أدب وفن

قَصَصُ الطفلِ السرياني ( مجموعة بحار زرقاء وأعماق ملونة / مريم نزار الديراني ) نموذجا الشكل والمضمون

قَصَصُ الطفلِ السرياني
( مجموعة بحار زرقاء وأعماق ملونة / مريم نزار الديراني ) نموذجا
الشكل والمضمون


د. سومة أحمد محمد خالد
جامعة الأزهر – مصر


مقدمة
يُعَدُّ أدبُ الطفل قديمًا قِدَمِ قدرة الإنسان على التعبير، حديث حداثة القصة، ففي البداية اتخذ شكل حكايات تروى شفاهة بواسطة الأم أو الجدة، وهو في الوقت ذاته يُعِدُّه البعض أدب الحاضر المستقبل، وتكمن أهمية أدب الطفل إلى أن القيم والأخلاقيات والعادات التي يكتسبها في سنوات عمره الأولى من الصعب تغييرها فيما بعد.
برز أدب الطفل في الأجناس الأدبية التي استحدثها السريان في الوقت المعاصر، فكتبوا فيها سواء بالنثر أم بالشعر بهدف إثراء اللغة السريانية التي ظلت إلى وقت كبير في الأديرة والمدراس السريانية لغة غير محكية للعامة، فألفوا بلهجة السورث لزيادة الحصيلة اللغوية للأطفال آملين أن يتعلمها الصغار وتصير لغة حديث تشمل جميع نواحي الحياة الأدبية والعلمية والاجتماعية.
موضوع البحث: يتطرق هذا البحث إلى مجموعة من القصص السرياني التي كُتبت خصيصًا للأطفال ودراستها من حيث الشكل والمضمون، وقد اختارت الباحثة مجموعة من قصص الأطفال للكاتبة مريم نزار بعنوان بحار زرقاء وأعماق ملونة، لتقديمها إلى القارىء العربي من خلال ترجمتها مع الدراسة من ناحية الشكل والمضمون.
أهمية الدراسة: تكمن أهمية هذا البحث في تقديم عمل بلغة السورث وهي لهجة سريانية حديثة، لم تحظَ بالكثير من الدراسة، بالإضافة إلى إبراز نوع جديد من الأجناس الأدبية، وإضفاء كتاب من القصص للمكتبة العربية.
الدراسات السابقة: لم يتناول أحد من قبل في السريانية هذه المجموعة القصصية بالبحث أو الدراسة.
أسباب اختيار الموضوع:
دراسة القصص دراسة فنية.
تعريف القارىء العربي على كلمات وتعابير اللهجة السريانية الحديثة من خلال عمل أدبي.
التعرف على جنس أدبي حديث للهجة السريانية الحديثة.
المنهج والإجراءات: اتبعت الباحثة المنهج الوصفي التحليلي في دراسة هذا العمل على نحو: تمهيد، وقصص الطفل من حيث الشكل، والمضمون، والتشبيهات البلاغية، والحوار، والبيئة الزمانية والمكانية، والترجمة، فالخاتمة، والمصادر والمراجع. والله ولي التوفيق،
تمهيد
إن أدب الأطفال قديمٌ منذ الأزمنة السحيقة، ولكنه لم يحظ بالتدوين، إذ كانت ترويه الأمهات شفاهة بهدف التسلية للأبناء والترفيه والعظة، وإن سُجلت بعضًا من أدب الحكمة أدبًا للنشء يهدف إلى تهذيب الأطفال وتأديبهم في سن المراهقة ومرحلة الشباب، وقد ظهر في هذا المجال تعاليم أمنموبي في مصر لغرس القيم والأخلاق وقصص كليلة ودمنة في الهند التي كان يحكيها الوزير لتعليم أبناء الملك( )، وقد شاع أدب الحكمة في الشرق الأدنى القديم، وكان يبدأ بكلمة “يا بُنَي”، وفيه يسعى الأب أو الكاتب أن ينمي السلوك القويم في نفوس أبنائه، وظل أدب الأطفال غير مستقل، إذ يمكن أن يكون مع أدب الخرافة أو أدب الحكمة أو الملاحم أو يتضمن حكايات في القصص الكبرى، مثل: حكايات ألف ليلة وليلة، أو مع بعض القصص الديني الذي يهدف إلى العظة الأخلاقية حتى ترقي النفس البشرية منذ الطفولة، ولم يأخذ قصص الطفل طريقه إلى الاستقلالية سوى في العصر الحديث متأثرًا بحكايات وقصص ألف ليلة وليلة وكليلة ودمنة…إلخ، في الغرب.
ويُعد تشارلز بيرو Charles Perrualt الشاعر الفرنسي أول من كتب مجموعة قصصية للأطفال أطلق عليها حكايات الأم الأوزة Tales of Mother Goose، فهو رائد هذا الحقل وذلك في القرن السابع عشر الميلادي، وقد أثرت تجربته تلك في ألمانيا وانجلترا( ).
وعلى صعيد الأدب السرياني تبرز خلفيات أدب الأطفال بشكل كبير في قصة أحيقار، وفيها يقوم أحيقار بتأديب ابنه بعدة نصائح، كما تظهر في القصص والحكايات الدينية، وفي قصص الرهبان التي يَقُصُّوها على الأطفال لتهذيبهم وتعليمهم القيم الدينية.
أما في العصر الحديث فقد كتب عدد من الأدباء باللغة السريانية الحديثة (السورث) القصة والشعر متأثرين بالأدب الغربي، ومنهم لالا تمرز، وعادل دنو، وبنيامين حداد، ومريم نزار، وعليه يمكن تحديد مراحل أدب الأطفال عند السريان، كالتالي:
المرحلة الأولى: وهى القديمة قدم البشرية، وهي ما كانت ترويه الأم لأطفالها الصغار شفاهة بدون تدوين.
المرحلة الثانية: وهي ما كتب من أدب الحكمة والأمثال لتهذيب النشء وتعليمهم، كما في قصة أحيقار.
المرحلة الثالثة: وهي ما بعد انتشار المسيحية واتخاذ بعض القصص الواردة في الكتاب المقدس لتعليم الأطفال الأخلاقيات والسلوكيات الحميدة، وقد ارتبط معها قصص كان يكتبها الرهبان للعظة الأخلاقية وتعليم الأطفال القيم الدينية، وذلك باللغة السريانية الكلاسيكية.
المرحلة الرابعة: هي الفترة الحديثة، فبعد السُّبات والانحسار الذي أضحت فيه السريانية لعدة قرون نهضت في القرن التاسع عشر وبدأت محاولات للتأليف والكتابة باللغة السريانية الحديثة (السورث) التي هي مزيج من السريانية الكلاسيكية والعربية والتركية، محاكاة للحقول الأدبية المختلفة التي انتشرت وظهرت في العالم، وبما حدث من طفرة لأدب الطفل الذي نحن بصدده وأصبح قائمًا بذاته دون تداخل مع آداب أخرى، وقد بدأت المحاولات الأولى لهذا الأدب شعرًا ثم كتابة بعض القصص أو ترجمتها مثلما احتوت قصص لالا تمرز على قصة روسية مترجمة( )، وبعض كتابات عادل دنو وبنيامين؛ بجانب المجموعة القصصية التي هي موضوع البحث، وهي محاولات جادة مشكورة تمثل إرهاصات لهذا الأدب.
سيرة الكاتبة الذاتية
الكاتبة هي “مريم نزار حنا الديراني”، وهي ابنة الكاتب السرياني الأستاذ نزار حنا الديراني الذي ألّف العديد من المؤلفات السريانية.
والكاتبة من مواليد 25/2 / 2002م في بغداد، وقد ذهبت في طفولتها إلى شمال العراق بسبب الظروف السياسية، وهناك درست الابتدائية والمتوسطة، حيث كانت المدرسة تُدَرِّسُ السريانية والعربية والكردية والإنجليزية.
بدأت مريم تكتب القصص بالسريانية والعربية منذ كان عمرها (11) سنة، باللغة السريانية الحديثة.
وقد هاجرت الى لبنان – بيروت في 2016م، ولم تستطع إكمال دراستها، لكنها كانت تقرأ عشرات المجاميع القصصية التي كانت تصدر في بيروت، وقد نشرت العديد من قصصها السريانية والعربية في الصحف والمجلات التي كانت تصدر في استراليا والسويد والعراق. ترجمت العديد من القصص من العربية إلى السريانية ومن السريانية الى العربية، هاجرت إلى استراليا في شهر كانون الأول 2019م.
تحليل القصص
الشكل
عنوان المجموعة القصصية “موضوع البحث” الذي نحن بصدده هو “بحار زرقاء وأعماق ملونة “يمةا زإقا عومقًا بيةير جونًا”، راجَعَتْها وقدمتها القاصة د. درية فرحات، وهي من منشورات المركز الثقافي السرياني لسنة 2019م، وتقع في 79 صفحة.
تصميم الغلاف:

صَمَّم هذا الغلاف آشور نزار حنا، نستشف منه، أنه يتفق مع عنوان القصص من لون أزرق بدرجات مختلفة مع تصوير عمقه ببعض النباتات والطحالب، ويناسب الغلاف الفئات العمرية للأطفال الكبيرة وليس الأطفال في المرحلة العمرية الصغيرة (مرحلة الطفولة المبكرة)، حيث لا يحتوي على ألوان مبهجة أو أشكال تجذب الأطفال في هذه المرحلة العمرية، مثل وجود أسماك ملونة لا سيما أن بعض القصص تدور حول أسماكِ أو تلوين النباتات المتواجدة على صفحة الغلاف بالفعل، واقتصر الغلاف على درجات اللون الأزرق الذي يوحي بالطمأنينة والاسترخاء والراحة النفسية.
محتوي القصص.
بدأ الكتاب بمقدمة بقلم حبيب أفرام رئيس الرابطة السريانية في لبنان، تتضمن حديثًا عن الكاتبة مريم بعنوان “مريم المقاومة”، يَرْوِي فيها كيف هاجرت مريم من بلدها بغداد إلى لبنان، حيث نشطت في الثقافة، ويصفها بالمناضلة المقاومة، وأنها تمثل جيلاً لا يستسلم يهتم بقوميته وهويته.
يليه شكر وتقدير ثم الفِهْرِس، يتضح منه أنه يتضمن قِصَصًا بالعربية: عددها (33) قِصَّة، بالإضافة إلى تسع قصص بالسريانية. أما القصَصُ العرَبُّي فهو من ص 9 : ص 59، وتبدأ القصص السرياني من ص 62 : 79. ثم تقديم من ا.د. درية فرحات، التي تحدثت فيه عن الكاتبة وأنها كاتبة واعدة، صقلتها التجارب التي عاشتها فامتلئت قصصها بقيم تسودها المحبة والعطف والتسامح بنظرة بريئة، لتستهل بعد ذلك أولى القِصَصِ العربية.
لم تتضمن القصص أية صور في داخل الكتاب، مما أفقد القصص بعضًا من المتعة، وبخاصة القصص السريانية الموجهة إلى السن الصغير.
تتميز هذه القصص بتناول موقف معين في حدود صفحتين، لذا لم تتناول القصة الواحدة أحداثًا كثيرة، ودارت القصص في أكثر من مكان، مع شخصيات متنوعة، كما سيرد ذكره.
استعملت الكاتبة الخط النسطوري “الشرقي” في الكتابة، وذلك بلهجة “السورث”.
المضمون
عتبات النص
ارتبط عنوان القصص: “بحار زرقاء وأعماق ملونة” بعنوان القصة العربية الأولى في مجموعة القصص، وهي تتناول سردًا ذاتيًا للكاتبة بحلم يدعو إلى التفاؤل بعيدًا عن الواقع المظلم، فتعد من خواطر الكاتبة وأمنياتها وما تحمله من قيم تريد تحقيقها وزرعها في النفوس، وهذا العنوان مبتكر، وغير تقليدي وقد امتاز بالاختصار؛ فقد أعطت الكاتبة العنوان بناء على القصة الأولى العربية ذات الجمهور الكبير، حيث ارتبط العنوان ارتباطًا وثيقًا بما ترغبه الكاتبة في زرعه في نفوس الأطفال من غرس للقيم والأخلاقيات، ويحتوي العنوان على اللون “الأزرق” وهو من الألوان المبهجة الهادئة التي تريح النفس فهو لون البحر الذي يصفي الذهن ويريح الروح والعقل، والذي يدعو إلى الاتساع والعمق، ومما ساعد على ابراز هذا الاتساع والعمق باقي العنوان: “أعماق ملونة” الذي يدعو إلى البهجة أيضًا، بحثًا عن الأمل، وربما يرجع ذلك إلى حلم الكاتبة ورغبتها في زرع الأمل والتفاؤل في نفوس القرَّاء.
نلاحظ على صعيد القصص السرياني أن أولى القصص السريانية هي قصة بعنوان: “الخلود”، وهي مستوحاة من ملحمة قديمة من أدب بلاد الرافدين، وهي ملحمة جلجامش( )، فأتت “بجلجامش” الحالم بالخلود في الزمن القديم، ليعود ويحلم في الزمن الحالي يحمل نفس الحلم وهو حلم الخلود( )، لتمجيد اللغة السريانية، وتخبر القاصة من خلال “جلجامش” أن اللغة السريانية هي المعني الحقيقي للخلود، وذلك على لسان البطل الأسطوري “جلجامش”، وهو ما يعكس فكرة القومية، لأن اللغة هي التي تخلد الإنسان وتمثل هُوِيته، وقد وفقت الكاتبة في هذا الربط، وذلك لارتباط اسم البطل جلجامش على المستوى الأدبي والفكري بالخلود.
والقصة الثانية بعنوان “النملة والفيل والديك الحكيم”، وهو عنوان يتفق مع طبيعة كل حيوان وأحداث القصة، فقد وصفت الكاتبة الديك بالحكيم للدور الذي قام به وما جرى على لسانه، من حل للجدال بين النملة والفيل بمنطق وتعقل حكيم، وأظهرت ما تمثله النملة من صغر، والفيل من الضخامة في داخل العمل الأدبي، فلم تَهَبْ لهما وصفًا في العنوان، وقد اتضحت هذه الصفات في القصة، فكان العنوان موفقًا لدرجة كبيرة، ظهر ذلك من خلال سرد الحكاية، أجادت الكاتبة في هذا العنوان من حيث الإسقاطات الظاهرية التي تناسب فكر الأطفال والكبار وتوظيفها في حبكة العمل.
تميز عنوان القصة الثالثة “بابا واللغة والهُوِيَّة” بالقِصَر والكلمات القليلة التي يسهل على الطفل ترديدها وحفظها، وهي ترتبط بالمضمون، فاللغة والهُوِية تجعلهما الكاتبة شيئًا ملتصقًا لا ينفصلان، وهو ما تحاول الكاتبة بثه في النفوس، فشاب العنوان كثيرًا من التوفيق، كما يحمل العنوان كثيرًا من الإسقاط على الكاتبة نفسها، فكلمة “بابا”، تعني به أبوها الكاتب المعروف الأستاذ نزار حنا الديراني، وهي رسالة تعبير وحب لأبيها، فقد كانت تختبأ خلف هذا العنوان الذي نجحت في صياغته، لتجعل من نفسها وأبيها رمزًا لكل ابنة محبة لأبيها، وأبوها رمزًا للأب المثقف المحب لابنته.
أما القصة الرابعة فهي بعنوان: “الانتصار”، وتميز هذا العنوان بأنه من كلمة واحدة مميزة، يسعى إليه الجميع، وهو ما يتمناه كل إنسان في الحياة، وقد عرضته في القصة بشكل سلس، لِتُنَفِّر الطفل من الغرور، وهي صفة مذمومة يمكن أن تحيل الانتصار إلى سقوط، لذلك فإن الانتصار والنجاح يحتاج إلى عمل وجهد دائبين دون تعالي أو خيلاء.
وجاءت القصة الخامسة بعنوان: “الأمانة”، والعنوان يُنبيء عن نفسه، فهو قيمة كبيرة حاولت أن تزرعها الكاتبة في نفوس قارئيها، من خلال أمانة الأسماك الذين وجدوا كيسًا به طعام، فبحثوا عن صاحبه حتى وجدوه، وكوفئوا نتيجة ذلك بجزاء كبير، وقد اتحد العنوان مع الأحداث بشكل مترابط.
وفي عنوان القصة السادسة: “الابن في الضيق” يحمل في طياته حبكة القصة، وكيف أن الابن الصغير حمل مسئولية لم يتحملها إخوته الأكبر منه، وكيفية مساعدته لأبيه، لنصل إلى مغزى القِصَّة بأن الابن ليس بعمره بل بكيفية عمله في وقت الضيق والشدة، فأجادت الكاتبة في هذا العنوان.
بينما في القصة السابعة “الأسد الصغير” إسقاط ليتعلم الصغير وجوب الاستماع إلى الكبير، لا سيما الأب، ومن هنا أتي التوفيق للكاتبة في العنوان حيث إن كلمة “الصغير” التي أضافتها إلى الأسد أعطت مثالًا للمستمع أو القارىء بنموذج رمزت إليه بأقوى الحيوانات في الغابة “الأسد”، وهو من الرموز المحببة للأطفال، إذ جعلت الحيوان القوي الصغير بطل القصة لتسقط عليه الهدف من قصتها، بأنه مهما بلغ الصغير من قوة ومعرفة فلن تكون مثل معرفة الكبير، لا سيما الأب، فإذا كان الناصح هو الأب فهو عالم بالأمر أكثر من الابن الصغير الذي تُعَدُّ تجاربه ومعارفه أقل بكثير من أبيه، وحرصه عليه يفوق تخيلات الابن.
يحمل عنوان القصة الثامنة “ريتا وصديقتها” اسم فتاة وهي بطلة القصة، وريتا اسم غير عربي يتناغم مع اللغة السريانية، وهو يعبر عن موضوع القصة وهدفها ويحمل العنوان ضدين “فريتا” رمز الخير، وصديقتها هي الوجه الآخر له، والعنوان يتضمن بعض الغموض عن علاقتهما، فهل تم فهمه أم أنهما متماثلان لرمز واحد هو الخير وتحمل القصة الإجابة بأنه رغم انحراف الصديقة عن السلوك القويم لكن الخير المتمثل في ريتا استطاع أن يعيد سلوك الصديقة غير القويم إلى صفائه ليمتلىء بالخير.
وفي قصة “الثعلب ومكره”، عبّر هذا العنوان عن نفسه بنفسه، فالثعلب هو رمز المُكْر في الآداب المختلفة وعند سماع لفظ الثعلب، سيترك انطباعًا للسامع أو القارىء بأن الحكاية ستكون في إطار الدهاء. وقد أكدت الكاتبة على هذا الرمز بتكملة العنوان بلفظ “مُكْرِه”، لذا اتضح موضوع هذه القصة وما يدور حولها من العنوان، وبعد قراءة القصة يتأكد هذا العنوان والانطباع لدى القارىء، وقد اعترى العنوان التوفيق وتميز بالسهولة واليسر مع ارتباطه بالحبكة.
ننتقل بعدها إلى قصة “كيف نصل إلى هدفنا؟” وهو سؤال يجعل من يسمعه ينتبه إليه، إذ يتبادر هذا السؤال إلى الذهن لدى كل إنسان في مراحل عمره المختلفة لا سيما في مقتبل العمر، وهي محاولة جيدة من الكاتبة لجعل النشء يعرف أنه يجب أن يكون لديه هدف أيًا كان، حيث يدور حول الوسيلة للوصول إلى هدف الانتصار والنجاح، وكانت الإجابة في سلاسة إنه بعد الفشل يأتي النجاح، وبعد المثابرة تفوز بالهدف، فلا مجال للإحباط أو اليأس، لأن الإصرار يولد النجاح ويصلك إلى الهدف، وقد جمع هذا العنوان بين التشويق والسهولة.
نهاية القول: لم تخرج كاتبة القصص من معايير قصص الأطفال من حيث مضمونها وأفكارها، فهي ذات أفكار إيجابية عن الحق والخير ومساعدة الآخرين، وسماع نصائح الأب والأم، وحبكة الحدث غير معقدة، فمن المعلوم أن قصص الطفل تهدف إلى غرس القيم والأخلاق الحميدة في نفوس الأطفال، وتشكيل هوية الطفل العقائدية والقومية والثقافية، وتنمية مهاراته اللغوية، وتوظيف ما اكتسبه من كلمات وعبارات في مواقف مختلفة( ).
الاستهلال.
استهلت الكاتبة قصصها باللغة العربية أولاً يليه القصص السرياني، وذلك بعد المقدمة والتقديم كما سبق الذكر.
وقد اختارت الكاتبة بعضًا من هذه القصص العربية، وقامت بترجمتها إلى السريانية في ذات المجموعة القصصية “موضع الدراسة”، وهي قصة: “الخلود”، وقصة: “النملة والفيل والديك الحكيم”، وقصة: “كيف نصل إلى هدفنا؟”، وقصة: “بابا واللغة والهوية”، أي أنها موجودة بالعربية وبالسريانية في ذات العمل.
بدأت الكاتبة أولى قصصها وكانت بالعربية، وهي قصة: “بحار زرقاء وأعماق ملونة” وهي وضعت على عنوان الكتاب، وتعد خواطر عاشتها الكاتبة وتجارب مرت بها، فهي تحاول نسيانها لتعيش حلمها المتفائل بغد أفضل، وتذوق طعم السعادة الملونة، وقد عبرت فيها عن مكنونات نفسها الحالمة والأفكار التي تريد أن تغرسها في نفوس قارئيها خلال القصص، ثم سردت باقي القصص العربية، لتبدأ بعدها بالقصص السرياني.
الأحداث:
نظرًا لقِصَر القصص المتناولة في هذا العمل، فإن القصة لا تتجاوز صفحتين، وتدور القصة حول حدث واحد لكل منها يدور في فلك الهدف أو مغزاه، وهي أهداف مباشرة صريحة تناسب المتلقي وهو الطفل، وذلك نحو:
هناك قصص تدور حول فكرة ليست حدثًا مثل قصة مةوميوةا “الخلود”، وهي فكرة أن اللغة هي الخلود؛ لأنها هي الهوية للشعوب، تدور دون أحداث استوحتها من ملحمة “جلجامش”( ) الباحث عن الخلود، حيث تعبر الكاتبة برقة عن جلجامش الذي عاد بعد آلاف السنين في أثناء بحثه عن الخلود الروحي ليعود أقوي، إذ عرف وفهم أن الخلود يتمثل في اللغة، وهي الهوية، فهي محاولة من الكاتبة لتزرع حب اللغة السريانية في نفوس الأطفال بأن اللغة تمثل لهم الكثير من خلال هذا البطل القومي وتربطهم بجذورهم العميقة باستدعاء هذا البطل.
وأيضًا قصة وايك مطني لحشن “كيف نصل إلى هدفنا؟” وهي عبارة عن إجابة عن السؤال الذي طرحته في عنوان القصة، وذلك حول شخصية لم تضع لها اسمًا أو توصيفًا، لترمز به إلى الإنسان بشكل عام، فهو يحاول فك قيوده بنفسه دون معرفة ماهية هذه القيود هل هي قيود أسر أم قيود فكرية أم اجتماعية، ولكنه ينجح في التحرر منها بيديه ليحول الفشل إلى نجاح ليصل إلى مبتغاه، دون النظر إلى محاولات من يحاولون احباطه، وذلك باتخاذ قرارات قوية صائبة، لتحفز الطفل على عدم التردد في اتخاذ القرار.
أما في قصة ܒܒܐ ܘܠܫܢܐ ܘܐܝܬܘܬܐ “بابا واللغة والهوية”، فهي تدور عن كيفية حب الأب لابنته، وكيف أنه أحببها في اللغة السريانية، وهنا جعلت الكاتبة للمرة الثانية اللغة والهوية متلازمتان، وإنها تنبع من حب الابنة لأبيها، وجعل حب الابنة للغة هي الأمل لجعل اللغة حية.
وترى الباحثة إن هذه القِصَّة تعكس حب الكاتبة لأبيها الأستاذ نزار حنا الذي يؤلف ويبحث في اللغة السريانية، فهي رسالة حُبَّ وتقدير من ابنة إلى أبيها، فالفتاة هي الكاتبة، والأب هو أبوها الحقيقي.
على صعيد آخر توجد قِصَصْ ذات الحدث أو الموقف الواحد، مثل: ܫܟܘܢܬܐ ܘܦܝܠܐ ܘܕܝܟܐ ܚܟܝܡܐ النملة والفيل والديك الحكيم، وقد طرحت الكاتبة فكرة: أنَ اللهَ يَهَبُ لكل كائن ما يناسبه، وقد بدأ الحدث حين دخل الفيل إلى الغابة، فلم ينتبه إلى النملة وكان سيدوس عليها لولا أن النملة هربت، وبدأ التصاعد في الحدث عندما عاتبته النملة بنبرة حادة، ودار صراع كلامي بينهما حول أهمية كل جسد منهما، إذ يرى الفيل أن جسمه الضخم يحمل أثقالًا مضاعفة على حين نجد أن النملة ترى أنه بلا فائدة، وقد قامت الكاتبة بحل هذا النقاش بقدوم الديك الذي أنهى الحوار بأن الله يهب كل كائن ما يناسبه فلم يخلق شيئًا بلا فائدة، فالفيل جسده ضخمًا ليخاف منه الناس ويأكل ما يريد، والنملة صغيرة كي لا يراها أعدائها ولا تُشبع ذوي الأجساد الضخمة، فاقتنعا بذلك وصارا الفيل والنملة أخوة يحترم كل منهما الآخر.
وفي قِصَّة: ܙܟܼܘܬܐ “الانتصار” تعرض فيه صفة بغيضة غير محببة، وهي الغرور لتنفر الأطفال منها من خلال معلم مغتر بنفسه مما يفقده حب الآخرين له، ويصحح له هذا المفهوم صديق له، عندما يضرب له مثلاً بتلميذ اغتر بنفسه لجماله وتفوقه، فلم يتدارس دروسه ويقرأها، فكانت النتيجة فشل في الاختبارات، فتعلم أن الغرور من الحماقة وصار متواضعًا، وعاد للتعليم وطلب الغفران من الجميع، وختمت الكاتبة الحدث بأن الانتصار على الغرور والتعالي يكون أحيانًا السبيل إلى النجاح.
أما قِصَّة: ܐܡܝܢܘܬܐ”الأمانة” فقد استهلت الكاتبة الحدث مباشرة من خلال الأسماك الذين وَجَدُوا كيسًا فبحثوا عن صاحبه حتى وجدوه، فكافأهم بنصفه.
وفي قصة: برونا جو عوقنا “الابن في الضيق” فتدور حول أب شيخ، له خمس أبناء حاول اختبارهم حين دعاهم إلى الذهاب إلى النهر وتعرض للغرق، فتركه الأبناء الكبار خشية أن يغرقوا معه رغم مناشدة الابن الصغير لهم لمساعدته لكبر سنه، فقالوا له أن يساعده هو، وتركوه برفقة أبيه، وبالفعل حاول الابن الصغير مساعدة أبيه حينها عرف الأب أن الابن الصغير هو الأكثر طيبة، واعلمه بأن هذا كان اختبارًا للأبناء ليعرف مدى حبهم، فقال الابن: إن الصدق والحب يُرى وقت الضيق.
استهلت الكاتبة قِصَّة: ܐܪܝܐ ܙܥܘܪܐ “الأسد الصغير” حول الشبل الذي لم يسمع نصيحة أبيه بعدم الذهاب إلى الغابة لكي لا يقع في شباك الصيادين، وانتقلت إلى الحدث بأنه ذهب مع أصحابه بدون أذن أبيه فوقع في شباك الصيادين هو وأصحابه، حينها عرف أن أباه يعرف أكثر منه، وليس بسبب أنه لا يريد أن يذهب مع أصحابه، وندم على ذلك، وأتى الحل عندما علم الشبل أن أباه استطاع أن يحرره من أيدي الصيادين وطلب الأب منه أن لا يكرر فِعلته، وعرف الشبل خطأه.
تَطْرَحُ هذه القصة عدة أسئلة لم تجب عنها الكاتبة مثل: ماهية معرفة الأب أن الصيادين اصطادوا ابنه، وعن كيفية إنقاذه لابنه، أو كيف وقوع الشبل في الفخ؟.
بدأت قِصَّة: ܪܝܬܐ ܘܚܒܪܝܵܬܗܿ “ريتا وصديقتها” الفتاة ريتا الماهرة في المدرسة والبيت، كانت تريد صديقتها أن تكون أفضل منهم، وكان الحدث بأن حاولت الصديقة أن تنصب لريتا فخًا، فحدثتها ريتا في غضب عن سبب ذلك؛ فقالت لأن التلاميذ يحبونها أكثر منها، فقالت لها ريتا: إن لكل إنسان ميزة تميزه عن غيره، فهي لها صفات إيجابية من مساعدة أمها والمساكين ونصحتها بالقراءة لزيادة حصيلتها المعرفية، وصارا صديقتان بعد هذا الحديث، وهي دعوة لعدم التباغض والحسد، لأن لكل منا ما يميزه.
وعلى صعيد آخر لم تكشف الكاتبة عن طبيعة الفخ الذي نصبته الصديقة لريتا، وكيف تصرفت ريتا تجاهها ولماذا فشلت في إضحاك التلاميذ عليها، فجاء الحدث غير واضح، وغير مكتمل.
وفي قصة: ܬܥܠܐ ܘܬܥܠܘܬܗ “الثعلب ومكره” بأنه ذات يوم من أيام الربيع احتال ثعلب ليوقع ببعض الفراخ بمكره، فجعلت الكاتبة الحدث ليتمكن من ذلك تنكره في زي بهلوان ليُضحك الأطفال الصغار، ورغم تحذير آباء الصغار بعدم فتح باب الحظيرة للثعلب، لكن الثعلب ينجح في خداعهم ففتحوا باب الحظيرة له فيخطف أحد الكتاكيت ويهرب، ويقررون أن يقولوا الصدق لآبائهم فيصفحون عنه مع وعد بألا يفتحوا لأحد حتى لا يقعوا في ذلك الأمر ثانية.
وقد بعثت هذه القصة أكثر منها رسالة أولها وجوب سماع كلام الآباء، الآخر الحذر من الغرباء وأن أظهروا مظهرًا طيبًا ومضحكًا، والأهم هو قول الصدق مهما كانت العواقب.
الحبكة.
لا يمكن للطفل متابعة أكثر من عقدة في القِصَّة الواحدة( )، فقد جاءت القصص بفكرة واحدة مباشرة، لم تتوالَ الأحداث فيها، وهو ما يناسب ُكتابته للطفل، ولأن القصة لم تتجاوز الصفحتين فكانت تأتي بحدث واحد بشكل مبسط يناسب فكر الطفل.
اللغة:
إن اللغة السريانية لا يعلمها كثير من الأطفال، إذ إنه من المعروف أن اللغة السريانية الكلاسيكية قد انحسرت في دور العبادة على شكل ضيق، كان ذلك في القرن ال14م، ثم نشط السريان في محاولة لإحيائها في القرن ال19، ونشأت لهجة جديدة هي عبارة عن خليط من السريانية والعربية والكردية… يتعلمها الأطفال في المدراس بجانب العربية، كما تعلمت الكاتبة، وهنا تميزت الكاتبة، بما يلي:
إن الكاتبة لم تكثر من استعمال الأسماء، فالأشخاص إما رموزًا، أو أسماء حيوانات في الغالب، وأما الأسماء الواردة، فهي: “ريتا” وهو اسم فتاة ذو رتم يتناغم مع اللغة السريانية، ويتميز بالبساطة والسهولة لقلة حروفه وتناغمه مع الجرس الموسيقي للسريانية، ولذلك جعلته عنوانًا للقصة.
والاسم الآخر مستوحي من التراث السحيق، وهو اسم “جلجامش”، فالاسم له أثره وتأثيره الفكري والرمزي، وقد ربطت بين المعنى الرمزي للاسم ومغزى القصة، ولم يُذكر اسم آخر في القصص.
وقد كتبت القصص باللهجة السريانية الحديثة “السورث”( )، والتي تحتوي على العديد من الكلمات العربية مثل ܥܕ “عاد”، ܕܝܟܐ “الديك”، ܓܪܒ”جرّب”.
ومما يُحسب للكاتبة، استعمالها لألفاظ بسيطة بلغة سلسة، مما يوسع مدارك الأطفال وينمي لغتهم، وعلى جانب آخر كانت توجد كلمات لا يعرفها الأطفال، وقد حرصت الكاتبة على تزويد حصيلتهم اللغوية، مثل: كلمة ܫܟܘܢܬܐ “النملة”، أو ܡܬܘܡܝܘܬܐ “الخلود”، ܓܪܓܡܢܐ “جَهْوَرِيّ”، ܡܘܢܫܝܐ “يفنى”…إلخ.كما أرادت الكاتبة زيادة معرفتهم أو ربطهم بجذورهم، وذلك بذكر اسم جلجامش وما يمثله من رمز كما سيرد ذكره.
الشخصيات في القصص:
من أهم عناصر القصة -الشخصيات – التي تعتمد عليها وقد تنوعت الشخصيات بين شخصية حقيقية إنسانية أو رمزية من عالم الحيوان، وذلك على النحو التالي:
استعملت الكاتبة أشخاصًا من زمن سحيق، حيث ظهرت لنا أول شخصيات في الكتاب وهي شخصية “جلجامش” لتربط الطفل بماضيه البعيد، فهو لا يعرفه، وربما لا يعرفه الكثير من البالغين، وذلك لاكتشاف ملحمة “جلجامش” في القرن ال19م تحديدًا في عام 1872م( )، وقد بدأت الكاتبة بهذه الشخصية المرتبطة بفكرة الخلود، وهي القضية التي تشغل بال الإنسان منذ القدم وإلى الآن، وقد وفقت الكاتبة في تقديم هذه الشخصية مع المضمون.
النملة: هي واحدة من الحيوانات المعروفة لدى الطفل والبالغ، ومتواجدة دائمًا أمامهم، حيث يرونها في الشارع وربما في المنزل أو في المدرسة، لذا فهي معروفة بما تتميز به من صغر الحجم والضعف، فكانت أهلًا للدور الذي قامت به، وهي من الشخصيات الرئيسة في القصة.
الفيل: تمتاز هذه الشخصية بجانب معرفة الجميع بها إلى أنها من الكائنات المحببة لدى الأطفال، فمن الممكن أن يكونوا قد رأينه حقيقة في حديقة الحيوان أو شاهدوه من خلال التلفاز أو القراءات من الكتب، فهو من الشخصيات التي يصبو إليها الطفال وتمتلأ حكايات الأطفال به، وذلك لوداعته، وقد استعملته الكاتبة لما ينم حجمه من الضخامة، فسبب ذلك آذى حيوان صغير دون أن يدرك رغم وداعته، وقد وفقت الكاتبة في اختيارها ذلك.
الديك الحكيم: هو من الطيور المتعارف عليها لدى جميع الأطفال، وأنه يُؤَذِّنُ في الصباح معلنًا بداية يوم جديد، وقد عبرت به الكاتبة ليكون رمزًا للحكمة، يحل الخلاف الناشىء بين النملة والفيل، ويُلاحظ أن الديك أقل من الفيل وأكبر من النملة فهو وسط بينهما، كأن الكاتبة تريد تقول إن الاعتدال يكون مهمًا للحكم على الأمور.
الأب: ظهر الأب في أكثر من قصة، منها قصة: بابا واللغة والهُوِيَّة، ففي هذه القصة يعبر الأب عن حبه لابنته، وكيف يَبْنِي شخصيتها، وكيف احتواها، وحبّب إليها اللغة السريانية.
وفي قصة الابن في الضيق ، يبحث الأب عن مدى حُبِّ أبنائه له الذي اكتشفه في ابنه الصغير، من خلال اختبار قام به لأبنائه لينجح الابن الصغير فيه.
أما في قصة الأسد الصغير، فإنه يمثل الأب الذي ينصح ابنه الصغير، حيث إنه لا يستمع لنصيحة أبيه فيشرف على الهلاك لعدم طاعته لوالده، وبمجرد معرفة الأب بما حدث له فإنه يسرع في إنقاذه دفاعًا عنه.
من الملاحظ أن الكاتبة قد أعطت صورة مشرقة للأب بأنه هو السند، وحائط الصد، وملاذ الابن، ليوضح للأطفال الصورة الإيجابية له، فهو مُحِبُّ لابنائه ويحاول حمايتهم، ليس لأنه لا يريد أن يحقق رغباتهم، ولكن لحمايتهم مما لا يعرفونه في هذا العالم، خوفًا عليهم من الوقوع في المخاطر.
الابنة: وهي الفتاة المُحِبَّة لأبيها في قصة بابا واللغة والهُوِيَّة، وهي تُعَبِّر عن الفتاة المحبة لأبيها، لما يغمرها به من حنان وحب بمزيد لما علمها من حُبِّ السريانية.
المعلم المغرور: لم يُطْلَق عليه اسمًا، ليكون ذلك رمزًا لكل شخص مغرور، وتوضح في النهاية، أن كسب حب الآخرين وتوقيرهم هو البعد عن الغرور.
التلميذ الذي يُضرب به المثل لاكتسابه صفة غير حميدة ليلحقه الفشل، ويعود إلى التخلي عنها فينتصر على غروره وتفاخره، ويكون مثالاً يَحْتَذِي به المعلم، فيبتعد عن تعاليه.
الأسماك التي تمثل الأمانة من خلال بحثها عن صاحب الكيس الذي وجدته وإيصالها له.
الابن الصغير الذي يحب والده ويساعده رغم رفض إخوته، وتركه مع أبيه في وقت الحاجة.
الشبل أو الأسد الصغير: وهو يعبر عن بعض الصغار الذين لا يستمعون إلى نصيحة الأب فيقع في فخ الصياد هو وأصحابه ويعرف قيمة نصيحة أبيه .
ريتا؛ هي من الشخصيات المحبوبة الإيجابية التي تساعد مَنْ حولها، مما يجعل زميلتها تغير منها وتحسدها، فتحاول أن توقعها في فخ، ولكن “ريتا” بإيجابيتها تبدل هذه الغيرة إلى صداقة، والحَسَدُ إلى حُبِّ.
الصديقة التي تغير مِنْ “ريتا”، لكنها بعد حوار معها تحولت إلى صديقة لها.
الثعلب؛ وهو من الحيوانات التي تَعدُّ رمزًا للمكر، فيجسده في قصة “الثعلب ومُكرِه”، ويوضح كيفية احتياله على الكتاكيت.
الإنسان؛ الذي يَجِبُ أن يَكْسِرَ قَيْدَهُ ويُحِّولُ الفشلَ إلى نجاحٍ، هو رمز للإنسان في كل مكان وزمان.

التشبيهات البلاغية:
لشنا يلؤ ؤييوة وايةوةا ومةوميوةا، “اللغة هي الهوية والأبدية والخلود”( )، وهو تشبيه بليغ حيث جعل اللغة نظير الهُوِيَّة والأبدية والخلود، وحذف أداة التشبيه.
ܐܢܐ ܡܢ ܘܠܝܬܝܼ ܡܩܪܒܢܝ ܠܒܒܝ ܚܘܒܝܼ ܘܐܝܩܪܝܼ ، “من الواجب عَلَيَّ أن أقدم قلبي وحبي وإعزازي”( )، هي استعارة، حيث جعل القلب والحب والإعزاز شىء مادي يمكن أن يقدم دليلاً على التقدير والمحبة.
ܟܕ ܠܫܢܐ ܠܐ ܡܐܝܬ ، “أن اللغة لن تموت” ( )، تشبيه بليغ إذ شَبَّه اللغة بالكائن الحي الذي يعيش ويموت ليقصد به إحياء اللغة بعد انحسارها، وذلك بفضل تجسد ذلك في الأطفال الذين يتمثلون في ابنته.
ܡܬܙܡܝܙܬܐ ܪܘܚܝܬܐ ܘܪܢܝܝܬܐ ܪܒܐ ܦܫܝܛܬܐ ܠܗܿ ܘܝܼܠܗܿ ܩܕܡ ܥܝܢܢ، “الخلود الروحي والفكري بسيط جدًا، وهو أمام أعيننا”( )، وهو تشبيه بليغ محذوف أداة التشبيه، حيث شبه خلود الروح والفكر بشىء مادي يُرى أمام الأعين.
ܐܢܬܝ ܚܕܐ ܣܦܘܝܐ ܕܠܚܡܐ ، “أنت لقمة خبز”( )، تشبيه بليغ دلالة على استهانة الفيل بالنملة.
ܬܘܕܝܼ ܠܐܠܘܟܼ ܟܕ ܙܟܼܐܠܘܟܼ ܥܠ ܫܘܗܪܘܟ ܘܪܘܡܪܡܘܬܘܟܼ ، “شكرًا لك، لأنكِ انتصرتِ على تفاخرك وغرورك”( )، تشبيه بليغ، حيث شبه التعالى والغرور خصمًا لدودًا يمكن محاربتُه والانتصارُ عليه.
ܙܟܼܘܬܐ ܥܠ ܚܫܐ ܒܗܝܡܢܘܼܬܗ ، “انتصر على الألم بإيمانه”( )، شبه الألم بمحارب يمكن الفوز عليه، واستعارة في “بإيمانه”، حيث حذف المشبه السلاح، وصرح بالمشبه به وهو “الإيمان”.
ܒܙܝܢܐ ܕܣܝܒܪܬܐ ، “بسلاح الصبر”( )، تشبيه بليغ. إذ شَبَّه السلاح بالصَّبْر. ليدل على أن الصبر يمكن أن يحقق الهدف الذي يريده.
ܒܒܢ ܦܝܫܠܗ ܣܒܸܐ ، “أبونا صار شيخًا”( )، كناية عن الضعف والوهن.
ܢܦܠܘܢ ܒܚܫܐ ܪܒܐ، “وقع في حزن شديد”( )، شَبَّه الحُزْن بحفرة أو شَرَكٍ يسقط فيه، ليدل على ما يشعر به من سوء.
ܐܠܐ ܘܵܠܹܐ ܕܗܵܘܐܠܲܢ ܗܘܢܐ ܕܝܕܥܚ ܕܐܝܟ ܡܦܠܚܚ ܠܗ ، “لكن الأجدر أن يكون لنا عقلٌ لنعلم كيف نستعمله”( )، مجاز مرسل فالجميع لديه عقل، ولكن كيفية استعماله هي الأهم، لنعرف كيفية العمل وهي علاقة كلية، حيث لا يتمتع جميع الناس بمعرفة كيفية استعماله والعمل به.
ܘܟܕ ܝܘܬ ܚܝܐ ܒܕ ܗܘܐ ܠܫܢܢ ܚܝܐ ، “وطالما أنتِ حية سَتَكُونُ لُغَتُنا حية”( )، مجاز مرسل، علاقة جزئية، إذ إنه رمز لابنته بأنها طالما هي حية ستكون اللغة حية أيضًا، بينما هو يقصد أنه طالما أن الجيل الصغير سيحيا ويجيد اللغة السريانية فستظل اللغة السريانية في حيز الوجود.
الحوار:
استعملت الكاتبة أسلوبًا سهلاً في الحوار، يتناوب بين الحوار الذي يكون في هيئة سؤال وجواب أو لنقل معلومة أو لاظهار مشاعر الحب والود أو التأنيب.
فالحوار الذي على هيئة سؤال وجواب مثلما تسأل النملة الفيل، هو سؤال استنكاري: ܠܐ ܝܘܬ ܚܙܝܐ ܡܐ ܐܝܬ ܩܕܡ ܐܩܠܘܟܼ ؟، ألا ترىَ ما يوجد أمام قدمك؟، فيجيبها الفيل: ܠܐ ܝܐ ܫܟܘܢܬܐ ܡܪܬ ܓܘܫܡܐ ܪܒܐ ܙܥܘܪܐ ܘܕܠܐ ܝܘܬܪܢܐ. . .، لا أيتها النملة صاحبة الجسد الصغير جدًا بلا فائدة…
أو لنقل معلومة كما في الحوار الذي دار بين الأسد وابنه يخبره بوجود صيادين في الغابة: ܐܡܪܠܗ ܐܪܝܐ ܙܥܘܪܐ ܠܒܒܗ : ܒܒܝ ܐܢܐ ܠܐܙܠ̄ܢ ܠܥܒܼܐ ܕܝܠܗ ܩܘܪܒܐ ܡܢ ܒܝܬܢ ، قال شبل لأبيه: أبي انا سأذهب إلى الغابة القريبة من بيتنا… ܐܡܪܠܗ ܒܒܗ: ܠܐ ܝܐ ܒܪܘܢܝܼ ، قال له أبوه: ܠܐ ܝܐ ܒܪܘܢܝܼ ، ܠܐ ܩܪܒܬ ܨܘܒܐ ܕܥܒܐ ܕܠܐ ܨܝܕܠܘܟܼ ܨܝ̈ܕܐ ، لا تقترب جهة الغابة لكي لا يصيدك الصيادون.
أو لإظهار مشاعر الود مثل الحوار الذي دار بين الفتاة وأبيها، كالتالي: ܬܘܚܡܢ ܠܗܿ ܒܪܬܐ ܘܐܡܪܠܗܿ ܠܗ، فَكَّرَت الابنة، وقالت له: ܐܢܐ ܡܢ ܘܠܝܼܬܗ ܡܩܪܒܼܢ ܠܒܒܝܼ ܚܘܒܝܼ ܘܐܝܩܪܝܼ ، أنا من الواجب عَلَيَّ أن أقدم لأبي حبي وإعزازي.
التوبيخ جرى بين النملة والفيل، كما في: ܐܢܬ ܚܕ ܣܦܘܝܐ ܕܠܚܡܐ ܠܝܬܒܟܼܝ ܛܥܢܬܝ ، أنت لا تستطعين أن تحملي لقمة خبز.ܐܠܐ ܐܢܐ ܓܘܫܡܝ ܐܝܬܒܗ ܕܛܥܢ ܝܘܩܪܐ ܪܒܐ . . .، لكن أنا جسمي يمكن أن يحمل أثقالًا كثيرة….ܐܢܬܝ ܠܝܬܒܟܼܝ ܛܥܢܬܝ ، أنت لا تستطعين أن تحملي لقمة خبز. ܐܠܐ ܐܢܐ ܓܘܫܡܝܼ ܐܝܬܒܗ ܕܛܥܢ ܝܘܩܪܐ ܪܒܐ. . .، لكن أنا جسمي يمكن أن يحمل أثقالًا كثيرة. قالت له النملة: أنا على الرغم من أن جسدي صغير لكن أنا ماهرة في (عملي؟). ܦܝܫܠܗܘܢ ܕܪܫܐ ܒܚܡܬܐ ܘܪܘܓܙܐ ، فظلا يوبخان بعضهما في غضب وغيظ .
أو للحكمة التي تمثل الهدف في القصة، كقول الديك: ܥܕܡܐ ܕܐܬܐ ܕܝܟܐ ܚܟܝܡܐ ܘܐܡܪܠܗܘܢ ، حتى أتى ديك حكيم، وقال لهما:ܠܐ.. . . . ܠܐ ܐܡܪ ܚܕ ܠܗܘ ܐܚܪܢܐ ܝܠܗ ܓܘܫܡܗ ܆ܠܐ ܝܘܬܪܢܐ ܘܠܐ ܕܒܪܐ ܕܘܪܫܐ ܒܝܢܬܟܘܢ ܡܛܠ ܐܠܗܐ ܟܕ ܠܐ ܝܗܒܠܗ ܓܘܫܡܐ ܠܐܦ ܚܕ ܡܢܘܟܘܢ ܕܠܐ ܝܘܬܪܢܐ ، لا…لا يَقُلْ أحد للآخر: إن جسده بلا فائدة، ولا يكون ذلك الأمر معركة بينكما، لأن الله لم يهب جسدًا لأحد منا بلا فائدة.
البيئة الزمانية والمكانية:
إن للزمان والمكان تأثيرٌ في الموضوع والشخصيات والأحداث، لا سيما التي تخاطب الطفل، لذا اهتمت بهما الكاتبة، على النحو التالي:
الزمان: من الملاحظ أن معظم القصص في هذه المجموعة تدور في الزمن الحالي، والقصة التي يمتد فيها الزمن هي قصة الخلود التي استدعت فيه “جلجامش” من آلالاف السنين ليأتي إلى الزمن الحاضر كي يوضح لنا معنى الخلود الذي ارتأته الكاتبة وهو زمن لا نهائي.
وأحيانًا تستهل الكاتبة القصة بجملة تدل على الزمن بأسلوب تقليدي، كما في قصة “النملة والفيل والديك الحكيم”، وقصة “الانتصار، وقصة “الأسد الصغير”، بأن استهلت القصة بعبارة “ذات يوم”، أو بعبارة “في يوم من الأيام” كما في قصة “الأمانة”، وهي من العبارات التقليدية في حكايات الأطفال التي تَخْلُقُ له متسعٌ من الخيال في آفاقه.
وفي قِصَصٌ أخرى حددت فيها الكاتبة زمنًا معينًا كما في قصة “ريتا وصديقتها” ܓܘ ܚܕ ܝܘܡܐ ܡܢ ܝܘܡܢ̈ܐ ܕܣܬܘܐ ، “في يوم من أيام الشتاء”، وقد وُفِّقَت الكاتبة في هذا التحديد وهذا التوقيت الذي تُقام فيه الدراسة، حيث كانت المدرسة هي موقع الحدث.
وحددت أيضًا الزمن في قصة الثعلب ومُكْرِه، ܓܘ ܚܕ ܝܘܡܐ ܡܢ ܝܘܡܢ̈ܐ ܕܪܒܼܝܥܐ ، “في يوم من أيام الربيع”. وقد وُفِّقَت الكاتبة في تحديدها هذا الزمان، حيث دارت الأحداث داخل بستان يلعب فيه الأطفال، فالربيع هو من أفضل الأوقات للعب ويتناسب مع المكان، فلازمت الزمان “الربيع”، بالمكان “البستان”، مما يوحي بنمو الزرع وتفتح الأشجار، والأزهار وتنمو الورود.
وفي قِصَصٍ أُخرى لم تحدد زمنًا معينًا، إذ جعلته مفتوحًا، مثل قصة “كيف نصل إلى هدفنا؟”، فالزمان مفتوح، وهي فكرة صالحة لكل زمن، والسؤال يقابل الإنسان في كل حين، لذا أجادت الكاتبة في عدم تحديد وقت محدد.
المكان: لعب المكان دورًا مهمًا في تلك القِصَصْ حيث ذكرت الغابة أكثر من مرة، كما في قصة النملة والفيل والديك الحكيم، وقصة الأسد الصغير، فالغابة المترامية الأطراف المتسعة الحدود هي مكان لعدم الشعور بالأمان، وتَوَخِّي الحذر، حيث تمتلىء بحيوانات مفترسة ومؤذية، لا يمكن التعامل معها في كثير من الأحيان، ففي القصة الأولى: لم ينتبه الفيل إلى نملة، وكاد أن يفتك بها لولا حذر النملة.
وفي قصة الأسد الصغير، قام الأسد الأب بتحذير ابنه من الصيادين، فالغابة هي مكان خطر، يجب أخذ الحيطة، وتتناسب مع وجود هذه الحيوانات.
أحسنت الكاتبة اختيار المكان في قِصَّة “الثعلب ومكره”… لتجعل المكان يجمع بين لعب الأطفال وهو البستان، وتواجد حظيرة الطيور بجانب الثعلب.
توجد قِصَصٌ لم تحدد الكاتبة مكانًا معينًا لها، فمغزاها وهدفها صالح لكل زمان ومكان، مثل: قصة كيف نصل إلى هدفنا؟ لأن الفكرة عالمية، يسعى إليها كل إنسان ذو فكر.
ومن جملة القول: أن الكاتبة قد قَصَّتْ أماكن يمكن للطفل أن يتخيلها ويشعر بها، وهي ليست غريبة عنه، أو يصعبُ عليه تصورها، فالأماكن قد يكون شاهَدَهَا أو قَرَأَ عَنْهَا، أو عاش بها مثل: المَدْرَسَة التي دارت أحداثها في قِصّة “ريتا وصديقتها” أو قِصّة “الانتصار”، وبناء عليه يمكن القول: إن الكاتبة قد وظفت الأماكن بشكل جيد ليناسب عقلية الطفل.

الخاتمة:
يُعُّد أدب الطفل من الآداب القديمة بدأ شفاه، إذ كانت ترويه الأمهات والجدات للأبناء بهدف التسلية والترفيه والعظة.
في البدء ظهر أدب الطفل في ظل آداب أخرى مثل: أدب الحكمة، ومع أدب الخرافة والأساطير، ومع بعض القصص الديني.
يُعد تشارلز بيرو Charles Perrualt الشاعر الفرنسي ، أولُ من كتب مجموعة قصصية خاصة بالطفل، فهو رائد هذا الحقل، وذلك في القرن السابع عشر الميلادي.
تظهر خلفيات أدب الطفل في الأدب السرياني في قصة أحيقار وبعض الحكايات الدينية التي يقصها الرهبان على الأطفال لتهذيبهم وتعليمهم القيم الدينية والأخلاقية.
مرت مراحل أدب الطفل في السريانية بأربع مراحل من بدايته حتى العصر الحديث.
يتناغم غلاف القصص مع عنوانها ومحتواها.
لم تتضمن القصص –موضوع البحث- أية صور، وهي تتكون من 33 قصة باللغة العربية،من ص (9: 59)، و(9) قصص باللغة السريانية من ص (62 : 79 ).
اختارت الكاتبة بعضًا من القصص العربية، وَترْجَمَتْها إلى السريانية في نفس الكتاب، وهي قصة “الخلود”، وقصة “النملة والفيل والديك الحكيم” وقصة “كيف نصل إلى هدفنا؟”، وقصة “بابا واللغة والهوية”، أي أنها موجودة بالعربية وبالسريانية في ذات العمل.
تتميز هذه القصص بتناول موقف محدد في حدود صفحتين.
تمثل القصة الواحدة حدثًا واحدًا حول موقف واحد.
استعملت الكاتبة الخط النسطوري “الشرقي” بلهجة السورث.
أعطت الكاتبة العنوان “بحار زرقاء وأعماق ملونة”، بناءً على القصة الأولى باللغة العربية، لارتباطها بما تتمناه الكاتبة بزرعه في نفوس النشء.
التزمت الكاتبة بمعايير قصص الأطفال من حيث المضمون والأفكار الإيجابية عن الحق والخير، ومساعدة الآخرين، وسماع نصائح الأب والأم، أضف لما سبق حبكة الحدث غير معقدة.
هدفت الكاتبة إلى غرس القيم والأخلاق الحميدة في نفوس الأطفال، وتشكيل الهوية والقومية والثقافة وتنمية مهاراته اللغوية، من خلال توظيف ما اكتسبه من كلمات وعبارات في مواقف مختلفة.
استوحت الكاتبة بعض القصص من أدب بلاد الرافدين القديم، مثل: ملحمة جلجامش، وبعض القصص الأخرى من حيوانات محببة للأطفال في الغابة مثل: الفيل، الأسد، النملة، الثعلب…إلخ.
تعد قصة “بابا واللغة والهوية” إسقاطًا على الكاتبة وأبيها.
امتاز أسلوب الكاتبة بالقِصَر، والكلمات القليلة في الحوار التي يسهل على الطفل ترديدها وحفظها.
استعملت الكاتبة أسلوبًا سهلاً في الحوار، يتناوب بين الحوار على هيئة سؤال وجواب أو لنقل معلومة أو لإظهار مشاعر الحب أو الود أو الـتأنيب….إلخ.
دار الزمان في معظم القصص في الزمن الحالي أي العصر الحديث، باستثناء قصة “الخلود” التي يمتد الزمن فيها من آلالاف السنين إلى الزمن الحاضر من خلال استدعاء بطل القصة الأسطوري: “جلجامش”.
كانت الكاتبة تستهل القصص حينًا بأسلوبٍ تقليديّ للتعبير عن الزمن ، مثل: “ذات يوم” أو في يوم من الأيام، وحينًا “ذات يوم” أو “في يوم من الأيام”، وحينًا آخر تُحَدِّد الزمن، على نحو: في يوم من أيام الشتاء، أو في يوم من أيام الربيع، أو تجعله مفتوحًا كما في قصة: “كيف نصل إلى هدفنا؟.

ترجمة القصص
الخلود
بعد آلاف السنين، عاد “جلجامش” ليبحث عن الخلود من جديد، وقرر أن لا يعيد ذلك الخطأ القديم، ويذهب إلى البحر بحثًا عن العشب، لكنه سيبحث عن الخلود الروحي .
عاد أقوى، و لكن أين سيجد ذلك الخلود؟ … كثيرة هي تلك الأشياء التي تحمل الخلود، وأهدافها وصدقها. وهي ممزوجة في حياتنا اليومية
ما هو ذلك الشىء العظيم الذي لا يعرف الناس قيمته، ولا يعرفون أنه هو خلودنا، وبينما كان يفكر، أتى صوتًا جَهْوَرِيًّا من السماء:يا جلجامش، الخلود الروحي والفكري بسيط جدًا، وهو أمام أعيننا.
ولكننا نسيناه اِبحث عنه ستعرفه، بدأ “جلجامش” يفكر بعمق، لكنه لم يصل إلى مبتغاه. ما هو ذلك الشىء الذى لا يلقى اهتمامنا ؟؟؟؟ ، ما هو ذلك الشئ الخالد ؟؟؟ فكر وفكر، ولم يعرف، فاستسلم وذهب بلا خلود.
لكن بعد سنوات عِدَّة عاد “جلجامش”، وعرف ما هو مغزى ذلك الصوت؟ عرف أنه حين ينسى الأساس سيضيع الخلود. على الرغم من كونه في حزن، ولكنه عاد من سفره فَرِحًا حين عرف ان جسد الشعوب الأخرى وصلت إلى الدرجة العليا للخلود من خلال لغتنا السريانية…فبدأ جلجامش يُعَلِّم الخلود، وأصبح آلاف الناس يأتون إليه ليتعلمون منه الخلود،،،
هتف “جلجامش” وأخذ قلمه، وكتب على أحد الألواح الكبيرة: اللغة هي الهُوِيَّة والوجود والخلود.
النملة والفيل والديك الحكيم
ذات يوم، كان الفيل يمشي في الغابة، فلم يتوخ الحذر، فداس على نملة، لكن النملة هربت من أمامه،فقالت له النملة في غضب:أنت يا صاحب الجسد الضخم والسليم ليس له فائدة. ألم تر ما يوجد أمام قدمك؟
قال لها الفيل: لا، أيتها النملة صاحبة الجسد الصغير جدًا بلا فائدة، جسمي أكثر فائدة وأفضل من جسمك… أنت لا تستطعين أن تحملي لقمة خبز. لكن أنا جسمي يمكن أن يحمل أثقالًا كثيرة، وأنْتِ وكل نمل العالم أستطيع أن أحملهم بلا تعب، وأنا في حياتي لم أرَ نملة خبيثة وصغيرة مثلك، لذا أردت أن أسحقك.
قالت له النملة: أنا على الرغم من أن جسدي صغير لكنني ماهرة في عملي. أما أنت يا صاحب الجسد الضخم …
ظلا يوبخان بعضهما في غضب وغيظ حتى أتى ديك حكيم، وقال لهما:لا…لا يَقُلْ أحدكما للآخر أن جسده بلا فائدة، ولا يصح أن يجري نقاش كهذا بينكما؛ لأن الله لم يهب جسدًا لأحد منا بلا فائدة.
أَنْتِ أيتها النملة الرب أعطاك جسدًا صغيرًا لتحملي طعامًا ولا تراك الحيوانات، لكي لا تأكلُكِ، لأنك صغيرة فلا تشبعيهم، لذلك الرب خلقك صغيرة.
وأنت أيها الفيل كون لك جسدًا ضخمًا، كل الحيوانات والأشخاص تخاف منك، فتأكل كل ما تريد، لذلك قلت: إن الله لم يخلق شيئًأ بلا فائدة، لكن الأجدر أن يكون لنا عقل لنعلم كيف نستعمله، فلا يليق أن ننتقد خلق الله، لكن الأجدر أن تقدموا التسبيح والشكر للرب.
حينئذ قال الفيل والنملة أحدهما للآخر:لا ليس كل شىء في حياتنا بالجسد الضخم وحمل الأثقال. لأن كل شخص يوجد له جسدًا جيدًا ومفيدًا لنفسه، فاعتذرأحدهما للآخر، وصارا مثلاً طيبًا للحيوانات والناس.
ومنذ ذلك اليوم لم يقم بينهما صراع لكن ظلت كل الحيوانات تحب أحدهما الآخر وتوقر جسد الآخر.
الأب واللغة والهُوِيَّة
كان هناك أب عطوف ومثقف عظيم، وكان يحب ابنته الشابة كثيرًا. وكان يعطيها كل ما تريد، وخاصة الشجاعة والإرادة كي تتعلم اللغة السريانية، ونظرًا لتشجيع تلك الفتاة، فإنها بدأت تحب اللغة السريانية وتوقرها. أما الأب فكان يريد كل ما هو جيد لابنته، والبنت كانت تحب والدها يوما وآخر أكثر، لأنها كانت تعلم كم كان والدها يحبها ويشجعها باستمرار. فكرت البنت وقالت له: من الواجب عليّ أن أقدم لأبي حبي واعتزازي.
وحين كانت البنت ووالدها يسيران قالت له: يا أبي أنت عطوف، وأعلم أن هدفك هو أن تحفظني وتشجعني، لأكون الأولى في اللغة السريانية التي هي لغة الأم والكنيسة والثقافة؛ وأعلم أنك تُحِبُّنِي كثيرًا، لذلك أردت أن تعرف بأني أنا الأخرى أحبُّكَ كثيرًا، وأعلم أنك تريد الخير لي.
فقال لها أبوها: أنا أُكِنُّ لَكِ اعتزازاً كبيراً وأفتخر بِكِ؛ لأنك عَرَفْتِ ما أريد، وأنتِ مجتهدة جدًا، لذا عَلِمْتِ أن اللغة هي هُوِيَّةُ الإنسان.
قالت له الابنة: نعم يا أبي … لكن ليست اللغة فقط هي الهُوِيَّة، ولكن أَنْتَ الآخَر هُوِيَّتي و مثلاً لي، فأَنْتَ الأبُ الأفضلُ من كل آباء العالم، ومثلك قليل في هذا العالم.
فقال لها الأب: شكرا يا ابنتي على هذا الكلام اللطيف ذو الفائدة؛ لأنكِ حينما تحبين اللغة الأم، فإن هذا التجسد ( الوصف ) لهو دليل على أن اللغة لن تموت … فأنتِ أملِي، وطالما أنتِ حية سَتَكُونُ لُغَتُنا حية، وأنا أحبكِ أكثر، إذ لا توجد لغة ذات لفظ عذب ومفيد من لغتنا السريانية.
الانتصار
ذات يوم، كان هناك معلمًا مغرورًا بنفسه، ونظرًا لغروره فإن أهل بلده ومعلمي المدرسة، لم يحبوه بسبب غروره، وذات يوم قال لزملائه معلمو المدرسة: أنتم لا تعرفون التعليم جيداً مثلي، فأنا أعرف أكثر منكم .. لأنني الأكبر سناً فيكم وصاحب تجربة ومهارة …
فقال له أحد من أولئك المعلمين:لا … ليس دائما الكبير بالسن يكون أكثر جودة ومهارة، والشخص المغرور يقع في خطأ كبير وصعوبات جمة، وإذا قلتَ: لا، استمع إلى هذا المثل: كان يوجد أحد الأولاد يقول لأصدقائه: وهبني الله مهارةً وجمالًا أكثر منكم.. وبعد عدة أيام أصبح هذا الولد كسولًا في دروسه، لأنه لم يقرأ داخل المنزل، كان يقول: لأنني ماهر، فليس –هناك- ضرورة لأقرأ. ومنذ ذلك اليوم صار هذا التلميذ راسبًا كل عام في الامتحان على عكس ما كان في السابق. فإنه عندما–اجتهد- نجح وحصل على درجة عالية، وصار الأول في المدرسة.
ومن ذلك اليوم أخذ درسا من غروره فاستفاق على جهله وبدأ يقرأ، فقال لرفاقه: لست أنا فقط ماهرًا، ولا يوجد أحد أحمق في هذا العالم سوى صاحب الغرور.
وبعد أن انتهى المعلم من كلامه، قال ذلك المعلم المغرور:أنت صادق وأنا من هذا اليوم سأترك غروري وأطلب الغفران من الجميع لما قلته عن غروري، ومن هذا اليوم سأتغير وأصبح متواضعًا مثلكم.
قال له أصدقاؤه معلمو المدرسة:شكرا لك، لأنك انتصرت على تفاخرك وغرورك.
كيف نصل إلى هدفنا
كسر قيده بيده، وأصبح عزيزًا عند الشعب.. انتصر على الألم بإيمانه، لم يسقط مرة واحدة، بل إنه في العديد من المرات ضحك عليه أناس كثيرون…أصبح جبارًا بسبب هذه الصعوبات وكل من ضحك عليه، بدأ يضحك على نفسه، والذي كان سيوقعه صار يقع بنفسه.
إنه انتصر على كل تلك الصعوبات والألم بقوة قراراته الصائبة، وكل تلك القيود التي كسرها كانت بسلاح الصبر، وكل الجدارة التي وصل إليها كانت لمهارته واجتهاده، كل شخص يرى ألمًا وصعوبة إذا أراد الانتصار، فالأجدر أن يحتمل ويتخذ قرارات صائبة بقوة، ويكون مجتهدا في عمله، فهذه الأشياء الثلاثة هي المفاتيح الضرورية لبلوغ هدف السعادة .
الأمانة
في يوم من الأيام وفي حوض من الماء كانت تعيش الأسماك الصغيرة؛ وبينما كانوا يَسْبَحُون في الحوض. وجدوا كيسًا فيه طعام، قال أحدهم للآخر:الأجدر أن لا نأكله لكن نبحث عن صاحبه لنعطيه له، حيث لا يروق لنا أكل الطعام الحرام، لأننا أسماك نزيهة، وظلوا يسألون أسماك الحوض: إذا كان أحد منكم فقد شيئًا؟؟ وقد بدأوا يسألون حتى رأوا صاحبه…
وقال لهم صاحب الكيس أنتم على درجة عالية من النزاهة والطيبة، وأنا حين كنت في طريقي لايصال الطعام لأولادي، أتت إحدى الأسماك، وقالت لي: أحد أولادك أصبح صيدًا، لذا تركت كيس طعامي، وعدت بسرعة إلى البيت. (نظرًا) لنزاهتكم سيكون طعامي نصفه لي ولأولادي والنصف الآخر لكم أيتها الأسماك اللطيفة.
فقالت الأسماك: شكرا لك لأنك طيب، ونحن قد حزنا كثيراً لولدك الذي صار صيدًا.
وبعد فترة التقى صاحب الكيس أحدًا من تلك الأسماك الذين رأوا الكيس وقال: أنا حتى هذا اليوم اتذكر طيبتكم معي التي لا تنسى. ( كل من يعمل خيرًا الله والناس سيتذكرونها ويكافئونه بأفضل منها لذا علينا أن نكون طيبين).
الابن في الضيق
في قريَّة ما، كان هناك رجل مُسِنٌّ له خمس أبناء، قال لهم: تعالوا معي إلى نهر القرية، فقال له الابن الأكبر: لِمَ نذهب إلى النهر يا أبي ؟
قال الأب : سنذهب للسفر.
قال الأولاد : نعم يا أبي.
وذهبوا جميعًا إلى النهر، ولكون الأب مُسِنًّا ومريضًا فإنه أراد أن يختبرهم( )، حيث نزل في الماء ليسبح فصاح: غَرقْتُ … غرقت في الماء.
فكّر الأولاد، فقالوا: أبونا صار شيخًا، ونحن لا نستطيع أن نساعده، وربما سَنغْرِقُ نحن أيضا، لكن الأخ الصغير قال: لا، علينا أن نساعده، لأنه تَعِبَ من أجلنا فلا يصح أن تقولوا كلاما كهذا.
فقال له إخوته: اِذهب أنتَ وسَاعِدْه.
فقال له: نعم سأذهب ، وذهب . . لكن إخوته ذهبوا إلى البيت، وتركوا الأخ الصغير فقط برفقة أبيه.
قال الأب للابن الصغير: أَنْتَ أكثرَ طيبة من كل إخوتِكَ، فهذا كان اختبارًا لمعرفة مدى حُبِّكم لي.
قال له الابن الصغير: يا أبي، الابن الحق يظهر في وقت الضيق، أنت أبي، والأجدر أن أُساعِدَك في يومِ الشدة.
قال له الأب: نعم يا ٍبني لتعش.
الأسد الصغير
ذات يوم، قال شبل لأبيه: أبي أنا سأذهب إلى الغابة القريبة من بيتنا…
قال له أبوه: لا يا بني لا تقترب من جهة الغابة كي لا يصيدَك الصياد, لأنك صغير ولا تستطيع أن تحمي نَفْسَكَ، لذلك سيصطادُكَ الصياد وسيأخذك الى “سيرك” المدينة.
قال له الابن: لا يا أبي… أنت لا تريدَنِي أن أخرج مع أصحابي لأمرح، لأنك لا تحب أصحابي، ونحن نعرف أنه لا يوجد صيادون هناك لتَصيُّدِنَا.
قال له أبوه: لا يا بني… لكنَي أرى الصيادين بجوارنا في داخل الغابة القريبة من بيتنا، وعندما لم يصدقه الابن ذهب مع أصحابه إلى الغابة، وفي الوقت الذي وصلوا فيه إلى الغابة سقطوا في فخ الصياد واصطادهم.
قال ذلك الأسد الصغير لأصحابه: أنا لم استمع إلى نصيحة أبي الذي يعرف أكثر مني وتلك هي نتيجة من لا يسمع نصيحة أبيه.
وعندما عرف أبوه أن ابنَه اصطاده الصيادون وقع في حزن شديد، حيث ظل يبكي، لأن ابنه الأحمق لم يستمع إلى نصيحة أبيه، وبعد أن استطاع أن يحرره من أيدي الصيادين حضن ابنه بحب، وقال له: أطلب منك أن لا تكرر فعلك السابق مرة أخرى .
فاستفاق الشِّبْل عندما غفر له أبوه خطأه.
ريتا وصديقتها
في يوم من أيام الشتاء كانت توجد فتاة اسمها “ريتا”، وكانت شديدة المهارة في المدرسة والبيت، وكانت صديقاتها تحبها لكونها طيبة معهم. ولكن كانت توجد فتاة لا تروق لها رؤيتها ولا تحبها …. وذات يوم أرادت أن تسقطها في فخ ليضحك تلاميذ المدرسة عليها.
فقالت لها ريتا في غضب: لما لا تحبيني وتريدين أن أقع في الفخ؟ لكنكِ لم تفلحِي بسبب أنه لم يضحك عليّ أي تلميذ ..
فقالت لها صديقتها: أنت مجتهدة وكل التلاميذ يحبونك لماذا لا يحبوننى؟ لذا أنا أَكْرَهُكِ ودَفَعْتُكِ لتسقطين في الفخ…
قالت لها ريتا: لا يا زميلتي كل واحد منا يوجد له شيئ يجعل البشر يحبونه، ومن قال لا أحد يحبك، أنا أحبك، لأنك تساعدين أمك في عمل البيت ومساعدة المساكين، وتستطيعين أن تدرسي لوحدك دائما وتكوني مجتهدة، الأجدر أن تقرئين كتبًا أخرى وخاصة تلك التي فيها المعرفة…
قالت لها صديقة ريتا:أنت صادقة لأنك واحدة من أولئك الصديقات الأكثر طيبة، وما أحسنك وأجملك إذ ساعدتيني…. صدقت، لأن كل واحد منا له ميزة يتميز بها عن الآخرين، ونحن من هذا اليوم سنصبح صديقتين طيبيتين وصادقتين.
الثعلب ومكره
في يوم من أيام الربيع وداخل بستان كبير، كان يوجد بعض أطفال صغار يلعبون بمحبة واجتهاد، وفي الوقت الذي كانوا يلعبون فيه كان يوجد ثعلب ينظر إليهم، وهو يفكر لينصب لهم فخًا يقعون فيه. لكن أمهاتهم وآبائهم حزروهم من الثعلب، وقالوا لهم لا تتكلموا معه، فهو من الأشخاص الذين لا تعرفونهم، ولا تقتربون منه ولا تصدقون مكره.
حين أتى الثعلب جعل نفسه بهلوانًا ومضحكًا، وبينما كان يلعب بكرة صغيرة ويقوم بحركات مضحكة، فرح الأطفال.
قال لهم الثعلب: خذوني الى حيث الدجاج والديكة التي هي لكم افتحوا لي الباب لأدخل لأجعلهم يضحكون هم أيضًا…
وعندما فتحوا الباب دخل بسرعة وسرق بعض الكتاكيت ( الدجاج ) والديكة وبسرعة وضع دجاجة في فمه وأكلها ولاذ بالفرار، فعرف الأطفال إنه الثعلب لذا بدأوا يفكرون ماذا يفعلون وكيف يقولون لأمهاتهم وأبيهم.
بعضهم قالوا: لا نقل أننا فتحنا الباب للثعلب، وآخرون قالوا: لا،(يجب) علينا أن نقول الصدق بأننا نحن من فتح الباب تناقشوا وقرروا أن يقولوا الصدق.
وعندما كشفوا لهم الحقيقة غفروا لهم خطأهم… لكن طلبوا منهم أن لا يكرر أحد ذلك مرة أخرى، الأجدر بهم أن يسمعوا نصيحة والديهم ولا يفتحوا الباب حتى للمهرج، عليكم سماع نصيحتنا كي لا يضحك عليكم أحدهم، ونريد أن يصبح هذا العمل امتحان جيد لكم ولكل الأطفال.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى