أدب وفن

قراءة و أسئلة بين سطور ” صلاة القلق ” للروائي محمد سمير ندا

سمية تكجي *

صلاة القلق رواية الكاتب محمد سمير ندا الفائزة بجائزة البوكر العالمية
عندما تطأ عتبة رواية فازت بالجائزة فإنك سوف تتهيب و سوف يتكون لديك حكم مسبق عنها لا محالة و كذلك ستقفز الى يقينك أسئلة حول الكاتب و اهوائه السياسية و مواقفه ….
و هنا نستذكر و نتساءل ايضا عن الكتاب الذين رفضوا الجوائز ….و حينها تراوحت تبريراتهم بين حرصهم على استقلالية الإبداع لأنهم بعد الجائزة سوف يكونوا تحت المجهر و التنقيب …و بين ان اهواء الجهة المانحة لا تتفق مع اهوائهم.


ما أن نالت الرواية الجائزة حتى اصبحت للتو تحت المجهر و نقطة جذب للنقاد و اهل الادب و كل المنتديات الثقافية و هذا أمر طبيعي جدا
الفضول هنا دليل عافية يسهم في زيادة نسبة القراء و طبعا في نسبة المبيعات حيث يهتم القارىء الجيد بتقييم رواية حصدت الجائزة و يهتم أيضا بمعرفة الخصائص التي أدت لفوزها …
من حقنا ان نطرح سؤالا حول رواية صلاة القلق- التي تناولت الحقبة الناصرية و سلطت الضوء على الممارسة و النكسات و الأخطاء -هل كانت ستفوز بالجائزة لو كانت الجهة المانحة من التيار المؤيد للزعيم عبد الناصر … ؟؟؟
قرأت صلاة القلق و ما بين سطورها ، و قرأت العديد من المقالات النقدية التي تناولتها و حضرت مؤخرا ندوة عبر زوم في نادي الساردون يغردون حيث حل الروائي محمد سمير ندا ضيفا و كذلك شخصيات ادبية و نقاد قدموا مطالعات مهمة و قيمة
ارى لزاما علي في هذه السطور كقارئة مهتمة ان اتناول امورا جديدة ..


رواية صلاة القلق تعود بنا الى الروايات التي تتداخل فيها الفانتازيا و التاريخي بشكل مهيب مما يعطي السرد ثراء و تعقيدا في الوقت نفسه ، كما ان تداخلهما في الرواية يفسح المجال امام الأسئلة الوجودية كما يسمح بأسلوب مبتكر بمساءلة العادات و المعتقدات …و هذه الخصائص تحفل بها رواية صلاة القلق فهي تعود بنا الى روايات ساراماغو(ensayo de ceguera) و كافكا (metamorfosis ) و اورويل … 1984…


ايطالو كالفينو قال : “لماذا نقرأ الكلاسيكيات ؟ حين يعتقد أحدنا انه سمع عنها ….فإنه حين يقرأها في الحقيقة سيجدها أكثر جودة و غير متوقعة و كما لو أنها تنشر للمرة الأولى…”


و هكذا فعلت حين قرات تحولات لكافكا … و صلاة القلق رواية سوف ينصفها الزمن اكثر مما انصفتها الجائزة .


بين صلاة القلق لندا و التحولات لكافكا …


اول ما اعادني الى تحولات كافكا هو غريغور سامبسا الذي تحول الى حشرة و في صلاة القلق هي شخضيات نجع المناسي الذين تحولوا بفعل الوباء الى ما يشبه السلاحف و هنا نطرح السؤال الكبير : كم من مرة أحسسنا أننا غرباء حتى في جلودنا …
و شخصيات نجع المناسي غرباء!حتى في جلودهم …التشوه يرمز في رواية ندا الى الإنعزال و فقدان الهوية في عالم منفصل عن العالم ، اصبحوا فيه و كأنهم في حياتهم ليسوا على مسرح الحياة…بل فقط متفرجين …

صلاة القلق و 1984


ثمة روايات لكثرة ما تثيره من الجدل و لشدة وقعها و استشرافها من الماضي دروسا للمستقبل
لا تشكل فقط يوما فريدا في رزنامة الأدب بل انها تحفر عميقا في وعي من قرأها و من لم يقرأها …كما في رواية اورويل حيث أصبح مجرد ذكر اسمه أو عنوان روايته 1984 كفيلة كي تهزنا و كأنها الصوت المرادف لمخاوفنا و هواجسنا …
لقد اختبرت هذا الخوف و هذه الهواجس في رواية محمد سمير ندا …
و سافرت بي الى رواية أورويل …لمست الهام 1984 في صلاة القلق
رأيت في شواهي بعضا من جوليا و ذلك لأن الإثنتين لديهما مناعة ضد التضليل و فقدان الهوية و فضيلة التمرد و الحرية….
الخوجة …هو الى حد ما هو الأخ الأكبر.
اهل نجع المناسي المسجونون في تلك البقعة المنسية من الأرض يشبهون طبقة البروليتاريا في رواية جورج اورويل 1984 حيث يعتبر ان فكرهم عاجز على التمرد
جوليا و شواهي التي تحصنت بالحرية فلم تتشوه انسانيتها…و كأنما الحرية هي المصل الذي يبقينا على قيد الإنسانية …و كذلك جوليا التي احبت ونستون سميث سرا و حثته على التمرد و كسر الاعراف السائدة
أو براين الذي!اجتمع فيه النقيض و النقيض فيوحي في الوقت نفسه بالثقة و الخوف يجعلنا ندخل في مصطلح اورويل عن الفكرة المزدوجة التي يصنعها الاعلام و السياسة و الدين في رؤوس المضطهدين فيجعلهم يحبون الشيء و نقيضه في آن …يمجدوا الحاكم و يكرهونه في آن …دون أن يعوا ذلك …هي تلك العقيدة السلطوية و هدفها النجاح في دفع الشعب أن يقول عن الأشياء الحقيقية خاطئة و العكس صحيح …
و ابن الخوجة بلسانه المقطوع…الصامت رغما عنه نراه في ونستون سميث الذي يعمل في وزارة الحقيقة و يعيد كتابة التاريخ كي تصبح متطابقة مع عقيدة الحزب …لكنه في النهاية يتمرد و يكتب يومياته كما فعل حكيم..

هو غيض من فيض رواية تحتاج قارئا صبورا (كما قال مؤلفها ) تستحق القراءة و التأمل و الكثير الأسئلة

*شاعرة و قاصّة لبنانية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى