لبنان الى أين سياسياً وإقتصادياً في مطلع العام 2023؟
الجزء الأربعون
لبنان الى أين سياسياً وإقتصادياً في مطلع العام 2023؟
الجزء الأربعون
الباحث والناشط السياسي رافي إدريس:
لبنان الكيان وطناً ودولةً ومؤسسات بلغ مرحلة السقوط والتداعي، السلطة عندنا فقدت كل هيبتها مع مسؤولين فاشلين فقدوا اية إمكانية لأن يكونوا “رجال دولة” بحجم تحديات وخطورة المرحلة التي نتخبّط فيها؟!
حمود :
تستمرّ أجواء المراوحة والتعطيل وغياب أفق الحلول السياسية والإقتصادية والإجتماعية في لبنان، وكذلك حالة التخبّط والتدهور والضياع على كل المستويات لا سيما مع إستمرار تمترس القوى السياسية والحزبية الوازنة والمؤثّرة على الساحة وراء مواقفها المعروفة الرافضة لأية تنازلات والآخذة في التفاقم والتطرّف تجاه القوى والمكوّنات الأخرى يوماً بعد يوم. فالبلد يتهاوى تدريجياً او قد يكون قد سقط كلياً في الهاوية بلا سلطة مسؤولة ترعى امور المواطنين وبلا رجال دولة قادرين على حلحلة اقلّ الأمور وعلى المسارعة لإيجاد خطة إنقاذية تنتشل المواطنين مما هم غارقين فيه من ازمات إقتصادية وإجتماعية ومعيشية وتربوية وصحية في ظل غياب او ندرة او ارتفاع فاحش لأسعار الخدمات او لأدنى مقوّمات العيش الكريم من كهرباء وطبابة وادوية وسلع اساسية اصبحت حكراً على بعض الأغنياء او الميسورين ممن يملكون او يحصلون على بعض الدولارات التي تصلهم من تحويلات اقاربهم في الخارج. ومما يزيد في وحشة اللبنانيين وشعورهم بالقرف والإشمئزاز هو شعورهم بإن اهل السلطة واركانها يتآمرون عليهم ويمعنون في قهرهم وظلمهم وإذلالهم، اولاً عبر منع او تعطيل كل الحلول السياسية المُمكنة والتي تُعتبر مدخلاً لأي حلّ والتي تزداد تعقيداً مع مرور الوقت، وثانياً بسب غياب الحلول الإقتصادية والمالية والنقدية والإجتماعية والمعيشية والتربوية الجذرية لأنها اصلاً مُرتبطة بالسياسة، وبالتالي مُعطّلة ايضاً وآخذة في التفاقم بسبب إستمرار انهيار قيمة الليرة اللبنانية وإرتفاع سعر الدولار الأميركي الذي لا سقف لإرتفاعه في ظل هكذا اجواء رغم بعض الحلول الترقيعية التي لجأ اليها الحاكم بأمره في مصرف لبنان أو أركان السلطة التنفيذية، وثالثاً عبر سعي بعض المسؤولين المُنتمين اصلاً لحزب المصرف والذين يُعتبرون من اعمدته الأساسية بسبب مصالحهم واعمالهم وعلاقتهم الوثيقة والبنيوية المُؤكّدة والتي لا لبس فيها معه، للدفاع بشكلٍ شرس عن مصالح المصارف والضغط بكل ما لديهم من قوة وعزم لتعطيل مسارات التحقيق في كل الملفات التي قد تطال حاكم مصرف لبنان أو رؤساء وأعضاء مجالس الإدارة في العديد من المصارف التي ترفض التعاون مع بعض القضاء النظيف الذي وجد سبيلاً للتحرّك من أجل السعي في فكفكة دهاليز وخفايا خطط النصب والإحتيال والسطو على أموال المودعين ومحاسبة من تسبّب بكل تلك الجرائم النكراء التي لم تشهد البشرية مثيلاً لها في التاريخ الحديث، من حيث خطورة ووحشية نهب وسرقة وهدر أموال حوالي نصف أفراد الشعب اللبناني، والتسبّب بكل هذه المآسي والأزمات التي طالتهم جميعاً دون اي إستثناء، إفقاراً وتجويعاً وإذلالاً وتهجيراً؟!
في هذا الجزء الأربعون من هذا الملف، نستكمل إستشراف الآفاق السياسية
والاقتصادية والاجتماعية والقضائية للمرحلة المُقبلة في لبنان في مطلع العام 2023 وننشر اليوم مداخلة الناشط السياسي وفي مجال مكافحة الفساد الأستاذ رافي إدريس. والصديق ادريس حائز على ماجستير في العلاقات الدولية والقانون الدبلوماسي. ومجاز في الحقوق وفي العلوم السياسية
والإدارية. وهو موظف في المكتبة الوطنية اللبنانية. وقد عمل إدريس قبل أزمة 2019 بصفة إستشارية لدى مؤسسة الفكر العربي، في بعض المشاريع والبرامج . هو متخصص في العلاقات الأورو-متوسطيه.
ادريس :
الباحث والناشط السياسي رافي إدريس، اورد في مداخلته ان أزماتنا السياسية والإقتصادية والمعيشية والصحية تزداد تفاقماً كل يوم فقط لأن القوى السياسية المعنية والفاعلة تطربنا يومياً بأن الإنهيار والإرتطام الكبير حاصل لا محالة ولا قدرة لنا للجمه، وبالتالي فإنّ معيشة المواطن وطبابته وتعليمه في لبنان باتت من أعسر الأمور وعلى المواطنيين ان يتحمّلوا معنا كما يتحفنا بعض المسؤولين من وقت لآخر؟!
وبالعودة الى التطورات السياسية، فإنّ انتخاب رئيس جديد للجمهورية في لبنان، وعلى بالغ أهميته لكونه مدخلاً رئيسياً للجم الإنهيار وإعادة النهوض، بات للأسف الشديد رهينة حدث قاسٍ وخطير قد يهيّئ اللبنانيين ويدفع بالمسؤولين المتمترسين وراء مواقفهم عندنا لإيجاد مخرج سريع لهذا الإنتخاب. وهذا الحدث قد يتمثّل مثلاً بتدخّل خارجي حازم، وهو ما قد لا يكون موضع ترحاب شامل من الأفرقاء كافةً، او قد يأخذ شكل إنفجار/إنفجارات إجتماعية وشعبية وتظاهرات كاسحة تجتاح البلد، أو لا سمح الله إغتيال أو حدث أمني كبير.
وقد بلغ الإنقسام العميق بين اللبنانيين حدّاً يجعل من إمكانية توافقهم، سواء على الرئاسة أو الحكومة أو حتى على خطة الإنقاذ والتعافي الإقتصادي، مسألة بالغة التعقيد والإستحالة. وهذا ما يفتح المجال أمام تدخّل الخارج. وهذا الخارج يتبيّن للمتابع لمواقفه واتجاهاته بما يتعلّق بأزمتنا حتى اليوم، انه لديه قلّة حماسة وإهتمام بنا وبأزماتنا. فلكلّ دولة حالياً همومها وانشغالاتها وهناك حروب واحداث دولية خطيرة تخطف عن المجتمع الدولي إمكانية الإهتمام اكثر بلبنان وازماته. حتى ان الإجتماع الخماسي الذي عُقد مُؤخّراً في باريس، وعبر تطبيق زووم، لم يتعدّى كونه جولة مُستعجلة خلصت إلى حثّ الأفرقاء اللبنانيين على انتخاب رئيس جديد للجمهورية وعلى تشكيل حكومة سريعاً والشروع بالإصلاحات اللازمة والضرورية لحلّ ما! وهو كلام لا يتجاوز العموميات والشكليات. حتى ان البعض تحدّث ايضاً عن وجود خلافات في وجهات النظر حول كيفية مقاربة الحلول للأزمة اللبنانية بين ممثلي الأفرقاء المُجتمعين؟! وربما، بحسب ما تسرّب عبر وسائل الإعلام، قد تكون هذه الدول الخمس التي اجتمع مندوبون عنها في باريس خرجت عن لازمة حصر الترشيح الرئاسي بإسمين اثنين إلى طرح خيار الإسم الثالث، وإن دون تحديده. في حين يتمنّى اللبنانيون، وهذا هو الطبيعي في الأمور، أن يكون انتخاب الرئيس حدثاً بديهياً يأتي ثمرة توجّه النواب بشكلٍ طبيعي وعادي إلى البرلمان لمُمارسة واجبهم الإنتخابي دون تأخيرٍ أو تعطيل. واكمل ادريس، إن الإستحقاق لبناني والحلّ يُمكن أن يكون لبنانياً، لكننا نحتاج لمسؤولين “لبنانيين” كي نلبنن الأزمة والحل معاً و بالتتالي.
أمّا بخصوص حظوظ المرشحين، حتى اليوم ينفرد أحدهم (سليمان بك فرنجيه) بضمان ثلاثة أرباع الطريق نحو القصر الجمهوري، فيما البقية مُجرّد أسماء يتمّ تداولها لقطع الطريق عليه.
وكل تأخير في إتمام هذا الإستحقاق بسرعة يُساهم بطريقة او بأخرى بتأمين موقع مُتقدّم للعماد قائد الجيش لينافس المرشح الأول. واضاف ادريس ولي رأيي بما يتعلّق بقائد الجيش، مع بالغ تقديري لأداءه واحترامي لشخصه الكريم. ففي لبنان لا يترشّح قائد الجيش ولا يُرشّح كذلك، هو ملجأ للأفرقاء اللبنانيين يلجأون إليه عندما لا يتّفقون على مرشح مدني، فيُجمعون عليه حينها. وبكلمة أخرى كلما ضمُرَت إمكانية التوافق على مرشح مدني سترتفع حظوظ قائد الجيش، طبعاً دون إغفال إحتمال رواج “الخيار الثالث” في مطلق حال.
ثم اضاف، إن انتخاب الرئيس، لا مَناص، هو المطلب الأول للبنانيين، لكنّه لن يفيد في مسار حلّ الأزمة ما لم يكن ذلك مُستتبعاً، ودون تأخير أو تعطيل، بتشكيلٍ سريع لحكومة كفاءات يكون همّها الأساسي وضع خطة تعافي وإنقاذ إقتصادي وتطبيقها فوراً . وبالتالي فإنّ كل ما هو أقلّ من ذلك، أو عداه، لن يُجدي سوى في خلق صدمة إيجابية لن تلبث أن تتلاشى. وسيتفاجأ اللبنانيون بعد نجاح انتخاب الرئيس، أنهم أمام قطوع أشد مرارة ألا وهو تشكيل الحكومة العتيدة، فآليات التعطيل والتسويف ستظل فاعلة، والمُعطّلون الذين سيخسرون في استحقاق انتخاب الرئيس سينتقمون عند تشكيل الحكومة، لا بل أيضاً سينتقمون عند التكليف. وللأسف فإنّ خيار التعطيل عند البعض لا يزال مُمكناً، فقد أمسينا أسرى منظومة سياسية جزء منها يهوى التعطيل ولا يُجيد مُمارسة دوره السياسي إلّا عبر التعطيل على غيره.
ثم نصل إلى لحظة وضع الخطة الإنقاذية موضع التنفيذ، وذلك أيضاً دونه عقبات الخلافات العميقة والعقيمة بين الأفرقاء. وانهى ادريس كلامه بالقول، إن الحلّ ببساطة موجود، وهو يتطلّب إنتخاب سريع وحكيم لرئيس قادر وكفوء، ومن ثم تكليف رئيس حكومة أيضاً بسرعة وحكمة، وتشكيلة حكومية من أكفأ الشخصيات الفاعلة، والأفضل أن نحظى بتشكيلة ثلثاها من المُتخصّصين الأوائل. هنا علينا لفت النظر إلى أن التكنوقراط يمكن أن يكونوا خاضعين لسلطة بعض السياسيين ما قد يُفقدهم الكثير من حسناتهم. و أيضاً في التشكيل علينا أن نحيّد الوزارات السيادية عن التجاذب،
وان نحيّد وزارات الخدمات عن جشع بعض الأفرقاء. وبعد انطلاق العمل الحكومي والوزاري سنكون أمام تحدي التعيينات الكبرى والملفات الدسمة،
وهنا أيضاً نصطدم بمطامع السياسيين وبعقلية المُحاصصة السائدة وبقوّة حتى تاريخ اليوم.
واضاف ادريس، أما عن مصير العلاقة بين التيار الوطني الحرّ وحزب الله، وهي قضية هامة جداً على الصعيد الوطني، برأيي (و إن كنت أحاذر الكلام في هذا الأمر) أجزم بأن رئيس التيار لن يغامر بخسارة الغطاء الشامل الذي يؤمّنه له حزب الله، لذلك ليس بمقدوره الذهاب نحو الأحزاب المسيحية الأخرى التي لن تستقبله ما لم ينسحب كلياً من التفاهم وما لم يخرج نهائياً من محور 8 آذار . وحتى اليوم يتّضح أنّ رئيس التيار الوطني الحرّ قد انسحب من التفاهم، وإن دون إشهار ، لكنّه لا يزال ضمن صفوف 8 آذار وهذا ما ترفضه بالمطلق القوى والأحزاب المسيحية الأخرى . فما شهدناه خلال الأيام والأسابيع الأخيرة يَشي ليس فقط بترنّح التفاهم، وفق تعبير السيد نصرالله، بل بموت هذا التفاهم وفق تعبير جلّ المتابعين والمعنيين بهذا الملفّ. أقف هنا و لا أزيد اكثر حول هذا الملف.
اما بخصوص الخطط والعلاجات الإقتصادية أجاب ادريس، ان القوى السياسية صاحبة القرار لم تعتمد أي خطط لمعالجة الأوضاع بشكلٍ جدّي وفاعل، ولم تقم بشيء أصلاً عدا بعض الإجراءات التي لم ترَ النور بعد، كالقوانين الإصلاحية المتأخرة حتى تكاد تفقد مفاعيلها. وهنا لا يُمكننا إلّا أن نعيد هذا التلكّؤ إلى قصور القوى السياسية عن العمل المُجدي وتواطؤها مع أساطين المال ضد المواطنين الذي ينحدرون سريعاً نحو الدرك الأسفل. هذه القوى تضع دائماً مصالح كبار التجّار وأصحاب رؤوس الأموال في مُقدّمة اهتماماتها، دون اكتراث بمآل الأوضاع المعيشية للمواطنين، ما يعني أن هذه القوى لن تُقدم على شيء. وما نتابعه سواء في العمل على إقرار قانون الكابيتال كونترول، أو التفاوض (المديد) مع صندوق النقد الدولي، والتنافس المُخزي بين بعض الشخصيات السياسية المسافرة للفوز بسَبْقٍ إعلاني يتعلّق بذلك، أو في التخبّط القضائي في تحقيقاته (المكشوفة) بما يتعلّق بتهم وأدوار للمصارف بعمليات تبييض أموال، أو في تهافت قطاع التربية والتعليم، وتراجع قطاع الطبابة والإستشفاء . . ذلك كلّه إن دلّ على أمر فعلى أنّ أوَلي الأمر فينا يُمعنون أكثر في إبعاد أي أمل بالإنقاذ.
تبقى المسألة المُتعلّقة بخطوة الإنتقال الدستوري أو تغيير النظام او الحاجة الى مؤتمر تأسيسي جديد، وهو عنوان كبير وشاسع لا يصح التطرّق إليه عند كل مفترق. فحتى اليوم كل النداءات التي نسمعها، المطالِبة بمؤتمر تأسيسي أو ما شاكله، لا تعدو كونها صرخة في ليل؟! فلا إجماع على هكذا مؤتمر حتى اليوم. واللافت أن الفريق الضعيف هو الذي يطالب بمؤتمر تأسيسي، وفي ظنّه أن هكذا مُؤتمر سيعيد له ما فقده من صلاحيات !!!! وبطبيعة الحال هذه أمنية لا قدرة له لتحقيقها اليوم. فلا يصح، تحت أي اعتبار، عقد مؤتمر تأسيسي دون توازن للقوى السياسية في البلد، كما لا يصح عقده على قاعدة إستعادة صلاحيات، فلا أحد يمنح الآخر مطلبه بالمجان. ويبقى الحلّ المبدئي بالحوار البنّاء والمصارحات الشاملة. ومن لديه هواجس ومخاوف على الآخرين طمأنته.
وانهى ادريس كلامه بالقول، ما لم نسلك الطريق الوحيد الناجع فلا حلحلة ولا ما يُطمئن. وفي حال استمرّت القوى السياسية في أداءها على النحو الحالي فنحن نتّجه إلى شبه شلل للمؤسسات المركزية، كمصرف لبنان والقضاء وقطاعات التعليم …. ووحده القطاع الخاص سيبقى عاملاً
ومُنتجاً وإن بقدرات أقلّ وبعثرات أكثر. وما يزيد الطين بلّة إعتماد القوى السياسية على الخارج وانتظارها لتدخّل خارجي يفكّ رباطها.
دكتور طلال حمود، منسق ملتقى حوار وعطاء بلا حدود ،ورئيس جمعيه ودائعنا حقنا .