أدب وفن

يَومَ كُنتُ بَحرًا/ بقلم الشاعر د. ميشال سعادة

يَومَ كُنتُ بَحرًا

يَومَ كُنتُ بَحرَاً
تَحَوَّلتُ قَطرَةً قَطرَةً غَمَامَاً
نَهرَاً صِرتُ أُلاطِفُ مِنكِ الجُذُورَ
وَأَسرَارَ البَرَاعِمِ النَّوَاعِمِ
أُقِيمُ لَكِ صَلاةَ بَخُورِ الأَكرَادِ
أُنشِدُ المَزَامِيرَ

تَرَانِيمُ تُهَلِّلُ لِمَجدِكِ الآتِي
فِي هَيكَلِ الجَسَدِ المُقَدَّسِ
هَائِمَاً فَوقَ حِيَاضٍ أُجَارِي الرِّيحَ
أَتبَعُهَا.. أُنَاهِضُهَا
أَتَّقِي الشَّمسَ فِي الفَيَافِي
أُلاطِفُهَا
أَرتَدِي ثَوبَاً مِنْ سَرَابٍ
أَلُوذُ بِالصَمتِ
أَقرَأُ مُطرِقَاً
أُهَجِّي سُطُورَ النَّخِيلِ
عَلَى مَسَامِعِ الهَبَاءِ
حَرِيصٌ أَلاّ أَهِبَ المَعَانِي لِقَارِىءٍ
يُشَارِكُني مِتعَتِي
نَشوَتِي وَانتِشَائِي
فِي جَنَّتِي المَوعُودَة
أَستَعِيدُ جُنُونَ عَاطِفَتِي
وَارتِبَاكَ أَفكَارِي المُوجِعَةِ
عَلَّني أُشبِعُ ظَمَأً يَرضَعُ حَلِيبَ النُّوقِ
فِي لَهَبِ القِفَارِ
فِي القِفَارِ حَقِيقَةٌ
تَرَكَهَا أَهلُهَا لِكَشَّافٍ حَفَّارِ

أُحِبُّكِ يا امرَأَة
مُرتَبِكَاً فِي السِرِّ
في العَلَنِ
حُبٌّ جَوِيٌّ يَكَادُ يَهجُرُنِي
إِنْ شَكَكتُ فِي صِدقِي
أَو ظَنَنتُ لِبُرهَةٍ _
خُنتُ عَهدَاً قَطَعتُهُ عَلَى قَطعِ عُرُوقِي
وَإِنْ قَسَوتُ أَلا يُسَامِحَنِي ..

يا امرأة !
دَخَلتُ هَيكَلَ الجَسَدِ البَهِيِّ مِنكِ
خاشِعًا
لَفَحَتنِي رَائِحَةٌ شِيرَازِيَّةٌ
وَشْوَشَتنِي مَفَاصِلُهُ
وَاكَبَتنِي مَفَاتِنَهُ
سَمِعتُ شَهِيقَ الخَاصِرَةِ
رَأَيتُ أَنِينَ الأَورَاكِ
يَتَسَلَّقُ شَجَرَةَ المَعرِفَةِ
شَبَقٌ ذُو شُجُونٍ يَصرُخُ
يَتَأَوَّهُ عَلَى تَبَارِيحَ شَجِيَّةٍ ..

أَجوَاءٌ يُخَالِطُهَا الحُزنُ وَ الفَرَحُ
سَمِعتُ الأحشاءَ تَتَرَاقَصُ
تَرتَعِدُ الهِضَابُ ..

صَوتٌ يُنَادِي
يُلِحُّ _
أَهبِطْ إِلَى حَقلِ التُفَّاحِ
حَانَ الفَجرُ
لا تَتَأَخَّرْ عَنِ الفَلَاحِ
هَا أَنَذَا آتِيكَ
تِ مَعِي الى الشَّهوَةِ المُبَارَكَةِ
أُدْخُلْ أَكثَرَ ثُمَّ أكثَرَ
فِي مَعَارِجِ المَضِيقِ
تَرَ النُّورَ شَعشَاعَاً على هِضَابِي

إِجعَلنِي فِيكَ كَأَنْ أَنتَ فِيَّ
كَأَنْ أَنَا أَنتَ
كَأَنْ صُوفِيٌّ يُنَاجِي العِزَّةَ إِلإلهِيَّهْ
إِرفَعْ شُمُوعَ سَاقَيَّ
إِلَى تَحتٍ
إِلَى فَوقٍ
إِلَى كَيفَمَا شِئتَ وَمَا أُرِيدُ ..

مَا أَشهَى هَذِي المَائِدَةَ السَّخِيَّةَ
شُمُوعُهَا مُضَاءَةٌ
ضَوَّاءَةٌ كَالكَوكَبِ الدُّرِيِّ !

أَطَايِبُ الأَرضِ لَنَا
وَلَنَا مَا لَمْ يَكُنْ لآلِهَةٍ وَثَنِيَّة
لَنَا جَسَدٌ هَيكَلٌ لِلرُوحِ
يُفْضِي بِنَا إِلَى فَضَاءَاتٍ جَوهَرِيَّةٍ
أُعطِيتُ مِفتَاحَينِ _
فَمًا وَفَرْجًا
يَفتَحَانِ عَلَى انكِشَافِ الغَمِّ
وَالإِنفِرَاجِ
خُذْ فَمِي في ذِي اللَّحظَةِ
لُعَابِيَ طَيِّبٌ
إِلعَبْ وَانتَشِ
هِيَ النَّشوَةُ لَعِبٌ
وَالشِّعرُ لَعِبٌ
لا يُطرِبَانِ إِلاَّ إِذَا انتَظَمَا
في حَرَكَاتٍ دَائِرِيَّةٍ
لَولَبِيَّه
هِيَ حَرَكَاتٌ بَهلَوَانِيَّةٌ
تَتَقَاطَعُ تَتَشَاكَسُ كَأَنَّهَا الإِعصَارُ
عَلَى وَشَكِ الإِنفِجَارِ ..

وَهَبتَني فِي المَضِيقِ
لَولَبَاً لَزِجَاً
خُذْ مِنْ فَمِي لِسَانَ لُغَتِي
حِبرَاً مِنْ دَوَاتِي
يَفِيضُ عَلَى أَورَاقِ جَسَدِي
أُنْشُدْ أُغنِيَةَ السَّكرَانِ
نَشوَانَ مِنْ سَأَمٍ
فِي مَجَاهِلِ غَاباتي
التِي أُعبُدُهَا ..

فُوكَ .. فمي سُلَّمَا نَغَمَاتٍ
أَوتَارُكَ أَعرِفُهَا وَتَرًا وَتَرًا
وَاستَهلَكتُ تَنغِيمَهَا
أَوتَارِيَ كَثِيرَةٌ أُعزُفْ
عَلَى مَا شِئتَ مِنْ أَوتَارِي

وَتَرٌ يَشتَدُّ
وَتَرٌ يَرتَخِي
لِنَغَمٍ يَطلَعُ بَاسِمًا
عَلَى فُوَّهَةِ البُركَانِ ..

(…..)

ميشال سعادة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى