أدب وفن

ما زلنا من السيف أفرّ/ بقلم الدكتور علي عجمي

ما زلنا من السيف أفرّ

يقول الإمام علي بن أبي طالب في خطبة الجهاد مخاطباً بعض أتباعه ممن تخاذلوا:
ألا وإني قد دعوتكم إلى قتال هؤلاء القوم ليلاً ونهاراً، وسراً وإعلاناً. وقلت لكم: اغزوهم قبل أن يغزوكم، فوالله ما غزي قوم قط في عُقر دارهم إلا ذلوا. فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِالسَّيْرِ إِلَيْهِمْ فِي أَيَّامِ الْحَرِّ، قُلْتُمْ هَذِهِ حَمَارَّةُ الْقَيْظِ، أَمْهِلْنَا يُسَبَّخْ عَنَّا الْحَرُّ. وإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِالسَّيْرِ إِلَيْهِمْ فِي الشِّتَاءِ، قُلْتُمْ هَذِهِ صَبَارَّةُ الْقُرِّ، أَمْهِلْنَا يَنْسَلِخْ عَنَّا الْبَرْدُ. كُلُّ هَذَا فِرَاراً مِنَ الْحَرِّ والْقُرِّ. فَأَنْتُمْ واللهِ مِنَ السَّيْفِ أَفَرُّ. يَا أَشْبَاهَ الرِّجَالِ ولَا رِجَالَ، حُلُومُ الْأَطْفَالِ، وعُقُولُ رَبَّاتِ الْحِجَالِ.
وبعد أكثر من ثلاثة عشر قرناً تلقفها الشاعر العراقي مظفر النواب، إذ رأى الوضع ما زال على حاله، فقال مخاطباً الإمام علي:
أنبيك علياً
ما زلنا نتوضأ بالذل ونمسح بالخرقة حد السيف
ما زلنا نتحجج بالبرد وحر الصيف
ما زالت عورة عمرو بن العاص معاصرة وتقبّح وجه التاريخ
ما زال كتاب الله يعلق بالرمح العربية
ما زال أبو سفيان بلحيته الصفراء يؤلّب باسم اللات العصبيات القبلية
ما زالت شورى التجار ترى عثمان خليفتها وتراك زعيم السوقية
لو جئت اليوم لحاربك الداعون إليك وسموك شيوعية


تُرى ما الذي تغير الآن؟
فكل شيء في أمتنا “العظيمة”، باستثناء بعض المقاومين الشرفاء فيها، سواد في سواد في سواد.
ما أشبه اليوم بالأمس القريب، وبالأمس البعيد على حد سواء.
ما زال معظمنا من السيف أفرّ.
ما زال جلّ زعمائنا يتوضؤون بالذل ليل نهار، ثم يركعون خاضعين لعدونا، قبل أن يركعوا لخالقهم.
يا لهذا الزمن الرديء.
كم تمنيت، على سبيل المثال، لو أن دولة عربية واحدة وقفت إلى جانب جنوب أفريقيا، في الدعوى التي رفعتها ضد إسرائيل، بتهمة ارتكاب إبادة جماعية بحق الفلسطينيين في غزة.
أين عزة العرب وكرامتهم، التي طالما تغنوا بها؟
ألا يخجلون من أنفسهم؟ ومن العالم؟
كم حلمت لو أن زعيماً عربياً واحداً وقف وِقفة شرف يتيمة، ليقول لا، وسط هذا الدمار العظيم. لكنني سرعان ما استفقت من أضغاث الأحلام تلك. إذ كيف لفاقد الشيء أن يعطيه؟
فأي ذل أكبر من هذا الذل الذي يكبلهم؟
وأي عار أكثر فضحاً من ذاك العار الذي بات رفيقهم الدائمَ أنى توجّهوا؟
تُرى،
أين شرفهم العربي؟
ونخوتهم العربية؟
وعزتهم العربية؟
فيما أطفال غزة وناسها الطيبون يموتون قتلاً ورعباً وجوعاً وبرداً تحت أنقاض منازلهم التي دمرتها آلة الإجرام الصهيونية.
أين هم؟
أين مئات ملايينهم؟
كأنما الشاعر العباسي دعبل الخزاعي كان يتحدث عنهم: حين قال:
إِنّي لَأَفتَحُ عَيني حينَ أَفتَحُها
عَلى كَثيرٍ وَلَكِن لا أَرى أَحَداً
بل كأنهم هم أنفسهم، الذين قال فيهم مظفر النواب:
هل عرب أنتم
والله أنا في شك
من بغداد إلى جدة

الدكتور علي عجمي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى