليفِ خمسِ سلاسلَ لِتعليمِ اللّغةِ العربيّةِ، وسألتُ اللهَ أن يفتحَ عليَّ بخاتمةٍ مَجيدةٍ لحياتي؛ فكانتْ على يدِ أخي الشّيخ إبراهيم العزنكي، الّذي أنشأَ معهدَ “صفّ عربي”، وعملتُ معَه على إنجازِ السّلسلةِ الأولى من كتبِ تعليمِ اللّغةِ العربيّةِ للنّاطقينَ بغيرِها،(ثمانية أجزاء)، وأسألَ اللهَ أن يمدَّ بعمري وعمرِه؛ لننهيَ معًا السّلسلتينِ المُتبقّيتينِ، وأعددنا زُهاءَ ثمانينَ أنشودةً مُنتميةَ تربويّا ومُلحّنةً ومُغناةً من نظمِنا، وكلّها من واقعِ المتعلّمينَ وباللّغةِ الفصحى، ونعملُ لاستكمالِها ؛ لأقولَ لِنفسي: أدّيتِ قسطَكِ للمَعالي ماضيةْمَرضيّةً عُودي لربِّكِ راضية

17- أخيرا نودّ منكم كلمة ختاميّة، وإهداءً شعريًّا لقرّائنا الكرام.
• يُؤلمني كثيرًا ما آلَت إليهِ التّطوّراتُ السّياسيّة في منطقتِنا العربيّة، ويُحزِنُنـي هذا التّشظِّي المُجتمعِيّ الواسِع؛ الذي ولَّدَ صراعاتٍ داميةً لا تلبَثُ أن تخمدَ حتّى تشتعِل من جديدٍ. إنّ تجربتي الشّعريّة الغنيَّة علّمتني أنّ الكلمةَ الصّادقةَ والهادفةَ كفيلةٌ وحدَها بإعادة اللُّحمةِ إلى الجسَد العربيّ المُتداعِي، وبتقويم ما اعتورَه من انحرافاتٍ وانحِيازاتٍ. واسمَح لي أن أستثمرُ منبركُم الإعلاميَّ الكريم لأُوجِّهَ رسالةً من القلبِ إلى جميعِ الشُّعراء العربِ على امتدادِ خريطةِ الوطنِ العربيِّ بأنَّ الوقت قد حانَ ليكونَ أدبُنا وفنُّنا وشعرُنا ونِتاجُنا مُكرّسًا لِخدمةِ قضايانا المُلحّةِ والمُحقَّة، وفي طليعتها القضيّة الفلسطينيّة.
• أمَا بخُصوصِ قُرّائي الأحبّة، فلهم في القلبِ منزِلةٌ ولا كأيِّ منزلةٍ! إنّهم الطّاقةُ التي أستمدُّ منها العزمَ لأُكمِل رسالتي الأدبيّة. إنّ دعمَكم لي على الدّوام يُحفِّزنُي على مُغالبِة جميعِ العوائـق، ويدفعني للمُضيِّ قُدمًا نحو الكِتابة والتّأليف والإبداع. إنّ كلّ كلمةٍ من كلماتي التي عجنتُها بمِداد قلبي تتردُّد على ألسِنتكُم الزّكيّة هي بمثابةِ وسام شرفٍ أتقلّدهُ في هذه الحياة؛ لأنّني أُدركَ وقتها أنّ المسافة بيننا قد تضاءَلت لدرجةِ أنّني أصبحتُ أنطِقُ باسمِكم وأُعبِّرُ عن مشاعركم.

أنا أمّـةٌ عربيّــةٌ يـا سيّـديت أبى الـمذلّــةَ والهَــوانَ إزارا ولـــــــنا ربوعٌ للأباةِ مـعاقلٌ ضـمّـت نَــشامى سـادةً أحرارا
أبنـاءُ عِــزٍّ تشـهدُ الدُّنيا لنامَنْ مـثـلُـنـا جعلَ الأمانَ جِوارا ولنا حضارتُنا رؤًى وهدايةًشـعّت بــديــجـورِ الـدُّنى أنوارا
ومآثرٌ أرضُ العـروبةِ مهدُهامِنْ ذاك ديــنٌ لــلـوجـودِ أنـارا فرسولُنا للكونِ أرسلَ رحـمـةًمُهـداةَ تـبـعـثُ فـي الظّلامِ نهارا
فمِنَ الرّباطِ إلى الحجازِ لنجدِناكـنُّـا سِـراجًــــا كــاشـفًا زخّارا في الشّامِ في اليمنِ السّعيدِ بمسقطٍفي المغربِ العربيِّ ضاءَ صحارى
في مصـرَ، في لبنانِنا في بابلٍ في الكونِ طُرًّا عمّتِ الأمصارا وبقدسنا شعبٌ أبيٌّ صـامـدٌما هـانَ يومًــــــا لـلـعِــدا وتوارى
ما مـــثــلُهـا لُغتي ومثلُ رنيمِها/بـزّت لـغـاتِ العالميـنَ فـخارا /مَــا مثلُها حُفـــظت بآيةِ ربِّها/مَــا مـثـلُهـا جعــلَ السّلامَ شِعارا/
مَنْ مثلُنا تخذَ الكتابَ سلاحَهُ/ فـأضــاءَ في لـــيــلِ الأنـامِ مَـنـارا /مَنْ مثلُنا للخصمِ أعطى حقّه /مَنْ مثلُنا قــلــبَ الجِـــدالَ حِوارا
مَنْ مثلُنا حـفظَــ الأسيرَ مُعــــزّزا/والشّيخَ والأطفالَ والأشجارا /مَنْ مثلُنا يرعى الحِمى ويذودُ عن/ أرضٍ وأعراضٍ ويَـحمي ذِمارا إنّا ملأنا الأرضَ في أرجـائِها/بِـرًّا وإحـســانًا وليـسَ يُــبارى/
كنُّا مَلاذا للعُفاةِ وموئلً/افلكمْ حـفظــنــــا تـائـهـيـنَ حَيارى والكلُّ يعـلم أنّنا لا نَرتجي/ للكـونِ إلّا عِــــــــــزّةً ويَـســارا/
فمكارمُ الأخلاقِ نبتُ نفوسِنا
/غرستْ بوجدانِ الأنامِ بِـــــذارا/
الشّاعر: ذ. حسن عليّ شرارة

حاوره الأستاذ الدّكتور محمد فاضيلي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى