أدب وفن

لحظات بحجم حياة / بقلم القاصّة هند يوسف خضر

لحظات بحجم حياة

ذات مساء تلعثم الكلام على شفاه الورد ،تكسرت النغمات فوق أوتار الروح ،اعترت الرجفة أغصان الياسمين الغضة التي لم تنحنِ يوماً أمام الريح ،بدا المكان موحشاً فارغاً من كل شيء إلا من الأرق الممزوج بالخيبة تارةً و بالرجاء تارةً أخرى ..
أمسكت تاج هاتفها المحمول واتصلت بصديقتها أمل التي جلست وإياها على مقعد واحد خلال أيام الدراسة ،شعرت من نبرة صوتها أن شيئاً ما أصابها وعندما سألتها عن السبب عرفت أنها تعاني من توضع كتلة في جسدها وقد اكتشفتها مؤخراً ،اتفقت معها على الذهاب في اليوم التالي لاستشارة طبيب ..
تلك الليلة كانت أشبه بآهات المصلوبين على أعمدة الزمن ،غرقت تاج في لجّة من شطحات عقلها والتي كادت تفتك بها و توصلها حد الجنون ،لم يغمض لها جفن ،شعرت كأنها ريشة في مهب العاصفة هكذا إلى أن شق الصباح عباءة الليل ..
تاج :صباح الخير
أمل :صباح النور ،أتعلمين يا صديقتي أنني ذاهبة إلى الطبيب وأنا متأكدة بأن هناك مرضاً خبيثاً يسكن جسدي
تاج: بالله عليك ما هذا الكلام ؟اطمئني ستكون الأمور بخير ..
جلست تاج بجانب صديقتها في السيارة وبدأت كالعادة بالضحك والثرثرة كي تزرع بسمة على شفاهها وتطرد من ذهنها كل تفكير سلبي ..
رباه ما أقسى تلك اللحظة التي حلت كلعنة على تاج عندما خرجت أمل من غرفة التصوير وقد بدا القلق على ملامحها، بعد مغادرتهما المخبر نظرت إلى صديقتها قائلة:افتحي الظرف يا تاج واقرأي لي ما هي النتيجة
تاج: ماذا تقولين؟! هل تعتقدين أنني أقوى على هذا الأمر ،تباطأت كلماتها وأخذت تنطفئ الواحدة تلو الأخرى وسال الدمع من عينيها ثم تابعت:لماذا يختبرني الله بك؟
أمل بصوت كسير:غداً سيكون أفضل وإن صدق إحساسي تأكدي بأنني سأواجه المرض بعزيمة لا تهاب الموت
كل شيء في الحياة أمر محتوم لا مفر منه ولا مهرب ،هذا ما أيقنت به تاج عندما أكد الطبيب وجود كتلة غريبة الشكل وتحتاج إلى استئصال بأسرع وقت ،بكت مجدداً وكأنها لا تصدق ماذا تسمع ،أحست بانكسار في حنايا روحها عندما نظرت أمل إليها وقالت:أوصيك بفتياتي..
لا أحد يعلم ما الذي فعلته تلك الكلمة وحجم الوجع الذي اعترض قلب تاج حينها..
مرت عدة أيام حتى جاء موعد العمل الجراحي ،سارت أمل نحو الضباب بخطوات ثقيلة جداً ،تاهت في دوامة من الأسئلة ما الذي ينتظرني ؟هل ستطول فترة علاجي ؟فتياتي الصغيرات اللواتي بحاجة رعايتي ماذا سيحلّ بهنّ؟ وغيرها من الأسئلة التي جعلتها حبيسة المجهول..
تلقّت النتيجة بروح تحب الحياة، حقاً كانت قوية حد الغرابة ،ربما إرادة البقاء وحدها ستقهر جيوش المرض..
اقتربت تاج من صديقتها بعد أن استفاقت من التخدير ،طبعت قبلة على جبينها،استنفرت حواسها،ارتسم القلق على قسمات وجهها،ارتعدت مفاصلها و رغم ذلك حاولت أن تتماسك وتقدم لها جرعات من إكسير الحياة .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى