شخصيَّة الشَّهر العلاَّمة الدكتور الشَّيخ صُبحي الصَّالِح عَقْلٌ حضاريٌّ نفَّاذ ووهجٌ ثقافيٌّ أخَّاذٌ ووضوحُ فهمٍ اجتماعيٍّ بَنَّاء
الدكتور وجيه فانوس
(رئيس المركز الثقافي الإسلامي)
كان الدكتور الشَّيخ صُبحي الصَّالِح، مثقَّفاً فذَّاً في معارف عصره العامَّة، وعالِماً مُجَلَّاً في ميادين اللُّغة والفقه والحضارة، وناشطاً وطنيَّاً في ساحات الإسلام والعروبة، وركناً ركيناً من أركان المركز الثقافي الإسلامي؛ وُلِدَ في لبنان، وانطلق منه إلى أرجاء واسعة من آفاق العالمين العربي والإسلامي. وكان في كلِّ وجوده من أهل التَّجديد الفكريِّ النَّهضوي، وروَّاد الابداع الاجتماعي المغني لناس بيئته والرَّائي إلى تطوير في عيشهم لحياتهم،كما كان ممَّن صانوا العربيَّة واجتهدوا في عصرنتها، ومن أهل الدعوة المثابرة على البحث في جوهر الحقائق المعرفيَّة دينياً وحضارِيَّاً ووطنياً، على أسس الحوار المتسلِّح بالمجادلة بالتي هي أحسن وحسن الجوار وجمال العِشرة.
وُلِدَ “صُبحي بن إبراهيم الصَّالِح”، في لبنان، في بلدة “الميناء”، المجاورة لمدينة “طرابلس” (الشَّام الفيحاء)، لعائلة تتحدَّر من أصول تركيَّة، سنة 1926. وكان له أن يتلقَّى، في يناعة طفولته، العلوم المدرسيَّة الابتدائيَّة، في بلدة “الميناء”؛ حيث تسنَّى له، كذلك، حضور جلسات الشَّرح الدِّيني في بعض مساجد البلدة، الأمر الذي كوَّن في وجدانه طموحاً بأن يكون خطيباً في المسجد وعالم دين في أفياء الوجود الإسلامي. وكان لما أمكنه من غرف من فيوضات بعض ما وجده في مكتبات البلدة، العامَّة منها كما الخاصَّة، زاداً معرفيَّاً مميزاً؛ ما شكَّل له دافعاً للبحث عن مزيد من روافد العلم والمعرفة. وكان لـ”الفتى” صُبحي الصَّالِح، في سنة 1938، وقد بلغ الثامنة من سني العمر، أن يلتحق بـ”دار التَّربية” في مدينة طرابلس، لتحصيل دراستة في المرحلة الثانوية؛ وأن يبدأ، على صغر سنه، بعض الخَطابة من على منابر المساجد في المدينة.
سافر “الشَّاب” صُبحي الصَّالِح”، وهو في السَّابعة عشرة من سني العمر، في سنة 1943م، إلى القاهرة، لمتابعة دراسته في رحاب “الأزهر الشريف”؛ وحصَّل، وهو في الحادية والعشرين من عمره، سنة 1947م، “الشَّهادة العاليَّة” من “كليَّة أصول الدِّين” في “الأزهر الشَّريف”.
انتسب “الشَّيخ” صُبحي الصَّالِح، إبَّان دراسته في “الأزهر الشَّريف”، إلى “كليَّة الآداب” في “جامعة فؤاد الأوَّل” (جامعة القاهرة، لاحقاً)؛ فحازَ، وقتها، “الشَّهادة العالمية” من”الأزهر الأزهر الشَّريف” سنة 1949م، و”الإجازة” في الأدب العربي من “جامعة فؤاد الأوَّل” سنة 1950م.
أنتقل، بعد هذا، “الشَّيخ” صُبحي الصَّالِح، إلى باريس، في فرنسا؛ حيثُ التحق بـ”جامعة السُّوربون”؛ ونال في سنة 1954م. شهادة “دكتوراة دولة” في الآداب من تلك الجامعة، ببحث في موضوع “الدَّار الآخرة في القرآن الكريم” و”الإسلام وتحديات العصر”.
لم يكن، الدكتور الشَّيخ الصَّالِح، خلال سِنِيِّ إقامته في فرنسا، وتحديداً في عاصمتها باريس، بعيداً عن مجالات الوجود الإسلامي، بأبعادها الثَّقافيَّة والمعرفيَّة. لقد كان أن التقى “الدكتور صالح”، وقتذاكَ، بالمفكِّر الإسلاميٍّ الهنديِ “محمَّد حميد الله”؛ (1908ـ 2002)، ويعتبر “حميد الله”، أحد أعلام الثَّقافة العربيَّة الإسلاميَّة الكِبار في العصر الحديث؛ وهو أحد كبار العلماء والدُّعاة الذين أنجبتهم شبه القارة الهندية بصورة عامة؛ قضى ما يقرب من نصف عمره بالبحث والتَّحقيق، في بلدان أوروبا ودول الشَّرق الأوسط، كما كان له تبحُّر باللُّغة العربيَّة والإنجليزيَّة والفرنسيَّة والألمانيَّة والأُرديَّة والتُّركية، وله، كذلك، مؤلَّفات قَيِّمة بهذه اللُّغات، ومئات المقالات في موضوعات تبحثُ في القرآن الكريم والسِّيرة النَّبويَّة والفقه والتَّاريخ والحقوق. وكان أن اشترك “الشَّيخ الدكتور صبحي الصالح”، في باريس، مع هذا الباحث الاسلامي، في تأسيس أوَّل مركز ثقافيٍّ إسلاميٍّ في العاصمة الفرنسيَّة؛ ولطالما كان، لـ”الدكتور الشَّيخ الصَالح”، أن يؤمُّ “صلاة الجمعة” ويخطب لتلك الصَّلاة، في “جامع باريس”؛ وأن يعمل، أيضاً، على تعليم اللُّغة العربيَّة للأفارقة المسلمين، ويحاضر في الأندية الثَّقافيَّة الباريسيَّة، مُقدِّماً في كلِّ هذا نمطاً طيِّباً مِنَ التَّعريف بالإسلام، الأمر الذي نال إعجاب الفرنسيين وزاد من ألفة قسم من المجتمع الفرنسي مع “الدكتور الشَّيخ الصَّالِح”. لعلَّه من المفيد، ههنا، الإشارة إلى أنَّ الانشغالات العلميَّة ووالدينية والثقافية وحتَّى تلك اللثغويَّة، التي انماز بها حضور “الشَّيخ الصَّالح”، إلى حين وفاته؛ قد تجدُ تشابهاً منهجياً كبيراً لها، مع ما عُرِفَ به “محمَّد حميد الله”، من نشاطات واهتمامات وثقافات وفضاءات وجود في الشَّأن العام.
تقلَّد “الدكتور الشَّيخ” صُبحي الصَّالِح مناصب أكَّاديميَّة عديدة ذات رفعة ومكانة؛ إذ عمل في التَّدريس الجامعي في “العراق”، في “جامعة بغداد” منذ سنة 1954م. ، ثم في “سوريا”، في “جامعة دمشق” سنة 1956م.؛ وأصبح أستاذًا للإسلاميات وفقه اللغة العربية في “جامعة بيروت العربية” سنة 1963م.، في “لبنان”، وتولَّى، في “الأردن”، رئاسة “قسم أصول الدين” في “الجامعة الأردنية” سنة 1971م.، وعُيِّن رئيسا لقسم اللغة العربية وآدابها في “الجامعة اللبنانية” في “لبنان” سنة 1975م.، ثمَّ مديرا لكلية الآداب والعلوم الإنسانية في الجامعة عينها سنة 1977م..
حاضرَ، “الدكتور الشَّيخ صُبحي الصَّالِح”، بصفة “أستاذ زائر”، في عدد من الجامعات العربية منها “جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية”، في الرِّياض، في “السعوديَّة”، وفي “الكلية الزيتونية للشريعة وأصول الدين”، في “الجامعة التونسية”، في “تونس”؛ كما سمي مشرفاً على أطروحات الدكتوراه في الدراسات الحضارية واللغوية والإسلامية في “جامعة ليون الثالثة” وفي “جامعة باريس الثانية” (جامعة الحقوق والعلوم الاقتصادية والاجتماعية)، في “فرنسا”. ولقد انتسب، كذلك، إلى عديد من المجامع العلميَّة والمعاهد والمؤسسات والأكاديميات؛ إذ كان عضواً في “مجمع اللغة العربية في القاهرة”، وعضو “أكاديمية المملكة المغربية”، و”المجمع العلمي العراقي في بغداد”، و”لجنة الاشراف العليا على الموسوعة العربية الكبرى”. وتولى الدكتور الشيخ الصَّالِح، أيضاً، عدداً من المناصب، فكان نائب رئيس “المجلس الإسلامي الأعلى: في دار الفتوى في الجمهورية اللبنانيَّة، و”رئيس اللجنة العليا للقرن الخامس عشر الهجري في لبنان” و”الأمين العام لرابطة علماء لبنان”.
خاض الدكتور الشَّيخ صُبحي الصَّالِح، باحثاً ومدرِّساً ومحاضراً ومناقشاً، في كثير من مجالات العلوم الفقهيَّة واللغوية والحضاريَّة؛ وكانت له مشاركاته الفذَّة في تحقيق كثير من أمَّات الكتب التراثية وشرحها ودراستها؛ كما كتب باللغة الفرنسية، وترجم منها؛ وأشرف على تعريب عدد من المؤلفات والبحوث، وظل على امتداد أكثر من نصف قرن يزوِّد كبرى المجلات الاسلامية والفكرية والعلمية بمئات البحوث والدراسات في مجالات معرفيَّة إنسانيَّة عديدة، وكانت له مساهمات طيبة في موسوعات عربية وعالمية طالما استكتبته.
أهتمَّ “الدكتور صبحي الصَّالح”، في المجال اللغوي، بالإضاءة الجليَّةِ على مرونة العربيَّة وطواعيتها، كما ركَّز على ما تنهضُ عليه من خصوصيَّة قراتها التَّوليديَّة في الاشتقاق والصَّوغ. ويمكن القول بأنَّ “الدكتور الشيخ صبحي الصَّالح” تعامل مع علوم “فقه اللُّغة”، بمنهجٍ استقرائيٍّ وصفيٍّ؛ ورأى أنَّ وظيفة اللّغوي، تكمن في وصف الحقائق لا في فرض القواعد؛ وعلى هذا الأساس، فإنَّ “الدكتور الصَّالح” لم يعمد في توجهاتُ أبحاثه اللغويَة إلى فرض آراء الباحثين القدماء أو المعاصرين، بقدر ما اجتهد في وصف ما وجده من أمور اللغة، البحث في دقَّة هذا الموجود وصدقيَّتهِ، والعمل، من ثمَّ، على مواجهة الآراء المتحصِّلة فيما بينها؛ والاجتهاد في تبيان ما تحصَّل لديه من آراء، ومن ثمَّ استخلاص ما يمكن مِن أحكام.
لقد بنى “الدكتور الشَّيخ صبحي الصَّالح” لنفسه حضوراً فكريَّاً إنماز برؤىُ حضاريَّة حواريَّةٍ شملت قضايا الدِّين والوطن. ومن هذا القبيل، ما اشتُهِر عنه من دعوته إلى إطلاق الاجتهاد، وأن يكون القرن الخامس عشر الهجري قرن الاجتهاد، حتَّى يصبح الاجتهاد ظاهرة غالبة، إذ كان يقول “إنَّ حاجة الأمّة إلى الاجتهاد بديهيّة، لم تكن في نظر القدامى تقبل الجدل، حتى تحتمل التأجيل عند المعاصرين؛ وإنَّ المحقّقين من علمائنا شاركوا في مقاومة التقليد، وفي دعوة الناس إلى الاجتهاد، وإن كانوا لم يفتحوا بابه على مصراعيه، إلا للقادرين عليه”. ولقد عمل، ما أمكنه للدعوة إلى تنمية الفكر الاجتهادي وتوسعة آفاقه والتنسيق بين جميع عملياته وروح الشريعة ومقاصدها العامة، سعياً إلى إيجاد حلول مناسبة لأمور الحياة العصرية في جميعِ ميادينها. وكان يرى أنَّه لا حاجة للنَّاس إلى أشخاص المجتهدين وألقابهم ومراتبهم، بقدر حاجة “المجتهدين” إلى توعية تفكيرهم واجتهادهم واختصاصهم، تمهيدا إلى يوم نُوفَّق فيه إلى إنشاء ‘المجتمع الاجتهادي الجماعي على مستوى العالم الإسلامي”.
أصدر العلامة الدكتور الشَّيخ صُبحي الصَّالِح أكثر من عشرين مؤلَّفاً في موضوعات شملت مناهج الفكر الإسلامي واللغة العربيَّة وبعض العقائد السياسيَّة السياسية والاجتماعية؛ كما أنه كتب وحاضر وناقش في توجُّهات للفهم الديني الإسلامي ورؤى تنطلق منها لبعض القضايا الحضاريَّة.
عاش العلاَّمة الدكتور الشَّيخ صُبحي الصَّالِح داعية وحدة بين المسلمين، ففي مقدّمة تحقيق “نهج البلاغة” ناشد المسلمين جميعاً إلى الانضواء تحت راية التوحيد، كما حضَّ المؤرّخين على كشف الحقائق، لا انتصاراً لفريق على فريق، بل دعوة خيّرة إلى تناسي المآسي الدَّاميات. وطالب الدكتور الشيخ الصَّالِح باحترام حق الحياة، ورفع العدوان والظلم عن الإنسان، وضرورة كفّ الجاني بالقصاص؛ مسيراً إلى أنَّ العدوان على حياة فرد واحد في نظر الإسلام عدوان على كل إنسان حي، وكف الجاني بالقصاص عن قتل حياة واحدة، هو في الواقع كفه عن إزهاق الحياة كلها في أشمل معاني الحياة، وأوسعها مدلولاً، وأكثرها تفصيلاً، فما القصاص إلا حياة لأنه الحياة، وفي سبيل الحياة.
من الإنصاف، ههنا، الإشارة ولو بإيجاز وإلماح فقط، إلى باقة من آراء للدكتور الشيخ الصَّالِح؛ تشرقُ من ثنايا مؤلفاته ومقالاته وخطبه وأحاديثه؛ ولعلَّ من أبرز هذه الآراء قوله “أن لا شيء يجعل جوهر الإسلام يتعارض مع التطوّر والتقدّم، وأن السياسة بالنسبة إلينا ليست سوى أفضل وسيلة لتنظيم الدولة”؛ وكذلك اعتقاده الراسخ بأنه “لا بدّ من الاعتراف بأن المجتمع الإسلامي، الذي رسمت خطوطه الأولى في عهد النبي (صلى الله عليه وسلم)، لم يجد تحقيقه الملموس في الفترة المعاصرة، لنميّز سلفاً تمييزاً واضحاً بين العقيدة الإسلاميّة وتطبيقها في بعض البلدان الإسلاميَّة”؛ وكذلك دعوته الرائعة إلى فتح باب الاجتهاد إذ “حاجة الأمّة إلى الاجتهاد بديهيّة، لم تكن في نظر القدامى تقبل الجدل، حتى تحتمل التأجيل عند المعاصرين، وأن المحقّقين من علمائنا شاركوا في مقاومة التقليد، وفي دعوة الناس إلى الاجتهاد، وإن كانوا لم يفتحوا بابه على مصراعيه، إلا للقادرين عليه”؛ وأنَّه “لكي نتحوّل بالاجتهاد من الصيغة الشكليّة إلى جهاز حي دائم التحرك، أن نضيف إلى هذا كلّه شرط الإلمام الكافي بلغة حيّة على الأقل إلى جانب لغتنا، نطل من نافذتها على ثقافة عصرنا بواسطتها، وكل مسألة طارئة في ضوء العلوم المتعلّقة بها”. ولا يمكن، في هذا المجال، التغاضي عن قوله “إن ذهنيّة التخلّف، ومصالح المستفيدين من واقعنا المريض، عقبة في وضع صيغة اقتصاديّة متكاملة خالية من الربا يمكن أن تضعها نخبة من فقهائنا وأهل الاختصاص فينا. وتبنّى اجتهاد من رأى من العلماء، إباحة صناديق التوفير، وشهادات الاستثمار-على تفاوت-في بابي المضاربة والقرض الإسلاميّين، بعد إجراء تعديل جزئي على صياغة بعض القواعد الفكريّة والشروط الاحترازيّة الاجتهاديّة”. وقد طالب الدكتور الشيخ الصَّالِح، فيما طالب به، “احترام حق الحياة، ورفع العدوان والظلم عن الإنسان، وضرورة كفّ الجاني بالقصاص قائلاً: العدوان على حياة فرد واحد في نظر الإسلام عدوان على كل إنسان حي، وكف الجاني بالقصاص عن قتل حياة واحدة، هو في الواقع كفه عن إزهاق الحياة كلها في أشمل معاني الحياة، وأوسعها مدلولاً، وأكثرها تفصيلاً، فما القصاص إلا حياة لأنه الحياة، وفي سبيل الحياة”.
منحت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم في سنة 1986م.، جائزتها للدكتور الشَّيخ صُبحي الصَّالِح، عن كتابه “التفكير الاجتهادي في الإسلام”، وبعدها بشهور، وتحديدًا في 7 تشرين الأوَّل (أكتوبر) من سنة 1986م، جرى اغتياله، على أيدي عصبةٍ ناكرةٍ لحريَّة الفِكرِ وسموِّ العطاء، في بيروت.
كان الاقتتال الأهلي في لبنان، سنة 1986م.، قد صار في سنته العاشرة، وكانت الحياة في لبنان تضجُّ بعنف دماء تهرق، بإسرافٍ مرعبِ، بين فصائل ومجموعات فلسطينية ولبنانية، انغمست فيها أيدٍ لمسلمين وأخرى لمسيحيين، في خضم احتلال إسرائيلي ووجودٍ سوري وحضورٍ غربي. عُقِد “الاتفاق الثلاثي” بين الميليشيات (القوات اللبنانية المسيحية – حركة أمل الشيعية – الحركة الوطنية اللبنانية الدرزية)، في 28 ديسمبر 1985م، لتسلّم الأمن في بيروت؛ بديلا من سُلطة رئيس الجمهوريَّة. وإزاء هذا الاتفاق تنامت حركة شعبية رافضة له، ومنادية بإضراب عام ومفتوح، أدّى إلى إحداث عُزلة تدريجية للمليشيات بكافة انتماءاتها ومصالحها. كان الدكتور الشَّيخ صُبحي الصَّالِح، واحدًا من الوجوه البارزة باحترام وتقدير بين جميع اللبنانيين، وكانت دعوته أبداً الحفاظ على سلامة لبنان ووحدته، مع التأكيد على حق الوجود الفلسطيني في العيش الكريم والمقاومة ضد العدو الصهيوني الغاصب. وكان، كما انتشر بين بعض القوم، أن ثمَّة من وضع لائحة اغتيالات بأسماء بعض أبرز قادة الرأي والفكر والمحرّكين لها؛ ووصلت بعض التَّهديدات إلى مسامع الدكتور الشيخ الصَّالِح، غير أنَّه لم يعرها اهتماماً عمليَّاً على الإطلاق.
قام مسلّحان ملثمان يمتطيان دراجة بخارية، صباح يوم الثلاثاء الواقع فيه السابع من تشرين الأول سنة 1986، باغتيال العلامة الدكتور الشَّيخ صُبحي الصَّالِح، لحظة وصوله إلى مقر جمعيِّة لتعليم الأولاَّد، في منطقة “ساقية الجنزير” من مدينة بيروت، كان يشرف عليها.
انتقل “صبحي بن ابراهيم الصَّالِح”، بيد الغدر، شهيداً إلى رحمة ربّه؛ ونقلَ جثمانه، إلى مرقده الأخير، مضرَّجاً بدماء شهادته، ومتوَّجاً بالعلم والمعرفة والثقافة، على أَكُفِّ البذل والعطاء وسماحة الدِّين ورحابة الإنسانيَّة.
أحدث خبر اغتياله، البربري والمفجع، حالاُ من الحزن الشَّعبيِّ والرسمي الأكاديمي والثقافي الشَّامل؛ الأمر الذي اضطر أهل الفئات المتقاتلة، فيما بينها، والغارقة، جميعها، في دماء أبناء الوطن، إلى أن تتوقَّف، يوم انتقال جثمان “العالِم الشَّهيد”، من “بيروت” إلى بلدته “الميناء”، عن أي اقتتال؛ فوقفوا جميعهم منكسي الرؤوس عند جوانب الطُّرق التي عبرها موكب الجثمان!