أدب وفن

{حِكايَةُ الشَّفَافِيَة والعُمْق} “إيليا حاوي” المُعَلِّمُ الَّذي لَمْ يَغِبْ

[الحلقة الأولى]

﴿السِّيرة الموجزة﴾

إلى “إيليَّا حاوي”،

الذي ما برح، في الذِّكرى العشرين لوفاته،

يقف، غزير العطاء، بين الكبار الكبار من أساتذة الأدب

والنَّقد الأدبيِّ في العالم العربيِّ.

وجيه فانوس 

الدكتور وجيه فانوس

(رئيس المركز الثقافي الإسلامي)

إيليَّا حاوي، الذي ولد سنة 1929، هو أحد كبار الباحثين والمؤلِّفين الذين أغنوا المكتبة العربيَّة بأبحاثهم ودراساتهم، وخاصَّة في مجالات النَّقد الأدبيِّ. وضع إيليَّا حاوي، على امتداد أربعين سنة من عمره، أكثر مِن ثمانٍ وستِّين مؤلَّفاً، ومعظم هذه المؤلَّفات كان متعدِّد الأجزاء. درسَ إيليَّا حاوي، في كتاباتهِ، تاريخ الأدب العربيِّ، في مختلف عصوره وميادينه، وتناول بالبحثِ المفصَّلِ بعضاً مِن أبرزِ أعلامِه. وعرضَ إيليَّا حاوي، كذلك، لمدارسِ النَّقدِ الأدبيِّ العالميَّة، وناقشها؛ وانكَبَّ، كذلاك على مجالات المسرحِ، بشكل عامٍّ، والعالميِّ منه، بصورة خاصَّة، إذ له مؤلَّفات جليلة، ما انفكَّت تعتمد من قبل الباحثين في مجالات الأدب المسرحي، منها أكثرها شهرة وانتشاراً كتابه الموسوم “الفن والحياة والمسرح-نظريَّاتٌ ونظرات”، فضلاً عمَّا وضعه في “شكسبير” و”بيكيت” و”يونسكو” وسواهم. يضاف إلى كلِّ هذا، أن لـ”إيليَّا حاوي”أعمالٌ روائيَّةٌ ومسرحيَّةٌ وأخرى في مجال السِّيرة الأدبيَّة.

إيليَّا حاوي

ورغم وفاته يوم الاثنين، في 28 آب سنة 2000؛ فإنَّ كتاباته جميعها ما برحت مطلبَ كثيرٍ من الدَّارسين والباحثين والطلاَّب الجامعيين، في لبنان كما في أرجاء العالَم العربي وحلقات البحث العالميَّة، ناهيك بأهل الثَّقافة؛ خاصَّة وأن كثيراً من هذه المؤلَّفات ما برحت تعتمد من المراجع المقرَّرة من قِبَلِ عددٍ كبير من الجامعات والمعاهد التَّعلمية في لبنان والعالم العربي.

والدا إيليَّا حاوي: سليم حاوي وسليمة عطايا

وُلِدَ إيليَّا حاوي سنة 1929؛في بلدة “الشُّوَيْر”، من قضاء “المَتن الأَعلى”، في محافظة “جبل لُبنان”. والده، سليم الحاوي، الذي كان “مُعَلِّمٌ مِعمارٍ”، بما يعتبر في الزَّمن الرَّاهن بمثابة “مهندس تنفيذي”؛أمَّا والدته، فاسمها “سليمة عطايا”، وهي من بلدة الشُّوير كذلك. تلقَّى، إيليَّا، تعليمه الأوَّل، في “مدرسة المعلِّمة مَلَكة” في بلدته الشُّوير، ثم انتقل، بعد ذلك، إلى “مدرسة مار يوحنَّا الصَّابغ”، التَّابعة للآباء الباسيليين”، في البلدة عينها؛ ولمَّا أنهى دروس الصَّف الثَّالث التَّكميلي، كان قد اغتنى بمعرفة معمَّقة باللُّغة العربيَّة وبعض آدابها، بفضل اهتمام خاص به، أبداه أحد أساتذته فيها، وهو المربِّي والشَّاعر “نايف سمعان نكد” (1908-1959)؛ الذي وجد في تلميذه “إيليا” طاقة أدبيَّة طيِّبة ومقدرة حسنة على نَظْمِ الشِّعر؛ فعكف على تثقيف تلميذه بمعارف العربيَّة، كما اشتغل على تدريبه في مجالات النَّظم وأساسيَّات التَّعامل مع القوافي والبُحور والتَّفاعل معها عبر موضوعات الشِّعر.

الأستاذ نايف سمعان نكد

ما أن حصَّل إيليَّا حاوي “الشَّهادة الابتدائيَّة العاليَّة” (البروفيه)، حتَّى التحق، بـ”دار المعلمين الابتدائيَّة”، في بيروت؛ وأحرز شهادتها سنة 1949؛ كما حاز، لاحقاً، “شهادة البكلوريا للتَّعليم الثَّانوي”، فرع الفلسفة، سنة 1952؛ ونال، لاحقاً، في سنة 1955، من الجامعة اللُّبنانيَّة، شهادة “الإجازة التَّعليميَّة في اللُّغة العربيَّة وآدابها”، ثم شهادة “الكفاءة”، في الاختصاص عينه، سنة 1959.

تعرَّف “إيليا حاوي”، في هذه المرحلة من دراسته، على “جيتان بيكون” (GaëtanPicon) (1915-1967)، الذي شغل منصب مدير”المدرسة العليا للآداب” في بيروت، سنة 1951؛ وقد نشأت بينهما صداقة طيِّبة وعلاقة ثقافيَّة وأدبيَّة، تسنَّى لـ”إيليا حاوي”، أن يقبس فيها من “بيكون” نوعيَّة اهتماماته الأدبيَّة الموسوعيَّة الأمر الذي يبدو أنَّه ترك بصماته الواضحة على “إيليا”، في حضوره الثقافي ونوعيَّة نتاجه الأدبي وطبيعةِ فكره ورؤاه في مجالات الأدب والنَّقد الأدبيِّ، بشكل خاص. كان “جيتان بيكون” ، كاتباً وناقد فنون وأدب، كما كان مؤرِّخ فنون وآدب؛ ولقد شغل منصب مديراً لـ”ميركور دو فرانس”  Mercure de France والمدير العام للفنون والآداب زمن تولِّي الروائي الفرنسي الشهير أندريه مالرو  (André Malraux) مهام وزير الثَّقافة في فرنسا (1959–1969)، زمن حكم الجنرال “شارل ديغول”.

الأستاذ جيتان بيكون

مارس “إيليَّا حاوي” مهنة التَّدريس، في المرحلتين الثَّانويَّة والجامعيَّة، في عديد من المؤسَّسات التَّربويَّة والتَّعليميَّة في لبنان؛ واستقرَّ أستاذاً لـ”أدب المسرح”، في “معهد الفنون” في “الجامعة اللُّبنانيَّة”، وقد تخرَّجت على يديه أفواج كثيرة من كبار المسرحيين في لبنان، كما كان له أن يتولَّى، في إحدى المراحل، مهمَّة إدارة المعهد؛ الذي ظلَّ من يعمل فيه إلى أن بلغ سن التَّقاعد الإداريِّ سنة 1993.

تزوَّج إيليَّا حاوي، سنة 1951، من ابنة بلدته الشُّوَير،سامية مخايل صوايا؛ ولهما أربعة أولاد؛ ثلاث أناثٍ هنَّ “ليلى”، وقد حازت شهادة الدكتوراه في اللغة الفرنسيَّة وآدابها، وهي من أساتذة كليَّة الآداب والعلوم الإنسانيَّة في “الجامعة اللُّبنانيَّة”؛ ونَوال، وقد حازت على الإجازة في الحقوق؛ وجمانة، وهي أستاذة للأدب الفرنسي، فضلاً عن الابن “سليم”، الذي يحمل الإجازة في العلوم الاقتصاديَّة.

وَضَعَ”إيليَّا حاوي”، عدداَ كبيراً من المؤلَّفات والموسوعات؛ مِن أبرزها “سلسلة أعلام الشِّعر العربي القديم والفنون الأدبية”، التي صدرت على مراحل؛ عالج فيها شعر “ابن الرُّومي” و”امرؤ القيس” و”النَّابغة الذُّبياني”و”الحُطيئة” و”الأخطل” و”المتنبِّي”؛ وقد صدرت بين 1960-1990.  وأنشأ، كذلك، سلسلة “الشِّعر العربيِّ المعاصر”، فدرس فيها “أبو شبكة” و”أحمد شوقي” و”الشَّابي” و”الأخطل الصَّغير” و”أبو ماضي” و”لبكي” و”قبَّاني” والسيَّاب” وسواههم. وأصدر، أيضاً، سلسلة” المذاهب الشِّعريَّة” وسلسلة “شرح دواوين “الأخطل” و”أبو تمَّام”، و”جرير” و”أبو نواس“. كما له سلسلة دراسات في النقد الأدبي منها “مدارس النقد الأدبي” و”مذاهب الأدب العربي وفنونه”.

ووضع، أيضاً، ثلاث مؤلَّفات تناول فيها سيرة شقيقه الشَّاعر خليل حاوي ونتاجه الشعري؛ وفوق كلِّ هذا، فإنَّ إيليَّا حاوي هو أحد مؤلفي سلاسل الكتاب المدرسي الأشهر في لبنان، “المفيد في الأدب العربي”؛ والذي درست على أجزائه أجيالٌ من تلاميذ المرحلة الثَّانوية في معظم مدارس لبنان.

توفي “إيليَّا حاوي”، في بلدته “الشُّوير”، يوم الاثنين، في 28 آب 2000؛ بعد حوالي شهر من مشاركته في إحياء الذِّكرى الثَّامنة عشرة لوفاة أخيه، الشَّاعر العربي الحضاري الكبير، خليل حاوي.

****

وإلى اللقاء مع الحلقة التَّالية: ﴿إيليَّا حاوي: المفكِّر والأديب والنَّاقد الأدبي﴾

*نقلا عن موقع ALEPH LAM

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى