أدب وفن

قراءة في لوحة سولين أوسي…/رمزية المقاومة ..في تفاصيل الضوء

عبدالوهاب پيراني

تحفر لوحة الفنانة التشكيلية الكردية السورية سولين أوسي في الوعي الجمعي كمرآة عاكسة لروح المرأة المقاتلة التي ترفض أن تختزل في إطار واحد، فاللوحة ليست  مجرد تصوير لامرأة تحمل سلاحاً، بل هي تفكيك بصري لفلسفة النضال المزدوج ضد القيود الخارجية وضد سجنها الداخلي، فتتحول المقاتلة إلى رمز كوني للتحرر، حيث يمتزج الدم بالضوء، والبارود بالأمل، في تشكيل فني يختزل مأساة وانتصاراً.  

يهيمن على اللوحة حوار درامي بين الظل والنور، يعيد إنتاج رحلة التحول من العتمة إلى التوهج،  فعلى اليسار، تتدلى خلفية داكنة تبتلع معالم السلاح في ظلال غامضة، كناية عن عوالم القمع والخطاب الذكوري المتحجر، بينما ينفتح اليمين بتدرجات لونية دافئة تضيء وجه المقاتلة، كشروق معرفي يخترق عتمة التجهيل. 

الفنانة التشكيلية سولين أوسي

هذا التباين ليس تقنية جمالية فحسب، بل خطاب بصري عن “ميلاد الذات الجديدة” من رحم المعاناة، حيث تحول المقاتلة صمتها المفروض إلى هدير المدافع، وضعفها القديم إلى قوة تشعل جذوة التحرر.  

في تفاصيل العينين تكمن عبقرية اللوحة، فـ عينا المرأة ليستا مجرد عضوين، بل هما حكاية مكتوبة بخطوط من النار والندى عبر نظرة ثاقبة كنظرة لبوة  تختزن جرأة المواجهة، وتوهجاً داخلياً كالجمر، أرادت الفنانة لها أن تكون نظرة رغم قوتها وعمقها لن تكون  تعكس عشقاً للحقيقة والحياة الآمنة، لا للرصاص والموت، تلك النظرة تذكرنا بلوحات الفنانة الغرائبية”فريدا كاهلو” التي حولت الألم إلى فن، واستطاعت سولين ان تضيف بعداً وجودياً للوحتها فهي لا تدافع عن جسدها فحسب، بل عن حقها في أن تكون “إنسانة كاملة”، تجمع بين قوة المحاربة ورقة الأنثى، بين صلابة السلاح ونعومة الملامح، ومن هنا نرى بوضوح خطوط الوجنتين الدقيقة، وألوان البشرة الهادئة، فقد أرادن أن تشير إلى تناقض مأساوي في كيفية احتفاظ المرأة بأنوثتها وسط وحشية الحرب؟ وكيف تصنع من ضعفها قوة، وكيف تصنع من قوتها درعاً؟. 

البارودة الحربية على ظهر المقاتلة ليس أداة عنف عمياء، بل علامة على تحول المضطهد إلى فاعل في التاريخ. هنا، يتحول السلاح إلى استعارة عن “الكلمة” التي تقاوم الصمت، لكن اللوحة لا تكتفي بذلك، فالمقاتلة، رغم بطولتها، تحمل حلماً آخر في أن تعود إلى “زرع الهدوء”، و رسم البسمة على وجهها، وتأسيس أسرة على أرض وطنها، تحت شمس الله،  هذا التوق إلى الحياة العادية هو الجزء الأكثر إيلاماً في العمل، وربما من الصعب قراءته الا اذا ألتفتنا إلى بقية أعمالها وقراءة تفاصيل سيرتها الذاتية التي تمنحنا رؤية داخلية لفهم طبيعة أفكارها وتوجهاتها، فالنضال لا ينتهي بانتصار المعركة، بل بأستمرار معركة أخرى لاستعادة الحق في الجمال، في الحب، في أن تكون امرأة حرة واضحة 

عندما تعلق المقاتلة صورتها العسكرية على “جدران الزمن”، فإنها لا تخلد ذكرى الحرب، بل تسرق الزمن من يد النسيان.

 تصبح اللوحة أرشيفاً حياً لصراع مزدوج: ضد داعش، وضد الصورة النمطية للمرأة في المجتمع الشرقي. لكن الفنانة تذهب أبعد من ذلك: فالمقاتلة تتحول إلى “كاتبة تاريخ” بقلم من نور، تسجل فيه انتصارها على ذاتها قبل انتصارها على العدو. هذا البعد يذكرنا بأسطورة “الفينيق” الذي ينهض من الرماد، لكن بأدوات أنثوية صرفة: الدم يصبح حبراً، والجراح تصبح سطوراً. 

وبالخلاصة لا تقدم سولين أوسي في لوحتها بطلة كردية خارقة، بل إنسانة تنزف ضعفاً وتتوهج قوة  فهذه اللوحة ليست عن النساء الكرديات فقط، بل هي كل امرأة تحارب ضعفها.

اللوحة نشيد بصري للحرية التي لا تمنح، بل تنتزع، ومن هنا فأن العمل الفني يتجاوز الواقعية ليكون اعلان عن “مانيفستو” بصري يسعى لهدم الثنائيات البائدة.. الأنثى مقابل المحاربة، الضحية مقابل البطلة، الحرب مقابل السلام، بل إنها تعلن أن جمال المرأة ليس في وجهها فقط، بل في قدرتها على خلق الحياة من قلب الموت، وأن انتصارها الحقيقي ليس في قتل العدو، بل في أن تبقى إنسانة… تحب، تبدع، وتصلح العالم بقبضة من نار ووردة.  

قامشلو 

24/4/2025

السيرة الذاتية للفنانة التشكيلية الكردية من سوريا سولين عبدالصمد أوسي:

مواليد قامشلو 26 يوليو تموز 1997

خريجة جامعة الفرات، كلية الآداب، معهد الفنون التطبيقية والتشكيلية (الحسكة ٢٠١٥ – ٢٠١٧)

وأنهت دراسة الفنون الجميلة بجامعة روج اڤا عام 2021

عضو اتحاد فناني الجزيرة 

عضو Hrrk

شاركت في عدة معارض للفنون التشكيلية برعاية هيئة الثقافة بإقليم شمال وشرق سوريا

  • عضو منظمة UNDP

-عملت ضمن فريق صحيفة روناهي 

-فنانة تصوير فوتوغراف

حازت على عدة شهادات تقدير من هيئات ومؤسسات محلية وإقليمية ودولية 

فنانة ملتزمة بقضايا المرأة والجماهير 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى