ردُّ الكاتب التونسي مصطفى ضية على مقدمة الكاتب أديب كريم في روايته “ماديانا”


الروائي أديب كريّم
وذلك ردا على ما كتب أبي في مقدمة رواية (ماديانا.. كآبةٌ في عقلي)، حيث قال:
أكتب كي لا يتوقف نبض قلبي..
أكتب كي أشعر بلذة حزني..
أكتب كي أُحتضر ببطء شديد..
أكتب كي لا أسمع صوت ارتطامي عند الهاوية..
الرد:
“اكتب كي لا يتوقف نبض قلبي…”
ما العلاقة بين الكتابة ونبض القلب؟
عند عامة الناس ومنطقيا ليس هناك من علاقة بين الاثنين وكلاهما مستقل عن الاخر استقلالا معنويا ونحويا ومنطقيا ولا يجوز الربط بينهما او المقارنة لان لا قواسم مشتركة بينهما وما يفرقهما اكثر مما يجمعهما.
اذا سلمنا بان الفن عموما والكتابة على وجه الخصوص انزياح عن المألوف او لا تكون،انزياح عن القاعدةUn écart par rapport à la norme وبناء لعلاقات جديدة بين الالفاظ ونأسيس لمنطق اخر مغاير لمنطق الواقع ولما به تكون العلوم “الصحيحة””صحيحة”كالرياضيات والفيزياء مثلا وعلوم الحياة والأرض يجوز عندئذ للفنان وللروائي وللشاعر ما لا يجوز لغيره…
عن سؤال طرح في الساحة الثقافية الفرنسية على الكتاب الكبار”لماذا تكتب؟”كانت الاجابات كالتالي:
قال الروائي هونونري دي بلزاكHonore De Balzac:”اكتب لاصبح غنيا”وكلمة الغنى هنا متعددة المعاني.الغنى نوعان اولهما مادي والثاني معنوي فالغنى الحقيقي بالنسبة للكاتب الملتزم بقضايا شعبه والانسانية هو غنى في المرتبة الاولى اخلاقي-اذ لا علم كما يقول الروائي فرنسوا رابليFrancois Rabelaisبدون اخلاق عالية ووعي حاد جدا.
الغنى الثاني والثالث هو فكري وروحي.
يقول اخرون:”نحن نكتب لان الكتابة عمل ضروري لتحقيق التوازن النفسي…”
اما الروائي ميشال تورنييMichel Tournier فقد قال:”اكتب لكي اقرأ”J’ecris pour être lu”وتكون بذلك الكتابة عملا مشتركا وابداعا يتقاسمه مع القراء.
في هذا الاطار تتنزل مقولة الروائي اديب كريم لتكون اجابة من الاجابات الممكنة على نفس السؤال”لماذا تكتب؟”
هو يكتب لكي لا يتوقف نبض قلبه:الكتابة بالنسبة له مسالة حياة ووجود او موت وعدم…!
يستمد القلب نبضه من الدم المتدفق اليه ومنه،دم نقي مشحون بالاوكسيحين يمر عبر الوتين.الدم هنا استعارة عن الحبر والقلب هو القلم والقرطاس هو الجسد.يكتب ليحيا وقبله قال الروائي الكبيرقوستاف فلوبيرGustave Flaubert “اقراوا لتحيوا”لا لتعيشوا -, والفرق بين العيش والحياة كبير وخفي لغة .
الكتابة بالنسبة للروائي اديب كريم كوجيتو مواز لكوجيتو الفيلسوف والرياضي الفرنسي ديكارت”انا افكر اذن انا موجود”يصبح”انا اكتب اذن انا موجود…”
في هذا الاطار كتب الشاعر الفرنسي الفريد دي موسيAlfred De Musset-والترجمة لنا-:”
لتعلم ان القلب هو الذي يتكلم ويئن
عندما تكتب اليد يذوب القلب…”
المبدعون الصادقون والملتزمون يلتقون حيثما كانوا وهذا هو جوهر القول حسب فهمنا المتواضع والله اعلم…!
