منتديات

القطاعُ التّعليميُّ في خطرٍ وجوديٍّ: دولةٌ غائبةٌ عن السَّمع وصناعُ الحَرفِ والفكرِ يخشون التَّسول!

الكاتب زياد العسل

  في جمهورية الغرائب والعجائب كلُّ تفصيل متوقع، وكلُّ حدثٍ مهما بدأ غريبًا، فقد يبدو من يوميّات شعبٍ اعتاد كلَّ شيءٍ. ووسط المشهد الضّبابيِّ برمَّته، يبقى الرِّهان المركزي على قطاع التّعليم، الذي يعتبر الأساس والجذر لتطور وتقدم أيِّ دولة في العالم، وأيِّ مجتمع، وصولًا لبناء الإنسان الذي يعتبر الكلمة الفصل في التّطور الإنساني العام. فكيف يمكن توصيفُ المشهد في القطاع التّعليمي اللُّبناني، بالنسبة للأساتذة والعاملين في هذا الإطار؟ 

     رئيس رابطة المتعاقدين في التّعليم الثّانوي الرَّسمي حمزة منصور اعتبر أنه ليس من دولة في لبنان، وهذه الأخيرة لا تلبي إلا من يقوم بالضغط عليها، والموظفون في الإدارات العامة هم خيرُ مثلٍ ومثالٍ على ذلك، ونحن كرابطةٍ أكّدنا أنه في ظلِّ المشهد الحالي، من الصَّعب أن يكون هناك عامٌ دراسيٌّ العام المقبل، فساعة المتاعقد ٤٠ ألف ليرة و٧٠ ألف، هذا إذا ما نال مستحقَّاته، لذلك فقبل أن تنظر الدولة في وضعنا، وتعيد الحسابات بالنِّسبة للأساتذة، فنحن لن نعود للتّعليم العام المقبل.

   يقول منصور: إنّنا لسنا في سويسرا، حتى ننال المستحقّات، ونحن في بيوتنا، فوزير التّربية لم يطرح أمس في اللَّجنة الوزارية على المجتمعين نيل المتعاقدين في التّعليم الرَّسمي كما نال سواهم الراتب من موظَّفي الإدارة العامّة، ففي دولة “كل مين إيدو إلو” لن ننال الحقَّ إلا في الاعتصامات وعلى الأرض، وهذا النّقد نقد بناء ومطالبة بأبسط حقوق الإنسان لا أكثر. ونحن عندما ننتقد أداءً فالهدف هو الوصول لحقوقنا لا أكثر.

     يسرد مدير متوسطة الزَّيتونة الرَّسميَّة سابقًا في بعلبك أحمد مسعود خليل، معاناة مدرسته وهذا ما قلناه لوزير التّربية والتّعليم الرّسميّة أن المدرسة الرسميّة تُختصر وتموت ببطءٍ، في ظلِّ ضعف التّمويل والمصارف التي بات الأستاذ والمدرسة يتسوَّلون منها، وهذه المداميك الأساسيّة إذا لم تعالج، فالقطاع التّربوي والتّعليمي برمَّته في خطر، وهذا ما يدفعنا للتّشكيك بأن ثمّة عملٌ ممنهجٌ لتدمير المؤسّسة الرّسمية على حساب المدارس الخاصّة، وفي ظلِّ هذا الظرف الذي نعيش فيه من خلال غلاء المحروقات والمعيشة سيحول دون أن يصل ويعمل المدرِّسُ كما يجب ،والمضحك المبكي أنه عند صرف ثمن السّاعة للمدرِّس تكون قد فقدت قيمتها، والحل أن يتقاضى المدرس “بونات بنزين” كما يستحقُّ سواه.

   وعن تحديث المناهج والبرامج والقوانين، مضى على هذه المناهج ٢٥ سنة، وإلغاء بعض المواد والدروس على حساب أخرى، والسؤال الذي يطرح نفسه، أنّه إذا كانت هذه المادّة غير ضروريّة في الامتحان فلماذا ما زالت في المنهاج؟ وقد بات لزامًا حل مشكلة التّعاقد، والبدعة التي أنتجها إلياس أبو صعب المتمثّلة بما يُسمّى المستعان بهم ليست سوى لتحصيل المال من المؤسّسات الدّولية، دون أن ينعكس ذلك على واقع المعلمين المعيشي، فالحلُّ لهذه المسألة هو أن ينال الأستاذ راتبه شهريًا، عبر أيِّ مؤسّسةٍ سوى المصارف التي لا نثق بها.

يتخوّف كثرٌ بشكلٍ كبيرٍ على المشهد التربوي والتعليمي في لبنان، ورئيسة لجنة المتعاقدين في التّعليم الأساسي منى الخضر ترى أن أجر السّاعة لا يكفي لشراء لوح شوكولا، وغياب استشفاء وضمان وبدل نقل، وحتى ال90$ التي تأتي من الجهات الدّولية لم يستحقها الجميع، وإذا لم يُعط الأستاذ حقَه فالقطاع بخطر، فما يناله الأستاذ لا يكفي للنّقل، وقد نلجأ في يومٍ قريبٍ للاعتصام والتصعيد حتى تستفيق هذه الدّولة من غيبوبتها.

  ثمة خطرٌ جِديٌّ حول مشهد القطاع التّعليمي بات ينذر بالقلق وسط زيادة نسبة المتعاقدين، يمكن أن تدمر القطاع برمته، وأحد موظفي المالية قال للمدير السابق أعلاه أنّه إذا استطاعوا قبض مستحقاتهم 6 أشهر فهو أمر أشبه بالانجاز، لذلك يختم ضيفنا ساخرًا بوجعٍ قائلا: هكذا تكافئني الدولة بعد خدمة 42 سنة في التعليم، يتخللهم 30 سنة في الإدارة؟ نخشى حقًا من التّسول!

    سمر وهي مدرّسة متعاقدة في مدرسة في راشيا، تتحدّث للأفضل news عن أنها تذهب لمدرستها سيرًا على الأقدام أو تنقل من سيارة إلى أخرى، لأنها لا تستطيع أن تدفع بشكلٍ يوميٍّ ثمن المحروقات، وتقول إنها تفكر بالعمل في إنتاج المونة البلدية وبيعها، أو العمل في سوبر ماركت، بحيث إنها بأقل الأمور تتقاضى راتبها شهريًا، وبدون إذلال وتعب دون جدوى. 

   أمام هذا المشهد، ينحني المرء لأبطالٍ ما زالوا يصنعون الفكرَ والحرفَ والكلمةَ، بعضهم راتبه لا يكفيه ثمن خبز إن وُجد، وبعضهم يذهب سيرًا على الأقدام، وهذا ما سيسجّله التّاريخ لمعلمٍ في دولة القهر والإفلاس والجوع، قدم عمره بعمل أشبه بالسّخرة، فهل يرعوي القيّمون على هذا القطاع؟ أم أن الإهمال وقلة المسؤولية بلغت بهم مشهدًا لا يوصف؟.

المصدر / الأفضل نيوز

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى