قراءةالناقد سليمان جمعة في قصة قصيرة”طبقٌ يدور” للكاتب الفلسطيني”عمر حمش”

قراءة سليمان جمعة في قصة قصيرة
“طبقٌ يدور” للكاتب الفلسطيني”عمر حمش”
القصة :”طبق يدور”
أصَمُ هو، وأبكمُ، وهي كذلك، حياتهما صمتٌ كامل، وفي تلك الليلةِ كانت ذبالةُ شمغةٍ تُرقّصُ نورا باهتا، لم يعرفا ما كان يدورُ في الخارج، كانا نظرا من النافذةِ، ورأيا صفوًا راق، وقد أبهرتهما السماء بلونُ الرماد الفسيح، وظنّا سكون الدنيا الصامتة هدوءا حلّ، وأقام.
كان هو صنع خيطا دقيقا، وليس غيره يراه، يمدّه ما بين الفتيلة والقمر المعلّق، ويسير عليه بعينيه، متنقّلا باستئتاس، وهي بجواره ترقبه، واستأنست الأخرى؛ فتوردتْ .. رمقها؛ فراقتْ له، وعاوده الوهج الذي غاب، وابتسم.
لاحظته؛ فقامت؛ انتفضت ناثرةً شعرها، ودارتْ به؛ حتى صنعت طبقا أسودَ، صار يجري حول وجهها، وعلى أنغام موسيقا قلبها؛ هزّت خصرها، ولوّت ذراعيها، وأسقطت ضحكات إليه، سمعها بالقلبِ، وبالقلبِ وصلها صدى صفقِ كفيّه، وأثملها ترنّحُ كتفيه، وكان هو أيضا ثملَ، وحلّقا، وظلا يحلقان؛ إلى أن اسقطتهما أولى موجاتِ الدخان، وأطفأت شمعتهما، وعبأتْ المكان.
كانت رأته حين قام؛ ليهرول، وتعثرت وهي تلحق به، وعلى النافذةِ كانا يشهقانِ، ويسعلان، وهما يحدّقانِ في بيت الجيران، الذي أمسى كومة حطام، وفي ضوء القمرِ كان يطلقُ الدخان، واللّهب.
بعدها اهتزّ بيتهما الصغير ..
كانت رأته صرخ، ولم تسمعه، ورأت قبضةَ كفّه عندما انبسطت، وعيناه من بعيدٍ ترمقانها، من خلف كومة باطون.
وكان رآها صرخت، ولم يسمعها، وبرز له نصف قدمها، وشعرُها انبسط، ليدفق سائلا لزجا، يخضّبُ خصلاتِها بالأحمر.
قراءة الناقد سليمان جمعة
بعد قراءة النص ،
والقراءة توليد المعنى وتبليغه،
وجدنا حياة متخيلة لزوجين أصمين وأبكمين ..يعيشان في غرفة صغيرة .
المكان غير محدد ولكنه تحت وطأة حرب تدمر ..اخبر الراوي العليم ان السماء رمادية يظنانها هادئة ..وليست زرقاء صافية فالرمادي متردد بين امرين ..لا يعرف قرارا ..
نتيجة العاهتين انفصل الزوجان عن الواقع داخل غرفتهما …
هو يتأمل قمرا كان قد مد اليه خيطا لا يراه غيره يتابعه ببصره يتسلقه…صورة كنائية عن سيطرة العشق ومناجاة الحبيب عليه .هذا الانس رأته من تشاركه حياته ..فاستأنست اي دخلت في الحال معه ..فقامت ترقص كما ترقص الشمعة ضوءها الضئيل الذي يوحي ان الحرب قد تسببت بانقطاع الكهرباء فالحرمان صار فرصة للرومنسية ..عندما صار رقصها كرقصة التنورة الصوفي واصبح شعرها الاسود طبقا يدور داخل الغرفة وانتهى لامر بوصال كريم ..كان طبق من نوع آخر يطبق على الغرفة فيهدمها عليهم كما هدم بيت جيرانهم ..تراها فلا تسمع صراخه وترى نظرته تناجيها كذلك هو يراها ولا يسمعها الا رؤية ما يصبغ شعرها بالاحمر اللزج .
عالم الغرفة يرى ما حوله من النافذة ولا يسمع ولا يتكلم ..وعالم خارجها يضج بكل اهوال القتل …
الاعاقة ان ترى فلا تتكلم وتسمع صوتك كردة فعل على ما رأيت وسمعت
والاعاقة ان تسيج ذلك بشهوات ليس وقتها وانت تعرف ما يحيط بك ..فعينك رأت الرمادي اي انك حتى بعينك وسيلتك للتواصل مع الخارج خدعتك او أنت اردت لها ذلك …
النتيجة الاستشرافية ان الحرب ستصل اليك وتردم حيادك هذا فلا ترحمك ..لانك من صلة رحم جارك ..
هنا اصبح الاسقاط السياسي واضحا والمكان معينا والحرب ملأت بضجيجها العالم كله ..فلماذا تصم آذانك و تبكم صوتك ..وتنصرف الى صوفية مصطنعة كاذبة فلستم في حضرة “رقصة التنورة ” فالحرب دائرة فوقكم ….
فالشمعة اشارة ان ما وقع لكم من سلب ما يحرك محركاتكم ..لم تفهموه او تعوه
كارثة الحرب هي على الجميع ..فاصطناع الاعاقة لا يبني الا اسرة معاقة مع احترامنا لذوي الاحتياجات الخاصة ..
ما كان من تناقض الرقصات من لهيب الشمعة الضئيل الى طبق شعرها وتساقط الضحكات ..فالضحك اشارة الى العبث ..الى اهتزاز الغرفة انتهى كل ذلك بالدمار بالسقوط الاخير لا بالغماء ..
اذن …
الكاتب اقترح لفكرة تخلي الجار عن جاره
او قطع الارحام بحياة ذوات الاعاقة ..الخاصة ..ليفصلها عن واقعها وبسلبها قرارها ويقرر ان العاصفة لا ترحم الحواجز المصطنعة ..
غزة هي العالم الذي يضرب وغرفة الزوجين هو العالم العربي الذي فقد الاحساس بالعالم وغقد ارادة اتخاذ القرار ..سيدمر كما تدمر غزة بالآلة ذاتها ..وبالطبق الدوار الذي يشبه الافق وما تحته يكون تحت ظله وناره ..وسطوة ريحه ..يطبق على ما تحته ..
وفاعلية الاستمرار كامنة في العنوان بالمضارعية التي اتت حكما لمبتدأ محذوف ذلك هو طبق يدور اي العنوان نتيجة لما قد حل وانتهى ..
فالبنى المعرفية المشكلة للحياة المقترحة لفكرة النص ..تنطق بكل ذلك وتتحرك به ..من ترقيص شمعة بعد فقدان الكهرباء ..تلرؤية من نافذة بدل الخروج الى الفضاء الخارجي اي كمن يترقب خائفا ..الخيط السري ااذي لا يراه الا هو ..اصطناع رقصة ..
اذن ..الامر معكوس تماما هو التعامى عما يسمع ويصله من ضجيج وآهات ..فالاتهام مزدوج ..من كل زاوية للنظر .. فنظرته لها تصرخ ونظرتها له يراها كانما ذلك وعي ان لا فائدة مما سوف نسمع ولا فائدة بعد من صراخنا فبيت جارنا كومة من حطام …