منتديات

إشكالية الإنبعاث الحضاري

د . محمد مسلم جمعة

إشكالية الإنبعاث الحضاري


تشكلت الحضارة العربية , التي كانت نتيجة تفاعل العديد من الشعوب ( العربية , الفارسية , التركية , البربر , الأكراد ) والتي تموضعت على بقعة جغرافية معينة ,وأن اللغة العربية هي لغة الحضارة ,التي كُتب فيها نتاجات أدبية , علمية , فلسفية , وبلغت الحضارة أوجها في القرن الرابع ه ( التاسع والعاشر ) بعد الميلاد .
منذ هذا التاريخ توقف العرب عن الإنتاج الحضاري , ولم تنفع كل المحاولات للإنبعاث من جديد , يريد العرب تغيير أحوالهم بإسم مشاركتهم السابقة في الحضارة الإنسانية , وحول موقف متميز بجدته وشموليته ,يشبه إلى حد كبير موقف اليونانيين والإيطاليين في القرن الماضي , لذا حق أن نتكلم عن إنبعاث ونهضة ,لا عن تقدم وتثقيف , هذا الأمر عاينه المفكر عبد الله العروي الذي توصل إلى النتائج التالية :
أ – إن نظرة العرب إلى التاريخي تكتسي صورة خاصة ,فهي ثلاثية دائرية أو حلزونية ,الحاضر إنحطاط بالنسبة للماضي ,فالمستقبل يجب أن يكون عودة إلى نقطة البداية واستدراكا لما ضاع في الفترة الفاصلة بين الماضي الحافل والحاضر البائس ,وهي نظرة مناقضة للنظرة المتداولة والتي ترى التاريخ تطوراً مستقيماً من ماض منحط إلى مستقبل راقٍ .
ب – البؤس ناتج عن الوعي بالإنحطاط وهذا يسير وفق المعادلة التالية : مادامت إنجازات الحاضر أقل قيمة , من إنجازات الماضي فالبؤس قائم وبالتالي الإنحطاط .
ج – الإنبعاث لاينجز إلا على يد العرب أنفسهم , ومفهوم الإنبعاث عودة العرب إلى مركز الصدارة , التي كانت لهم في القرن الرابع الهجري ,واحتلال مركز القيادة , والقيادة الثقافية بالتحديد : سيطرة اللغة العربية في النطاق الوطني ,والإكتفاء الذاتي والإستغناء عن كل ما هو أجنبي , وفق هذا التصور وكما هو مطروح الإنبعاث , يعني استعادة العرب للمركز الذي إحتلوه سابقاً بين الأمم . هنا يعترض العروي بالقول : ” لا يمكن ولا ينبغي أن تماثل إنجازات الحاضر ,إنجازات الماضي , الممكن والواجب هو إحتلال مكانة مماثلة لمكانة الثقافة العربية في أجها ,إن الثقافة العربية المطلوبة ستكون بالطبع مشابهة للثقافة القديمة من جوانب شتى , لكنها ستكون وبالضرورة مخالفة لها في المضمون من حيث كونها في مستوى الثقافات المعاصرة ” .
كلام ضرب من الخيال فهل يمكن بناء الحاضر بركام الماضي ؟ مثل هذا الكلام يندرج في مجال التجريب وهي سمة من سمات العروي .
هذه الكتابات هي إستغراق في الأحلام , فغيرنا من الأمم نهضت وتحتل الصدارة عالمياً , بعد أن فتحت أبواب سورها العظيم وقرر المارد أن ينهض من سباته , خلافاً لرغبة نابليون , ألا وهي ” دعوا هذا المارد نائماً ” .
كل الكتابات عن النهوض الحضاري العري ,لا تخرج عن كونها أضغاث أحلام .
علينا الخروج من شباك اللغة العربية ومانتج عنها من حروب ومذاهب ,استغرقت في خلافات اللغة التي طمست المقاصد والغايات من النص
. مسؤولية اللغة في انقسام الفرق :
مشكلة التأويل طغيان اللغة على الأدلة والأحكام وهي مصدرها القرآن ،اد انساق الأصوليون انسياقا كبيرا وراء اشكالية اللغويين والنحاة ،أي اشكالية اللفظ والمعنى ،فجعلوا من الإجتهاد اجتهادا في اللغة التي نزل بها القرآن ،من هنا كانت النتيجة ان شغلتهم المسائل اللغوية عن المقاصد الشرعية ،فغاصوا في العقل البياني وفِي النظام المعرفي الذي يؤسسه ،لتشكل خاصتان لازمة العقل البياني منذ البداية :
الخاصة الأولى أهمية اللفظ وموقعه في التفكير البياني.
الخاصة الثانية هي الإهتمام بالجزئيات على حساب الكليات أي (الإهتمام باللفظ وأصنافه …على حساب مقاصد الشريعة )؛انها نفس الخاصيتين اللتين كرسهما اللغويون والنحاة في العقل البياني .
من هنا أتى الخلاف ما بين الفرق ولَم يخرج من الدائرة البيانية ، اذ رفع المعتزلة راية التأويل البياني وكانوا من أشد المعترضين والرافضين للتأويل العرفاني من أهل السنة أنفسهم ،الذين كانوا يتعاملون مع البيان على أساس مجرد من التقليد والإتباع وليس على أساس من التنظيم والتنظير كما فعل المعتزلة ،الذين عرفوا بإعتماد التأويل العقلي ،وقد اهتموا اهتماما كبيرا برسم الحدود ،التي تسمح بها اللغة العربية في التعبير ولا يتعداها ،أما خلافاتهم مع أهل السنة والأشاعرة فكان داخل دائرة البيان أو تكاد تكون في المتشابه في القرآن .
ان التأويل البياني من هذه الزاوية ،كان تشريعا للعقل العربي ولَم يكن كما قد يعتقد مجالا لممارسة الفعالية العقلية ،أي فعالية العقل الكوني المستقل بنظامه عن نظام اللغة .
تقوم نظرية التأويل عند المعتزلة على ركيزتين :
المواضعة وقصد المتكلم ،فالمواضعة عندما تستعمل أسماء المعاني والصفات وكذا العبارات المفيدة ،مكان الإشارة وكما ان قصد المتكلم هو الذي يحدد للإشارة دلالتها وللفظ معناه ،فإن المواضعة هي التي تعمل على تثبيت المعنى للألفاظ والعبارات .
القصد :أي الكلام ،قد يحصل عن غير قصد فلا يدل ،ومع القصد فيدل ويفيد ،فالمواضعة وان كانت ضرورية لجعل الكلام مفيدا فهي غير كافية ،اذ لا بد من اعتبار قصد المتكلم .
ان الخطاب البياني ليس بيانيا لأنه مفيد للمعنى فحسب ،بل أيضا لأنه بليغ ويصل في القرآن الى حد الإعجاز .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى