أدب وفن

سماء لا مأوى لها/ بقلم الشاعرة حنان بدران

سماء لا مأوى لها

من قمقم الكلمات تعلمت
منذ طفولتي أن كل ما أراه الآن
لا يعني الآن كما أجمل إمرأة في العالم
هي أتعس نساء الأرض
قوية من الخارج تبدو هشة
كقشة رقيقة متماسكة
تؤجل إغلاق باب الرحيل لأسباب ما كالطفلة
أو تنتظر ذات عربة أو فرس شاردة
لتخرج المارد من عربات الدخان ،
ليحقق رغبتها بأختصار الطريق،
ذلك المارد لم يحقق لها شيئا
سوى أنه وضع أصبعه على زناد مسدسه
وصوب فوهته لرأسها
ذات حلم بائس قديم ،
لكن ما تفسير هذه البقع الحمراء ؟!
التي على عتبة الباب وعند عتبة مدرسة الأطفال ؟!
منذ أعوام ماضية
لم أشرب كأسا من ذكرياتك،
ها هي مسيرتك أمامي
تعيدني بإصرار أبله إلى فم الكأس
كما تعيد الحمقى إلى فوهة البركان الثائر
تتصاعد لُجَج حمم اللافا على السطح،
ويغيب هذا العالم في الرماد البركاني
حتى أنك ستغيب معه،
لكنه مغيب لا يشبه مغيب الشمس
كيف سأكتب حينها لأصف تلك اللحظة الجميلة،
وأنت تفرغ جمجمة
رأسك من كل الطنين الذي فيك،
من كل العالم بشاعته وتفاهته،
رجاله البائسين ونسائه الجميلات الفارغات،
قد يكن سببًا للبقاء؟
كل ما تراه الآن هو أقرب الأشياء إليها هو أبعادها،
مثل نجوم الطفولة،
مثل مقبرة الحي، مثلك أنت
أيها الواقف كنبي بثبات عند البحر الميت،
مثل تلك البلاد البعيدة في فلوريدا،
بعيدة لدرجة لا تخطر على البال،
مثل اصطدام خفاشين في حلكة الظلام،
مثل مركز الإيواء الذي وصلنا إليه
بعيون فزعة وصمت
عجز عن الكلام بريشة الرفض،
نرسم طريق جهنم إلى الجحيم
تعلمت منذ طفولتي
من امرأة لم تعش طفولتها
ولم يكن لها ذكريات في أزقتها،
نظرت لتجد نفسها جميلة
منها تعلمت ألا أصدق كل شيء؛
الأشجار الباسقة بعقلها تظل واقفة لا يقتلعها شيء
تظل المرأة الجميلة الفارغة واقفة
حتى يأتي جرذ الأرض ليقضم جذورها ويقتلعها،
ثم يأتي جرذ آخر ليأكل ما تبقى منها
تعلمت منها أن حياتنا ليست لنا،
وأننا نستعير الحياة من أناس لا نعرفهم
منذ طفولتي، عشت
كجندي عالق في مكان ما بلا ذخيرة،
جندي يهم بالعودة حينما تنتهي الحرب
حياتنا ليست لنا طالما ستسافر مرغماً،
ليتم استهدافنا في مكان ما كنا فيه سُياحاً،
ونموت مع مجموعة من السياح في جزيرة
بحادثة طعن مميت
حياتنا البعيدة ليست لنا،
ولهذا نجد الحسرات تلو الحسرات
على حياة الآخرين الذين يكتبون مذكراتهم
على رمل الشواطئ، لديهم وقت
لسماع الموسيقى ورقصة التانغو
تعلمت من كل النساء أن أتعرف عليهن بنظرة
العربية أدركها من خطواتها،
والأجنبية من لا مبالاتها،
والهندية من ألوانها،
والعراقية من حزنها،
والفلسطينية من ثباتها،
واللبنانية من شموخها
وأنت بالذات أعرفك من..
.
.
.
ألمِ ووجعي…!!!

حنان بدران

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى