“البدايات ” و “النهايات” بقلم الشاعر داوود مهنّا
البدايات
يُجمع الكثيرون أن البدايات هي الأجمل. والمقصود هنا بدايات العلاقات الإنسانية بعامّة، وليس العلاقات العاطفية فحسب. فما سر جمال البدايات؟
البدايات تكون غالبًا محمّلَة بشغف المعرفة واكتشاف الآخر. هذا الشغف يعطي دافعًا للإنسان، ويبقيه في حال من الدهشة الجميلة.
ويرافق البدايات كثير من البراءة البعيدة من أسئلة الظنون، فلا نجد ما يعكّر صفو العلاقة إذ يكون حُسن الظن صفة ملازمة للبدايات.
في البدايات تُهمَل التفاصيل والجزئيات، ويكون الطرفان في سعي دائم لإظهار الجانب المشرق من شخصية كل منهما. وذلك الجانب يظهر تلقائيًّا من خلال التصرف البسيط الذي ليس بحاجة إلى بذل أي مجهود لإظهاره.
تأمَّل جمال البدايات:
بداية الشتاء برد خفيف يتسرب إلينا فتقشعر أبداننا في دغدغة لذيذة.
بداية المطر رذاذ خفيف تعشقه الأرض فترتعش برائحتها الفريدة.
بداية الصيف دفء لطيف يكسر رتابة الصقيع ويبعث الأمل في النفوس.
بداية الفجر خيط من الضوء يفتّق أزرار العتم، فتتنبه الكائنات إلى ذواتها.
بداية الليل رشفة من العتم يرتشفها ثغر الأفق، فيعلو الخَدَر شفاه السماء.
بداية الموج ارتعاش خفيف للماء فوق صفحة البحر.
بداية الثمر برعم خجول يفتح ثغره للندى، ويدير خده الناعم لمرور النسيم…
البدايات جميلة.. وإذا أردت إبقاءها جميلة، حافظ على الشغف، وابقِ علاقتك طيبة بمن حولك.
إذا أحببتم البدايات أطيلوا عمرها.. أوقفوا الزمن عندها.. لا تتوقعوا الآتي، ولا تفكّروا بالنهاية.
النهايات
يكثر الكلام على قساوة النهايات وفظاعتها، وأول ما يخطر في البال عند ذكر النهايات هو الموت.
لكن تأمّل جيّدًا، سترى أن كل نهاية، في وجه من وجوهها، هي بداية في مكان ما:
نهاية الظلام بزوغ فجر جديد يجرح وجه العتم ويفضح أسرار الأشياء كي يظهر وجهها الحقيقي.
نهاية النهار بداية ليل تتوحد فيه الأشياء وتتساوى أمام الظلمة.. هدوء وصمت وفرصة للاختلاء مع النفس.
نهاية النهر استراحته في البحر بعد طول مسير…
نهاية الحياة استعداد لانطلاق حياة أخرى..
نهاية العلاقة/ الحب لملمة شتات النفس وإعادة النظر في أسباب الإخفاق.
في النهايات، لا تلتفت إلى الوراء. فالأشجار لا تنحني أو تلتفت إلى الأوراق التي تتساقط منها مغادرة إياها إلى الأبد. والورق الذي غادر قد أتاح الفرصة للأغصان كي تجدد ذاتها…
النهايات تحمل رياحًا صديقة تهب لتنظف حياتك مما مات فيها أو اضمحل…
في النهايات احرص على أن تكون صورتك ناصعة أمام نفسك أولًا.. اخرج نقيًّا كما دخلت في البداية. لا تجرح قلبًا أو تكسر خاطرًا.
وتذكّر دائمًا:
النهايات بدايات جديدة.