أدب وفن

إبحار على متن القصيد/ قصيدة د. عبد الكريم بعلبكي و قراءة د. عبد الكريم قبلان

كتب د. عبد الكريم قبلان

شمس الأصيل بين “بعلبكي” و”الملك الضِّلِّيل” لستُ أدري – وأنا أقرأُ هذه السمفونية النثرية الفنِّية المموسقة ببعض الرويّ الجليّ اللطيف ، والإيقاع الداخليّ الخفيّ الخفيف – لماذا هيمنَ على مخيّلتي وذائقتي وذاكرتي ، وقْعُ بيتَيِ “الملِكِ الضِّلِّيل ” ، وهو يحاول استرداد سؤدده :
“بكى صاحبِي لمّا رأى الدربَ دُونَهُ
وأيقنَ أنّا لاحقانِ بِ ” قيصرَا”
فقلتُ لهُ : لا تبْكِ عينُكَ إنّما
نُحاوِلُ مُلْكًا أوْ نموتَ فنُعْذَرَا”!
فبينَ أصالة الشاعر الجاهلي “امرئ القيس ” ، وحداثوية الأديب عبدالكريم بعلبكي وعنفوانهما المنكسر ، وعذاباتهما الذاتية المتشابهة ، وتطلّعاتهما التحرُّرية القومية المشتركة ، ألفَيتُني رهين الإبداء والإسداء ، ولا أقول “رهين المحبسَين” ، فأُدلي بدلْوي على السجية قائلاً :
إنّ تزاحُم صُوَر الطِّباقات والمقابلات البديعية في نصّ الأديب “بعلبكي”ولا سيّما عنوانه “الوقوف على قمة الانهيار انتصار” -يعكس القلق الوجداني والإنساني الذي يعتمل في ذاتية الأديب المرهفة ، فهو ماردٌ حالمٌ متمرّدٌ يرفض اليأس والاستسلام والخنوع والجمود والتقليد والصمت والكلام المكرور المحنّط ، ليُحلِّقَ بتجديده وتجويده ، وتوهُّجه وعشقه وطموحه وجموحه وتوجُّهه نحو شمس الأصيل ، رمز الحبيبة والحرية والرفعة والطهارة ، بكلِّ ثقةٍ وعزم وتفوُّق وتألُّق … بَيْدَ أنّ صوتَ نبوءته المتبرعم صُوَرًا أدبية ربيعية بهيّةً حالمة – تراءى له ثرثرةً خذلتْ شغاف قلبه الشفّاف الباكي دائمًا ، والمتبُول المكبول تحتَ وطأة الغدر والخيانة ، وتنتيف عباءة النخوة العربية في القمم المنسية أوالمتناسية والمغتالة الفاشلة ، كلُّ ذلك يُستشَفٌ خللَ خيالٍ مجنّح يختزن بل يختزل جزيل المعاني المكثّفة ، والرؤى المُلغّزة والمُرمّزة، في نسيج تعبيري مؤتلق مؤتلف و مختلف في آن …
وهكذا يبدو أديبنا “بعلبكي” مفتونًا بنرجسية “الملك الضِّلِّيل” ، من ناحية ، ومسكونًا ببكاء “صاحبه” رفيق دربه الطويل ، ومصحوبًا بالأرق والألم والاِنكسار ونشدان الانعتاق ، من ناحية أخرى ، دون أن يغيب عن باله وسواس زوال العمر القصير ” تحت مطرقة العابرين” …
لكنّ همّة الفارس العربي المتمرِّد في جينات الأديب ، والنرجسية الأبية المتأصلة في كبريائه، تدفعانه إلى عدم القبول او الاِعتراف بالفشل اوِ الهزيمة اوِ الرضوخ ، بلْ تحثّانِهِ على القيام والنهوض والتحدّي والهتاف بألصوت العالي :
” الوقوف على قمة الاِنهيار انتصار”!!!
دكتور بعلبكي ، بورِك يراعُك ، وطاب إبداعُك !!

الوقوفُ على قمةِ الانهيارِ
انتصارٌ …بقلم د. عبدالكريم بعلبكي


ـــــــــــــــــــــــــــــــ
بكيْتُ (صَحبي)
لأذرعِ الحلمِ
لكفِّ الصداقةِ
لفيضِ الصَّمتِ
للوَقارِ
بكيْتُ (صَحبي)
*
إِشتعلَ نبضي تحت
المآقي
أتى معَ موكبِ الهطول
إِستلَّ أقلامَ فرَحي
من ضلوعي
قال :
سنرفَعُ عن ناصيةِ الكلماتِ
نحيبَ غُبارِ التردُّدِ
سنكتبُ على وجه الشمس
حكايةَ الجُموحِ
سنَعجِنُ ثلجَ البوْحِ
بالعشقِ
بالغارِ
بالنّارِ

بكيْتُ (صَحبي)

تبرعم صورًا
ربيعًا
صوتَ نبوءةٍ
ثرثرَ
تبعثرَ
إندثرَ
خذلني قلبي
بكيْتُ (صَحبي)
فتحتْ سيولُ الغدرِ
أبوابَ الظمأ
خنقتْ شفتيها المروءةُ
آآآهٍ
النخوة
ما أوجعَ بعدَها
بكيْتُ (صَحبي)
*
أيا حُلم السّاعةِ
الصَّيفُ شهِيٌّ
غزلَ عباءةَ الِّلقاءاتِ
على طاولةِ الخديعةِ والخيانةِ
إنتحبَ الشَّتاءُ
أهُوَ زمني .؟
*
أُصدِقُكُمُ القولَ
بكيْتُ (صَحبي)
*
جفاني المنامُ
مَسَّني الضوءُ
هزَّني الانكسارُ
انجرحَ وجهُ النهارِ
العمرُ
هجعَ تحتَ مطرقةِ العابرين …
بكيْتُ بكيْتُ
عندَها
أعددْتُ للنَّرجسيّةِ عبيدها
ثُمَّ
استقلْتُ من صُحبةِ السُّمّار
وتركْتُ
شهرزادَ لشهريار
*
أَوتعلمون ؟!!!
أنَّ الوقوفَ على قمةِ الانهيارِ
انتصارٌ …

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى