أدب وفن

د. محمد مسلم جمعة : فاطمة المرنيسي عملت على المزاوجة بين السرد المتخيل و الوقائع التاريخية

رواية “نساء على أجنحة الحلم” لفاطمه المرنيسي ،التي جعلت من المرأة قضيتها وشغلها الشاغل فسخرت قلمها لتروي بأسلوبها الجميل وسردها المشوق فروايتها قد يتبادر الى ذهن القاريء أن بطلتها هي من وحي الخيال ،ليكتشف أن فاطمه المرنيسي هي البطلة محور الرواية ،أطلقت العنان لخيال طفلة في السابعة من عمرها، وهي الضالعة بقضايا المرأة العربية الى مرحلة طفولتها في فاس لنسج وترتيب حكايات عالم الحريم عبر رواية نساء على أجنحة الحلم وهذا الرواية ليست وثيقة تاريخية أو رواية ،بل تسترسلُ صاحبة (شهرزاد ليست مغربية) في إستعادة مشاهد البيئة الحاضنة لسنوات طفولتها مستعيدة ما اختزنته ذاكرتها،ولا يعني هذا ادارة الظهر لقضايا تاريخ بلدها المغرب انما عملت المزاوجةما بين السردُ المُتخيل والوقائع التاريخية. كاشفة النقاب عن العالم المنسي خلف بوابة ضخمة يحرسها أحمد البواب الرجل الصارم أماالطفلة الشغوف بالسؤال ،مابرحت تقارن بين مكانة الحريم ومراتبهُنَّ وراء سور الدار ،وكيف كانت عمتها “حبيبة “المطلقة انموذجاً للبذل والعطاء من دون حدود و كانت تقيم في غرفة ضيقة وخالية ولم يترك لها زوجها السابق شيئاً من مقتنياتها،على أمل لمجرد اشارة من بنانه تعود الى طاعته خاضعة خانعة الا أن حبيبة لم تلتفت اليه ولو بنظرة انما قررت العودة الى بيت والدها محافظة على سحر ضحكتها وملكة فن الحكي ،وهكذا تحولت غرفتها الى متنفس للحريم كفاطمة .
كان لطلاق عمة الطفلة تأثيره على نفسية الطفلة التي تعاني من الدونية ما بين الحريم ، جعل منها الأكثر خنوعاً واستجابة جعلت حركتها محدوده ومحاصرة وهي ليست كبقية النساء فهي لا تردي الملابس الفاخرة والتبرج . كما أولت المرنيسي الحكايات اهتمامهاودورهافي تنشيط الخيال وتوارد الصور في أذهانهن التي كانت تنقلها الى بلدان مجهولة تحت تأثير سحر الحكايات .
“كنا نمتطي صهوة الكلمات فنجتاز السند والهند تاركين وراءنا دار الاسلام” هذا مشهد رسمته الطفلة لكلمات عمتها وحكاياتها التي تحملهم على بساط الريح الى أماكن مختلفة للتعرف على شعوب وثقافات مختلفة ،أعربت الطفلة المتمردة عن عشقها لعالم الحكايات بعدما كانت وسيلتها للهروب من دار اغلقت ابوابها في صفوف النساء بينما لم تغلق ابواب الخيال، فالحريم خلقن فضاء لهن يعبرن فيه ، عبر الاستماع لحبيبة وحكاياتها بأسلوبها الذي يجول بهن فضاءات ممنوعة عليهن في عالم الواقع .
لم تكن النساء تتمتع بنفس المراتب اذ كانت الجدة’ لالا مهاني’ تتربع على عرش الحريم ،ولها مكانتهاالخاصة بحيث تفرض على أفراد العائلة تقبيل يدها والخضوع لأوامرها، لالا مهاني جدة الطفلة كانت تحرص على الحفاظ على تقاليد متخوفة من اختفائها سيما وأنها تعتبر حجاب المرأة وخضوعها من مقومات الأمان في المجتمع المغربي في الوقت الذي كانت جدتها الياسمين تحتوي اسئلة الطفلة عن الحدود وعالم الحريم، معتبرة أن العالم لا يأبه كثيرا لأن يكون عادلا تجاه النساء مشيرة الى أن القوانين وضعت بشكل تجريد النساء من حقوقهن بطريقة او بأخرى، واستشهدت في سياق حديثها عن عدم المساواة ما بين النساء والرجال في أجورالعمل ، ورأت الجدة ياسمين ،ان الظلم الذي تعاني منه المرأة عائد الى القوانين المجحفة بحق المرأة ومن حصر حق التشريع وسن القوانين بالرجال .وهذا الامر جعل الطفلة تسأل جدتها ولماذا لا تسهم المرأة في سن القوانين ؟ ، لتجيب الجدة الأمر رهن توفر الذكاء لدى المرأة والكفيل بتأهيلهن للعب هذا الدور عوضاً عن الاكتفاء بدورها فقط ؛الطبخ وغسل الأواني الذي يأخذ من كل وقتها ، عندها تفتح الطريق أمام تغيير القواعد وستحرك العالم قاطبة.
ولجت فاطمة المرنيسي عالم الحريم من وفق تصور رؤية طفلة بلغت السابعة من عمرها ، استحوذت طامو المحاربة على اهتمامها وحازت على اعجابها وهي التي وصلت الى ضيعة الياسمين في أعقاب هزيمة عبد الكريم الخطابي سنة 1926 م وصلت طامو ممتطية على سرج اسباني ترتدي سلهاما ابيض كالرجال تتخلد خنجرا وتحمل في سرج الفرس بندقية فشدت اليها حريم الضيعة ،فطامو البطلة لم تخضع لتقاليد ضيعة الياسمين انما علمت نساء الضيعة ركوب الخيل، وبرغم من أن شخصيتها الخارجة عن النمطية المعتادة لحريم الضيعة اذ الت اعجاب رجالها الذين تعودوا رؤية الحريم خلف الأسوار المرئية أو غير المرئية ، خانعات مطيعات للرجال
وأحب جد الكاتبةبطلة الريف وتزوجها مواجهاً بذلك الصورة النمطية للزوجة ، فطامو لم تكن ربة بيت دورها أن تطبخ وتنظف انما هي عاشقة للخنجر والخيل .
شغلت طامو بال نساء الضيعة ونالت ودهن أما جدة فاطمة الياسمين كانت أكثر النساء احتراماً ومعجبة بشخص طامو .
رأت فاطمة المرنيسي ان الحرية للحريم مجرد حلم مستحيل التحقق من أجل ذلك كن يهربن الى محاكاة المسرح ، وكانت تلعب شامة ادوار شخصيات نسائية تعرفت عليها في الكتب: عائشة التيمورية، وزينب فوّاز، وهدى شعراوي، وهن رائدات في المطالبة بحرية المرأة ، وكانت تتقن التمثيل وتجعل النساء يتماهين مع الأحداث والشخصيات، بيد أنهن كن يفضلن قصص الحب والمغامرة لأنها كانت تستثير عواطفهن كما كن يرقصن على ايقاع اغاني اسمهان التي يسترقن السمع اليها لأنً الراديو كان حكرا على الرجل وحده
كان ثوار اسمهان يستفز المكبوتات في لاوعي النساء فتشكل متنفساًاً و خروجاً على ما حكم عليهن بعدم البوح عن مشاعرهن ،لذلك كانت اغنية “أهوى.. أنا أهوى” تثير الرعشة في اجساد الحريم ، كن يستجبن لكلمات اسمهان بالتخلص من حذرهن والرقص حافيات حول النافورة، الواحدة تلو الأخرى، كل واحدة ترفع قفطانها بيد وتضم الى صدرها باليد الأخرى حبيبا متخيلا”.
شكلت اسمهان نافذة للنساء وانفتاحاً على عالم السعادة العابرة التي سرعان ما تزول لأن لم تكن المرأة تحمل قضيةلمجرد جسد جميل ،يأخذ بألباب اارجال يأسر قلوبهم بينما كان لأم كلثوم هدف في الحياة .
أجرت فاطمة المرنيسي مقارنة ما بين اسمهان وام كلثوم ناعتة صوت الأخيرة بالذهب ولم تخف اعجابها بقدرتها على أنها شق طريقها الوعرة من قرية مهجورة إلى العاصمة مُتكئة على مبدأ الإنضباط وتحديد الهدف بينما كانت أسمهان إبنة الوسط الأُرستقراطي لم تسع لنيل الشهرة.
واسترسلت المرنيسي في اجراء المقارنة ما بين اسمهان وأم كلثوم فوجدت اختلافاً مابين سمات شخصية كل منهما فاسمهان تبدو رمزاً للضياع بصوتها الواهن وجسمها النحيف بعيدة عن الواقع، تبحث عن ومضات السعادة ،غير أنَّ أم كلثوم تظهر بصورة فنانة مُحافظة وشخصية قوية ومؤثرة.
هكذا حملتنا المؤلفة في جولة الى (السلطانات المنسيات) داعبت مخيلتها يوم كانت طفلة في السابعة من عمرها وما نسج خيالها من صور أشكال المدن كما عرضتها لنا الحكايات يضاف إلى كل ذلك التوقف عند العادات والتقاليد التي كانت تسم المجتمع المغربي وقتها ،وقد استعانت المرنيسي معرفتها وخبرتها المستمدة من علم الاجتماع وهو اختصاصها وطفولتها كانت المحفز على ذلك .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى