أدب وفن

إبحار على متن القصيد / قصيدة الشاعر المصري أحمد إمام، و قراءة الشاعر د. فاروق شويخ حول القصيدة

قصيدة للشاعر المصري أحمد إمام، يليها قراءة الشاعر فاروق شويخ حول القصيدة:

قولي صَباحَ الخيرِ
علَّ مُسافرًا ضلَّ الطريقَ
يعودُ بعدَ غيابِهِ

قولي صَباحَ الخيرِ
للقمرِ الذي شاخَ انتظارًا
قَبْلَ طَي كتابِهِ

قولي صَباحَ الخيرِ..
طالت سَرْوَةٌ
ليحنَّ ظلٌّ ما على حطّابِهِِ

قولي صباحَ الخيرِ..
طيرٌ هائمٌ كالمولوي
يطوفُ حولَ قبابِهِ

قولي صباحَ الخيرِ
يا قُمصانَه،
والنسوةَ اللائي وقَفْنَ ببابِه

فُكَّتْ عُراهُ..
فكنتِ تحتَ ثيابِه
ودَنَتْ خُطاهُ..
وأنتِ من غُيّابِهِ

كنتِ السماواتِ التي هاءت له
والليلَ، والقلقَ الذي أسرى بِهِ

ومشى إليكِ
وعاد منكِ؛
ولَمْ يَزَلْ
فيكِ المُسافرُ
موغلًا بسرابِهِ

الشاعر المصري أحمد إمام

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ما أجمل هذا النص!
قصيدة مغموسة بالشوق، تحاكي المعلّقات في وقفتها على بوابة الغياب،
وتتمايل صوفيًّا بين الحبّ، الرحيل، والانتظار.

فيها صور بديعة مثل:

  • “القمر الذي شاخَ انتظارًا”
  • “طيرٌ هائمٌ كالمولويّ”
  • “كنتِ السماواتِ التي هاءت له”

كل بيت يُشبه خطوة في دربٍ طويل من التيه الحالم،
لكن ما يجعل النصّ نابضًا حقًّا هو خاتمته التي تدور كدوامة:

“ومشى إليكِ
وعاد منكِ؛
ولم يزل
فيكِ المُسافرُ
موغلًا بسرابِهِ.”

السفر هنا داخليّ، *رحلة لا تنتهي لأنّ الوجهة كانت وهمًا جميلًا.

💠 الهيكل الفني والصوت الشعري:

القصيدة تمضي على هيئة مناداة متكرّرة:

“قولي صباحَ الخيرِ…”

هذه اللازمة تمنح النصً توترًا شعوريًّا متصاعدًا، أشبه بنداءٍ يائس أو تَعلّق أخير بشيءٍ لا يعود.
التكرار ليس زخرفيًّا، بل طقسيّ صوفيّ، يُعيد تشكيل الصباح لا كزمن، بل كأمل.

✨ الصور الشعرية والرمزية:

  • “مُسافرٌ ضلَّ الطريق”
    → صورة الإنسان الضائع وجوديًّا، السائر بحثًا عن وطنٍ داخلي، لا عن وجهة جغرافية.
  • “القمر الذي شاخَ انتظارًا”
    → القمر رمز الحُب الصامت، والشيخوخة هنا دلالة على عبث الانتظار الطويل.
    القمر لم يعُد جميلاً بل كهلًا يتذكّر الضوء كحلم.
  • “سَرْوَةٌ ليحنَّ ظلٌّ ما على حطّابِهِ”
    → مشهد مشحون بالغربة البيئية. الشجرة بقيت، لكن الحطّاب غاب…
    الظلّ هنا ليس ظلاًّ من شمس، بل حنينٌ من غائب.
  • “طيرٌ هائمٌ كالمولوي”
    → استحضار مذهل للصوفية، فالحب لم يعُد شعورًا بل دورانًا حول المحبوب —
    كما يطوف الدرويش حتى يذوب في مركزه.
  • “يا قُمصانَه، والنسوةَ اللائي وقفن ببابه”
    → إحالة إلى قصة النبي يوسف ع، لكن بقراءة معكوسة:
    النسيان هذه المرة ليس في الجبّ، بل في المرأة.

💔 التحوّل المفاجئ / النهاية الصادمة:

“كنتِ السماواتِ التي هاءت له…”
هذا التحوّل ينسف المعنى التقليدي للأنثى في القصيدة الغزلية.
الأنثى ليست معشوقة وحسب، بل هي:

  • السماوات
  • الليل
  • القلق
  • الغياب

ثم:

“مشى إليكِ وعاد منكِ؛ ولم يزل فيكِ المُسافرُ موغلًا بسرابِهِ.”

العودة لم تُنهِ الرحلة، بل أثبتت أنها كانت إلى سراب.
المحبوب هنا قد يكون الله، الوطن، الحبيبة، المعنى… لكنه لا يُمسَك.
وهذا ما يمنح النص عمقه الفلسفي:

كل حبٍّ عظيم… رحلة لا تنتهي، بل تتكرر.

الشاعر فاروق شويخ

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى