إضاءة على رواية خنجر سليمان للروائي صبحي فحماوي.
إضاءة على رواية خنجر سليمان للروائي صبحي فحماوي.
عفيف قاووق *–لبنان.
رواية “خنجر سليمان” الإصدار الرابع عشر للروائي صبحي فحماوي الذي كعادته يُصِرُّ على الغوص في التاريخ، وتهذيبه من بعض الشوائب التي لحقته، فبعد أن أتحفنا بمجموعة من الروايات التي تطرقت الى الجذور الكنعانية في منطقتنا العربية، ها هو في روايته التي بين أيدينا يتناول موضوعا جدليا، لا بل شائكا لتضارب الآراء ووجهات النظر التي تناولته.. عنيت به قصة سليمان الحلبي ذلك الفتى السوري القادم من حلب إلى مصر للدراسة في الأزهر، فنجد أن اسمه وفعله ارتبطا بواقعة اغتياله للجنرال الفرنسي كليبر بخنجرٍ طويل، صنع في غزة.
بدأ صبحي فحماوي روايته هذه بالتعليق وتفنيد ما أورده المؤرخ المصري عبــد الرحمــن الجبرتــي في كتابه «عجائــب الآثــار فــي التراجــم والأخبــار» إضافــة إلــى كتــب أخــرى التي نزعت عن سليمان صفة المجاهد البطل ووصفته بأنّه “رجل آفاقي أهوج مختــلّ الذِّمة، مُتكسِّبًا، متشرِّدًا، عائشًا بالتّحايل، ولا ينتسب إلــى وطــن» مع العلم أن سليمان الحلبي هو ابن واحد من أغنى تجار حلب، وهو طالب أزهري.
يبدو أن ما أتى به المؤرخ الجبرتي قد لاقى التأييد والتبني من قبل البعض، فأرجعوا ما قام به سليمان بقتله الجنرال الفرنسي إلى غاية شخصية بحتة، فمثلا يقول وائل جمال الدين في مقالة له على موقع بي بي سي العربية بتاريخ 13 يونيو/ حزيران 2018 أن الحلبي كان قد شكا من والي حلب إلى ضابط يعرفه جيدا يدعى أحمد أغا، وطلب منه أن يتوسط له من أجل رفع مظالم عن كاهل والده، فوافق الضابط بشرط أن يسافر الحلبي ويقتل قائد الجيش الفرنسي، ربما ثأرا لهزيمة العثمانيين في معركة هليوبوليس على يد كليبر، فوافق على ذلك الشرط دون تردد.” وهذا تفسير أقل ما يقال فيه أنّه ضعيف لا يُقنع مفكراً، ولا دارس أدب أو تاريخ.
أكثرمن ذلك وتبعا لما ذكره الإعلامي السوري عبد الهادي البَّكار في مقالة له في جريدة الأوسط العدد8122 تاريخ 22/2/2001 أن الدكتور عبد المنعم الجميعي، وهو أُستاذ التاريخ الحديث في احدى الجامعات المصرية، طالبَ بتجريد اسم سليمان الحلبي من شرف الاستشهاد، ودعا الى وصمه بالخيانة والإفك، وبأنه كان فتى بلا دين وبلا هدف، وبأن اقدامه على قتل الجنرال انما كان مقابل اجر، وفي سبيل تحقيق مصلحة شخصية خاصة.
يبدو أن هذه المواقف والآراء قد استفزت كاتبنا صبحي فحماوي، وحرضتهُ للبحث والتقصّي عن تاريخ سليمان الحلبي ومسيرته، فجاءت تحفته الروائية هذه لتنصف البطل الحلبي، الذي دافع عن شعب مصر، وجعل نابليون يرتد عن مصر، كما ارتد عن أسوار عكا الفلسطينية.. ولترفع الظلم الذي ألحقه به الصحفي الجبرتي ومن يدور في فلكه، عن بطل سجله التاريخ العربي بالنور العميم.
وبالعودة الى الرواية وإذا أردنا تجنيسها نجد انها لامست العديد من الأجناس الروائية، فقد تضمنت لمحات تاريخية وبعضا من أدب السيرة، وكذلك أدب الرحلات، فضلا عن بعض الإشارات والرؤى السياسية والدينية، كما يراها الكاتب، والتي جاءت منسجمة مع مضمون الرواية، دون ان تبدو دخيلة او مقحمة إقحاما فيها.
واللافت أن الروائي بدأ روايته من حيث انتهت، بإشارته في الصفحات الأولى الى نهاية سليمان الحلبي وإعدامه حرقًا من قبل الفرنسيين، والاحتفاظ بجمجته بعد وسمها بأنها جمجمة مجرم، بينما وصفت جمجمة المجرم كليبر بأنها جمجمة بطل..أي إنهم عكسوا الآية.
قدّم صبحي فحماوي روايته بأسلوب سردي سلس، وبلغة أنيقة، وكان لافتا تدخل الرواي في أكثر من موضع، ومخاطبته القارىء بشكل مباشر.. وهذا أضفى على الرواية نوعا من الإلفة بين الراوي والقارىء، متخذًا من قضية سليمان الحلبي مناسبة لتقديم رواية بابعاد اجتماعية وتاريخية وحتّى دينية في بعض المفاصل.
تطرقت الرواية الى الوضع الإجتماعي إبان تلك الحقبة الزمنية متخذة من عائلة محمد الأمين الحلبي نموذجا، ومن جملة ما أشارت إليه هو موضوع الزيجة من امرأتين، والغيرة والمناكفة التي تنشأ بين الزوجات (الضرائر)، وكيف كانت ثريا الزوجة الفتية تتطاول علــى ضُرّتِها الحاجّــة أم ســليمان التـي أصبحت عاقرا، نظرا لكبر سنها.. محاولة إغاظتها والتباهي بأنّها حامل للمرة الثانية فتقول: “أننـي حامل وأتوحّم، وأشــعر أنــه ُ ولد شقي لأنــه يرافسُ ِ كثيراً فــي بطنــي.. وأمــا أنــتِ يــا حاجّــة فقد قطعــتِ ِالحبــل والولادة”(33).
وفي موضع آخر يورد لنا فحماوي ما تلجأ إليه النسوة للفت النظر إلى بناتهن، بغية تزويجهن، مثلما فعلت والدة الصبيّة أسمهان، وهي تخاطب ابنتها بالقول:
“يجـب علينـا أن نتـودد إلـى أمـه أكثـر فأكثـر، وأن نقــدم لهــا هديــة ترضاهــا.. مــا رأيــك بسـُـترة أغزلهــا لهــا بيــديّ مــن خيطــان الصــوف، فـالأم هـي مفتـاح زوجهـا، كمـا أن الــزوج هــو مفتــاح زوجتــه«(46).”
وكما أسلفنا فالرواية تضمنت ما يمكن تسميته بأدب الرحلات وأسهبت في ذكر مواصفات الأماكن والمدن التي تسلكها القوافل من حلب وصولا إلى مصر ومرورا ببعض المدن الفلسطينية. ولم يبخل الكاتب علينا فقدم لنا نبذة موجزة عن هذه الأماكن وتاريخ نشوئِها. وقد أتى هذا الوصف مترافقا مع خط سير القافلة المحملــة بمنتجات مــن الزيــت والصابــون والســمن البلــدي، ومرورها علــى محطــات البــلاد الســورية المعروفــة مثل معرّة النعمــان ومدن حمــاة، وحمــص ولم تغفل عن ذكر ساحة المسجد الأموي في دمشــق وأسـواقها كسـوق البزوريـة، ســوق مدحــت باشــا، سوق الحرير وأيضا سوق الخياطين(52).
بعدهـا تواصل القافلة سيرها باتجاه مرتفعـات الجـولان، ومنهـا إلـى بحيـرة طبريـا الرقراقـة الميـاه المنسـابة مـن جبـل الشـيخ. وبعدها إلــى بيســان وينابيــع بركهــا وبحيراتهــا ثم جنوبا باتجاه مدينة أريحــا ومن معالمها ســاحة قصــر هشــام الــذي يعتبــر مــن أهــم المعالــم الســياحية فــي فلســطين،(55). لتصل إلــى القـدس حيث المسـجد الاقصـى وقبته المتلألئة، وجبــل الزيتـون.
لم يفت الكاتب من ان يتغنّي بالقدس التي تعتبر مركزا لتكامل الدينَين الإسلامي والمسيحي، والإشارة إلى بـاب العامـود أهــم الأبــواب فــي القدس وأجملهـا، ويعتبـر المدخـل الرئيـس للــمسجد الأقصى وكنيسة القيامة وحائــط البــراق. كما يُعرج بنا على أسواق القدس ومنهـا ّ ســوق العطاريــن، وســوق اللحاميــن، وســوق القطانيــن الذيـن يبيعـون القطنيـات، وسـوق الصاغـة وسـوق الحصـر الذيـن يبيعــون المفروشــات.
ويبدو أن إنحياز الأديب صبحي فحماوي إلى التاريخ الكنعاني كان واضحا ، فلم يترك مناسبة إلا ويذكرنا بذاك التاريخ وبأن الكنعانيــين هم من أسسوا مملكــة غــزة فــي القــرن الخامــس عشــر قبــل الميــلاد وأطلقوا عليها إسم (هزاتــي) وقد احتلهـا الكثيـر مـن الغـزاة، كالمصرييـن الذيـن أسـموها )غزاتــو) واليونانيــون الذيــن كانــوا يســمونها ( فــازا(، والأشــوريون الذيــن كانــوا يقولــون عنهــا (عزاتــي( لمقاومتهـا الشـديدة، ومن معالم مدينة غزّة وجــود قبــر هاشــم بــن عبــد منــاف الجــد الثانــي للنبــي محمــد بــن عبـد اللـه لذلـك يطلق عليها اسم “غـزة هاشـم” كمــا أنهــا مســقط رأس الإمــام الشــافعي (74و84). كما تشير الرواية إلى أن مدينة الخليل سميت بهذا الإسم نسبة إلـى ملـك كنعانــي قديــم كان اســمه خليــل«(64).
نلحظ في هذه الرواية عمق العلاقات والصلات التي تجمع بين أقطار الوطن العربي، وأن وحدة المسار والمصير ليست مجرد شعار، بل هي ضرورة حتمية.. يقول محمد الأمين مخاطبًا ولده سليمان: “تأكـد يـا ولـدي أنـه لـن تقــوم لســوريا الكنعانيــة ولا لمصــر أم الدنيــا قائمــة، إلاّ بارتباطهمـا الوثيـق معـا فـي الحيـاة والزراعـة والصناعـة ً والتجــارة ومقاومــة المعتديــن عليهمــا معــا.(50). كما أن القــدس ودمشــق همــا توأمـان. وفي موضع آخر يستذكر والد سليمان قول المتنبي على شاطىء بحيرة طبريا، ووصـفه لوحـدة شـعوب الفرات والنيــل قائًلا: وردٌ إذا ورَدَ البحيرة شاربًا.. سـمع الفـراتُ زئيـره والنيلا. ومثلــه يــا ولــدي، نحــن نؤمــن بوحــدة الفــرات ْوالنيــل،(54).
كما اسلفنا فإن الرواية تناولت بعض الجوانب الدينية التي أتت على شكل دروس في أصول العقيدة والفقه، كما تطرقت لمسألة التقريب بين المذاهب التي على رغم تعددها تبقى واحدة موحدة تحت سقف القرآن الكريم، وهذا ما أوضحه محمد الأمين بدعوته ابنه سليمان إلى احترام المســاجد مــن دون تحيــز إلاّ للقــرآن الكريم ، وعدم التفريق بين المسـجد الأقصـى فـي فلسـطين، والمســجد الحــرام فــي مكــة، والمســجد الأموي في دمشــق، والمســجد الأزهــر ومســجد الحســين ومســجد الســيدة زينــب فــي القاهــرة، ومســجد كربــلاء الحســين فــي العــراق، فجميع هذه المساجد لهــا هيبــة وإجــلال عنــد المســلمين عامــة”(60). ولم يتوان الحاج محمد الأمين بانتقاد بعض الممارسات التي يقوم بها بعض رجــال الديــن الذين يبتهجون إذا ســألهم أحدهــم فيجيــبوا بفتــوى أو بنصيحــة، وبيــن الفتــوى والنصيحــة تدفــع لهــم مــا تســتطيع، فمعظــم رجــال الديــن يحبــون قبــض النقــود، بحجــة توصيلهــا للمحتاجيــن، بينمــا قــد يأخذونهــا لجيوبهــم،”(23). كما أثارت الرواية مسألة جدلية وهي قضية إلزامية الحجاب للمرأة، وما ورد على لسان الطالب الأزهري عبدالله الغزي من وجهة نظر تقول “إذا كانــت المــرأة التــي تطــوف حــول الكعبــة مجبرة علـى الكشـف عـن وجههـا، فكيـف لنـا أن نطالبهــا بتغطيــة وجههــا فــي المجتمــع، ثــم إن تغطيــة الوجــه هــي من تعاليم اليهود الذين يسـمونهم (حريديـم) وليست من تعاليم الإسلام فــي شــيء”(153).
في التطرق لمدينة غزة يبدو ان الروائي قد استشرف ما تشهده الآن، لذا استفاض في الإشارة إلى مدينة غزة، وأهمية كونها تمثل صلــة الوصــل بيــن بــلاد الشــام الســورية الفلســطينية وبين مصــر. وفي وصف لأريحية أهل غزة، يقول ابن غزة علي الصبّاغ :
“نحن الغزيين نصنع هذه السيوف والسكاكين والخناجر لنذكي روح المقاومة ضد المحتلين.(211). أمّا سليمان الحلبي فيصف غزّة بأنّها هـي التـي فجـرت روح الثـورة فـي داخلـه، وحرضته علــى عــدم الرضــوخ للاحتــلال وبشــاعات الفرنسيين وتصرفاتهــم، ويكمل بالقول: «منــذ أن دخلــت مدينــة غــزة، فهمــت أنهــا مدينــة مقاومــة باســلة، وأنهــا مصنــع للرجــال قبــل أن تكــون مصنعًــا للخناجــر وســكاكين المقاومــة”. ويؤكد علي الصباغ أن أهالي غزة يمتازون بثقافة المقاومة بكل أشكالها بالقول: رِزقُ العيــال يحتــاج إلــى مقاومــة، والتعليم يحتاج إلى قهر الذات ومقاومة الكسل بالتعلم، وأما مقاومة العدو فهي التي تحتاج إلى الجهد أو الجهاد الأكبر، وأن مقاومة المحتلين هي شرف كبير لا نتنازل عنه، لتبقى كرامتنا محفوظة، ورؤوسنا مرفوعــة، لا تنحنــي إلا للــه ســبحانه، فمعظــم الشــباب هنا يرغبون بتقديم أنفسهم لمقاومة المحتلين،89.
ويبدو ان التاريخ يعيد نفسه وان الشيء بالشيء يذكر فالتنسيق الأمني مع العدو، الذي كان ولا يزال يضيق الخناق على المقاومين الفلسطينيين ويلاحقهم خدمة لمصالح خاصة، يبدو انه كان معتَمدا من زمن العثمانيين ومن بعدهم في زمن نابليون الذي نجح في تجنيد بعض شيوخ الأزهر من ضعاف النفوس – علماً أن الكثيرين من الشيوخ كانوا مناهضين للاحتلال”- وعيّنهم ضمن لجنة إدارة البلاد، لينفــذوا« التنســيق الأمنــي» لخدمــته ويكونــوا العيــن الحارســة، والجواســيس المراقبــة للمقاومــة المصريــة،.(240). وهذا ما حصل عندما أقدم سليمان الحلبي على قتل الجنرال كليبر ذكـر هؤلاء الشـيوخ في سياق إعــلام تزويــر الحقائــق الفرنســي، أن المخــرب الغريــب عــن البــلاد ســليمان الحلبــي أراد زرع الفتنــة.. وقاموا بتسـليم ثلاثـة مـن أصدقــائه لكــي يتــم إعدامهــم، حفاظــا علــى أمــن وســلامة البــلاد مــن المخربيــن.
وتذكر لنا الرواية وجه آخر من أوجه التنسيق الأمني في زمن الإحتلال العثماني لمصر متمثلا بشخص مختار قرية جولس أبو محمد الذي كان شديد الحرص على خدمة سنجق غزة العثماني حيث كان يقوم باعتقال سنويا ما لا يقل عن عشرة معارضين من الثوار ويقوم بتسليمهم للحاكم العثماني. ويبدو أن ظاهرة أبو محمد لا تزال قائمة ليومنا هذا وانتجت لنا نماذج مختلفة من الأبوات وإن اختلفت الكنية.
تبرز الرواية الخبث والنفاق السياسي الذي مارسه نابليون والطلب من جنوده أن يتظاهروا وكأنهـم مســلمون مؤمنــون، واتركــوا الأمــر لنــا نحــن لدراســة دينهــم، واســتنباط بــذور فنائهــم مــن داخـل دينهـم نفسـه ونجعلــه يلتــف إلــى الــوراء، ليبقــى يعيــش فــي كهــوف وســراديب الزمــن الــذي مضــى عليــه الزمــن، (115).
قدمت لنا الرواية صورة عن الممارسات التعسفية التي مارسها نابليون ومن بعده كليبر بحق الشعب المصري، ولم يُستثن من جور هذه الممارسات علماء الأزهر الذين كان لهم الدور الأساس في تحريض الشباب على الثورة والمقاومة فأصدر نابليون أوامره بـالقبض علـى المشـايخ وكبـار القـوم الذيـن أيـدوا إشــعال الثــورة، وأن يؤخــذوا إلــى شــاطئ النيــل ثــم تلقــى جثثهــم فــى ميــاه النهــر«.133.
كما تشير الى جرائم الجيش الفرنسي التي ارتكبها بحق المصريين في المواجهات التي جرت في العديد من المدن والقرى، حيث أن الفرنســيين اســتخدموا جميــع أدوات القسـوة والدمـار لكبـت الشـعور الوطنـي، والقضـاء علـى المقاومــة التي كانت أولى مواجهاتها في معركة شبراخيت، التي سقطت بعد قتال عنيف .121 . كما ان نابليون اراد القضاءعلى الحضارة الفرعونية المصرية طالبا من جنوده أن يدخلوا الأهرام – كبريــاء مصر- وأن ينهبوا كنوزها.. ففرنسا – كما يقول- هي الأوَلى بها من هذا الشعب المصري المنشغل بالصلاة والصــوم والحــج، وغيــر القــادر علــى المواجهــة.122.
استطاعت الرواية أن تُعرِّي نفاق وخبث نابليون وعدم احترامه لقدسية الأديان، فلم يلتفت إلى القيمة الرمزية التي يجسدها جامع الأزهر الشريف، فأمــر جنوده بفتــح النــار عليه، ودكّه بالمدافع الهدّامة، قبل أن يدخلوه بخيولهم، ويعيثوا فسادًا ويهشّموا خزائن الطلبة، ونهب محتوياتها. ويُسهب الكاتب في ذكر سلوكيات الجيش الفرنسي وبشاعتها لدرجــة أن الامهــات المصريــات قمــنَّ بتشــويه وجــوه الجميلات من بناتهن، كي لا يتم اغتصابهن من قبل الفرنسيين، (151).
لم يستطع سليمان الحلبي امام كل هذا أن يقف مكتوف اليدين معبرًا عن انزعاجه بالقول: »لقـد اختنـق صـدري بهـذا الجـو المهيـن لأمتنـا العربيــة، ولا بــد مــن الانتقــام مــن كليبــر ذات نفســه. وســنكون لــه بالمرصــاد«. 166. ولهذا تربّص بالجنرال الكريه، وعندما سنحت له الفرصة، استلّ خنجره الذي أهداه له علي الصباغ من غزة، وطعنه طعنات قاتلة قبل ان يتم القبض عليه. ويحكم كما أسلفنا بالإعدام حرقا، وتتم مصادرة جمجمته ووضعها في متحف متحف الإنسان،-لاحظوا اسم المتحف- الذي يشغل الجزء الأكبر من جناح باسي في قصر “شايو” إلى جوار برج إيفل في فرنسا، بعد ان وُضع عليها عبارة “جمجمة مجرم”.
ويبدو أن نابليون قد سبق السيء الذكر بلفور بدعوته لإقامة وطن قومي لليهود في أرض فلسطين، لينتشــر اليهــود ويســيطروا علــى الوطــن العربــي كلــه، هذه الدعوة الكريهة ليست مكرمة منه لليهود، بل ان ما يصبو إليه هو تفريغ فرنسا وأوروبا من شرورهم، ودعمهم لإنشــاء دولــة لهــم فــي فلســطين وســائر بقــاع الوطــن العربــي، ليكونوا رأس حربــة في استنزاف طاقات الشرق وإضعافه والتّنعُّم بخيراته.
ختاما رواية خنجر سليمان رواية شائقة استطاع الروائي صبحي فحماوي من خلالها أن يُمرر رسائل وإشارات بالغة الأهمية تسمح للقارىء إذا اراد بإجراء بعض الإسقاطات والمقاربات على ما تشهده منطقتنا العربية خاصة في هذه الفترة العصيبة التي تمر بها .