أدب وفن

النداء الأخير/قصة قصيرة / بقلم الكاتب أيمن عبد الحق

النداء الأخير

قصة قصيرة

” الخطوط الجوية … تعلن عن موعد إقلاع رحلتها رقم… والمتجهة بمشيئة الله إلى…. على السادة الركاب المسافرين التوجه لبوابة الخروج رقم… “

قطع عليه النداء حبل تفكيره وطفق يغسل وجوه المسافرين الذين هبوا جميعا للاصطفاف تلبية لدعوة الخروج من رتابة عام كامل . يغسل الوجوه عله يعثر على رفيق يقطع معه خمس ساعات في الكلام عن مستجدات الأمور هناك : الأسعار ,الأصناف الجديدة , الاسماء القديمة والقادمات الجدد …
جلس على مقعده وقد يئس ماسحه الضوئي من التقاط صورة تشاركه الغوص في التفاصيل الصغيرة .

كلمات أمه دهمته كمحتل غاشم يسعى جاهدًا إلى إسكاته أو على الأقل … تحييده .


في المطعم جلس يحدق في النادلات اللواتي فاق عددهن عدد الزبائن , وقفن يوزعن الابتسامات … وأشياء أخرى .

عيناه مسمرتان على المدخل , هل ستأتي ؟
منذ وصوله البارحة وهو ينتظر هذه اللحظة :
“ستختلف الرحلة عن سابقاتها , أكون أو لا أكون , لا بد أن أضع حدًّا لهذا الشقاء , ستة أشهر وأنا أحاول النسيان , حتى تلك الوساطة التي قام بها أحد المقربين لم تفلح .”

مرت أمامه ذكريات اللقاءين الأخيرين , تعليقات الأصدقاء حين علموا بما حدث… أو بمعنى أصح ( بما لم يحدث) ,حديثها العذب , جمالها الذي لا يوصف . لقد تهافت الجميع وبقيت هي علامة فارقة في تاريخ صعلكته .
قال مرة لأصدقائه لو وجدتها في غير ذلك المكان لتزوجتها . في اللقاء الأول ومنذ اللحظة الأولى أحس باختلاف, ذاق معها نصف كل شيء,نصف الكلام, نصف الحب ونصف اللقاء. يعلم تماما ًماذا ينتظره إذا رجع ولم يظفر بها . تحاصره كلمات أمه وسعي الأسرة لوضع حد لكل ذلك .


ــ ” ماذا أحضر لك “
التفت إلى محدثته وقد انتشلته من هيامه اللذيذ مشيرًا إليها بالانتظار لأن ثمة من سيشاركه الغداء …
هل ستفلح مكالمة البارحة ؟ لقد استجداها كثيرا لتقبل دعوته ولو لساعة فقط . ماذا سيقول لها ؟
يريد أن يقنعها بقضاء بعض الوقت ليهيم معها في أزقة المدينة وشواطئها , يزور المعالم التي يسمع عنها ولمّا يزرها . يشعر برغبة عارمة بأن يتعرف على مدينة تم اختصارها في فندقين . يدندن :
(يا طير يا طاير على اطراف الدنى ، لو فيك تحكي للحبايب شو بنى ياطير) … يتيه في دوامة تنهيدة تُفضي به إلى عاصفة حنين لا يهدأ .
ترى هل سيجود الحظ بأجمل أسبوع في العمر ؟

عيناه مسمرتان في الباب ترشقان الوالجين بحمم النظرات الفاحصة .
يلمح طيفها يقترب .. تمشي باتجاه الباب مرتدية طقما أنيقا من الجلد الأسود يبدو باهظ الثمن . تقترب … تسير باتجاه الطاولة التي يجلس فيها… يتبادل معها تحايا هادئة… وتجلس.
لم يجد في عينيها ما ينتظره. قرأ في يديها ثباتا جعله يختصر كتابة رعشة حاول ألا تلمحها في عينيه .


في الصباح الباكر وحيدًا يجلس في الصالة ممسكا ببطاقة في يده . يسند رأسه على المقعد في وجوم …. في انتظار النداء الأخير .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى