أدب وفن

“نشرة قبل النشرة”

نجح حيث فشل الآخرون

الدكتور علي .أ. دهيني

ليس من السهل اليسير تقديم برامج تلفزيونية ذات صدى لدى المشاهد دون أن يكون لها هدف يبرر ظهورها على الشاشة الصغيرة، بخاصة إذا كان طابعها كوميدي في الظاهر، نقدي وساخر في الموضوع.

نجح الأخوين عبد الساتر مع الممثل عباس طليس في تقديم فقرة نقدية ساخرة لها قبولية عفوية مثرة في المشاهد، رغم قصر مدتها.

العديد من كتّاب السيناريو للبرامج التلفزيونية يستهولون كتابة نصوص ذات طابع كوميدي غير التهريجي يعتمد على حركة الممثل البهلوانية أكثر من نص موضوعي مدروس يبهج المشاهد ويلفت إلى قضايا اجتماعية تعني كل أفراد المجتمع.

من السهل اليسير أن تكتب نصاً يستفز المشاعر الإنسانية من خلال صناعة أحداث منقولة من واقع حياة المشاهد لتضعها أمام وعيه وعينه، لكن ليس بالسهولة ذاتها تقديم نص بسيناريو كوميدي هادف يطرح القضايا بلغة ساخرة رغم أنها ربما تكون مؤلمة في واقعها، على قاعدة ” الطير يرقص مذبوحاً من الألم”. فهكذا عمل يحتاج إلى جهد فكري أكثر من كونه غنى ثقافي.

لعل المسرح برع في ذلك على مر التاريخ، حيث أن غالبية الممثلين من الذين تصدروا الشاشة، بأعمال ذات طابع كوميدي، جاؤوا من المسرح، وكذلك كتّاب السيناريو في هذا المجال.

ومن البديهي أن تطغى أحداث والأوضاع الاجتماعية في كل بلد على كثير من البرامج التي تقدم على الشاشة الصغيرة نظراً لوجود هذه الشاشة في كل بيت.

في أي حال موضوع البرامج التلفزيوينة، ليس في لبنان فحسب، بل في كل العالم العربي، يحتاج الحديث عنه إلى صفحات طوال لتفرعاته، ليس هو مجال هذه العجالة.

عندنا في لبنان من الوقائع التي تغني الكاتب وتزوده بما يحتاج إليه في مسار ما يكتب الكثير. وقد ظهر الكثير من أعمال توسم بأعمال كوميدية، إلا أن أثرها كان محدوداً ومقصوراً على زمن عرضها لا أكثر، وقد سعى أكثر من ممثل في هذه البرامج إلى تقمّص شخصية اجتماعية شعبية رغب من خلالها السكن في ذاكرة المشاهد، إلا أن ذلك لم يدم لأكثر من حيز زمني ثم يغادر الذاكرة.

بخلاف ما كان يقدم بالأمس البعيد، على سبيل المثال في الأعمال القديمة كان لبعض الشخصيات الشعبية التي عششت في ذاكرة المشاهد ـ ولم تزل ـ شخصية “غوار الطوشي” التي شكلها الفنان القدير دريد لحام. وفي لبنان ـ إلى حد مّا ـ شخصية “فهمان” و”شكري” في أعمال الفنان القدير صلاح تيزاني (ابو سليم). هؤلاء برعوا في تقديم شخصياتهم وبرعوا أيضاً في التعبير عن مقاصد الكاتب لأعمالهم، فكان التوافق بين فكر الكاتب وقدرة الممثل دعامتين لأي عمل يقدمانه.

ومن المعاصرين في التلفزيون المحلي، شخصية “أبو رياض” للممثل عادل كرم، أو شخصية “أبو شفيق” للممثل وسام الصباغ، كانا غير موفقين بما يستهويه المشاهد ليحفظهما في ذاكرته.

الأخوين عبد الساتر مع المخرج موريس رزق، برعا في تقديم فقرة تستهوي ذوق المشاهد لأنها تنقل له ما يعاينه ويعيشه في حياته اليومية، أكان على الصعيد الاجتماعي أو الترميز السياسي، بخاصة الواقع السياسي في لبنان بات على لسان كل مواطن.

وما تميّز به “نشرة قبل النشرة” أنه لم يقع في ما وقع فيه الآخرون، من تقديم سخافات وتهريج لا معنى له سوى أنه يخدم توجهات سياسية أقل ما يقال فيها وعنها أنها معول هدم في شخصية المواطن لأنها تدعوه للتقوقع في بيئته، عدا عن حواراتها السخيفة والبذيئة، أو التي تستحضر النزعات الطائفية والمذهبية المقيتة، هذا التميُّز في برنامج “نشرة قبل النشرة”، هو الذي دفع إدارة تلفزيون المنار بالمبادرة إلى عرضه على شاشتها، لأنه يخدم توجهها الوطني العام بعيداً عن التقوقع الطائفي أو الانزواء المذهبي، لأن خطابها عام لكل أبناء المجتمع.

الممثل عباس طليس برع في تقمّص شخصية اجتماعية قرّبها ـ بحنكته وخبرته الفنية ـ ببراعة من القلوب في شكلها ولسانها المحلي البقاعي اللطيف، وفي لازمة لفظية وجد فيها المشاهد طرفة تستهويه، ليقتبسها من هذه الشخصية كمحط كلام عنده إن أراد السخرية من أمر أو استغراب أواستهجان أمر، فتراه يبادر محدّثه بترديد عبارة، عند الكبار قبل الصغار، وحتى عند السياسي: ” خدي خا” أو “أحلى من الكل” بلكنة لطيفة.

هذا الانسجام بين مكونات فقرة “نشرة قبل النشرة”، شكل عنصر نجاح لم يحظ به غيره من أعمال مشابهة، أكان على صعيد الفكرة أو على صعيد التقديم اللطيف الذي تميّز به ببراعة عباس طليس.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى