الإنسانية في فخ الإستلاب
استطلاع :نجاة الفارس
يؤكد عدد من الكتاب والنقاد، أن البطل في الأعمال الأدبية شخصية كاشفة عن حقيقة العلاقات التي تربط أفراد الجماعة في المجتمع الذي أنتج العمل الأدبي، موضحين أن البطل كان ولا يزال على صراع مع من حوله، وفي معظم الأحيان مهزوماً عابثاً متوجساً من المجتمع لأنه غير متصالح معه.
ويضيفون في استطلاع ل«الخليج»، أن هناك ما يسمى بالبطولة الفنية والواقعية، فالبطولة الفنية ربما تكون مهزومة بالواقع، أو سلبية، لكنها تحمل على عاتقها النص الأدبي وعلى الرغم من اختلافنا مع أبعادها إلا أنها تشكل بؤرة العمل الأدبي.
يقول الدكتور شعبان أحمد بدير ناقد وأكاديمي في جامعة الإمارات: «لا شك أن البطل شخصية كاشفة عن حقيقة العلاقات التي تربط أفراد الجماعة في المجتمع الذي أنتج العمل الأدبي؛ فالمجتمع المتأزم غير المستقر، الذي يكثر فيه الظلم والفقر، يقدم بطلاً تنعكس فيه صور هذا التأزم، ويقرب فيه البطل من بطل الأسطورة الذي يقف عارياً أمام القوى الكبرى، وعادة ما تبدأ كل أمة بمرحلة الأسطورة في التشكيل الخيالي لشخصية البطل؛ لأن الأسطورة إنما تحمل تعبيراً جماعياً بكل معنى الكلمة، وهذا التعبير الجماعي يبدو في أن الأساطير إنما تعكس معتقدات المجتمع، والأعمال الفنية دائماً ما تقوم على عاتق البطل بالطريقة نفسها التي تبحث بها الشعوب عن البطل القائد المخلص، الذي ينجيها من المشكلات داخل المجتمع وخارجه، كما في شخصية جلجامش، ويوليسيس أحد أبطال حرب طروادة، ودون كيخوته الذي بقي يحارب طواحين الهواء وعنترة بن شداد وأبي زيد الهلالي، والظاهر بيبرس، تلك الشخصيات التي تمزج بين الواقعي المضخم والخيالي العجائبي مما أنتج التراجيديات والملاحم التي يظهر فيها الصراع على أشده بين البطل والقوى الشريرة، التي تقاومها المخيلة الشعبية».
تختلف شخصية البطل في المجتمع المستقر الهادئ الذي تحكمه القوانين ويسوده العدل، فيقدم في أعماله الأدبية أبطالاً يواجهون مشاكل محدودة وتختفي تدريجياً الصورة الصراعية التي تنعكس في بطل الأسطورة، وإذا كانت الشعوب قد صنعت أبطالها من الأساطير والملاحم بوجدانها ومخيلتها أو ضخمت الشخصيات التاريخية الواقعية، وفقاً لحالاتها، فإن شخصية البطل في العصر الحديث قد اختلفت كثيراً، من البطل العجائبي الأسطوري الخارق، إلى بطل حديث، ومن الناس من وجد بطله في الأعمال السينمائية والمسلسلات المتلفزة فعاش معها بوجدانه باحثا فيها عن ضالته، أو في أبطال الرياضة وكرة القدم.
صراع
الشاعر والروائي أنور الخطيب، يقول: «البطل أو الشخصية الرئيسية في الأعمال الأدبية، ومن خلال ما قرأت من قصص قصيرة وروايات، كان ولا يزال على صراع مع من حوله، وفي معظم الأحيان مهزوماً عابثاً متوجساً من المجتمع لأنه غير متصالح معه، وأعتقد بأنه سيبقى كذلك يشاكس الجهل ويتصدى له ويحاول تقديم حالة مختلفة، أنا لا أستطيع تقديم استنتاج لأنني لم أقرأ كل الأدب، لكنني أستطيع الحديث عن بطل روايتي الأخيرة «رقصة الفيلسوف.. خفوت وهج الدهشة» التي صدرت عن دار مداد للنشر في دبي، فهو شخصية تأملية يسترجع مواقفه السياسية والفكرية، ما بين نادمٍ على بعض القرارات ومؤكد على بعضها، ولهذا يتعرض لعملية اغتيال وينجو منها، وقد كان غارقاً في المتناقضات التي طبعت المرحلة في العقد الأخير، وهو العقد الذي ظهرت فيها التنظيمات الدينية المتطرفة، وهو كفيلسوف لا يجلد نفسه إنما يعتقد بإمكانية تصويب المبادئ على يد جيل متنور، لاسيما أنه يدعو للدولة المدنية كحل للتخلص من التطرف، أما الرواية التي أكتبها حالياً فبطلها ضعيف عابث تتمرد عليه بقية الشخصيات إلى درجة يفكر فيها بالاستسلام لهم ليمضوا في العمل الروائي وفق رؤاهم ورغباتهم، وفي النهاية، أزعم أن البطل في الأعمال الروائية العربية المستقبلية لن يكون صدامياً، وقد نراه عاشقاً أو منعزلاً أو مفكراً، وربما يلجأ الكتاب للتاريخ ليقوم بإسقاطات محددة».
منهجية
يقول الروائي والقاص حارب الظاهري: «الكل يعلم بأن البطل في القصة أو الرواية هو محورها التي تدور حوله الأحداث القصصية ويرتسم في حضوره الزمن المتجلي والشخوص المهمة وترتسم الطبيعة المؤثرة في سياق العمل وكل ما يخص حياة البطل الذي يقع عليه الاختيار، ولأنه ليس كأي شخصية عابرة بل هي مفصلية ينتقيه الكاتب من بين شخصيات تفرض عليه وجودها، يتوقع لها الكاتب الحضور في ذاكرة المجتمع، أما عن اختلاف سمات البطل ما بين الماضي والحاضر فيعود إلى تطور المجتمعات وقفزاتها المؤثرة، التي تكاد أن تجبر الكاتب على تغيير أدواته».
الدكتورة أمل التلاوي، أكاديمية وناقدة، تقول: أنجب الأدب الكثير من الأبطال، ورسمت القصص والحكايات تلك البطولات التي يبحث عنها الوعي الجمعي عند البشر، فمنذ عصر الأساطير؛ حيث يبدو البطل إلهاً أو نصف إله، إلى زمن الحكايا والملاحم والسير الشعبية التي يبدو فيها البطل بصفات خارقة، مروراً بأزمنة الأدب المختلفة؛ حيث تماهت شخصية البطل مع تنوعها واتجاهاتها، فنجده مع الكلاسيكية بطلاً متزناً وهادفاً، ومع الرومانسية بطلاً حالماً وفارساً، وفي اتجاهات أخرى نرى البطل النمط أو الرمز؛ حيث تغيب البطولة الفردية ليظهر البطل الجمعي، وفي مرحلة لاحقة من الواقعية سنرى البطل المدنس وهو بطل يظهر خواصه الإنسانية وسلبياته ولا يتجمل أبداً.
بعد الخيبات والهزائم المتكررة سنرى غياب دور البطل في النصوص الأدبية وتحوله إلى شخصية مهزومة ومأزومة، تعيش مأزقاً من نوع ما، وقد يكون دورها سلبياً جداً، حتى أننا نلاحظ غياب كلمة البطل في المسميات النقدية الحديثة، و قد نستبدلها بمسميات مثل السارد أو الشخصية المحورية، وفي حين تتراجع قيمة بطولة الشخصية نرى اللغة وتشكيلاتها الجمالية تحتل دور البطولة في الأعمال الروائية الحديثة؛ إذ تعتني الأعمال الأدبية والروائية الحديثة بفنيات وتشكيلات اللغة، من لغة رامزة إلى ساخرة إلى مكثفة وشعرية، أكثر من عنايتها برسم ملامح بطلها؛ بل إن بعض الأعمال لجأت إلى تهميش الشخصيات كلها لا البطولة فقط، واعتنت بالأشياء المحيطة والماديات، لتعكس النزعة المادية، وحالات التشيؤ أو الاستلاب التي تتعرض لها الإنسانية.
تجدر الإشارة إلى أن هناك ما يسمى بالبطولة الفنية والواقعية، فالبطولة الفنية ربما تكون مهزومة بالواقع، أو سلبية، لكنها تحمل على عاتقها النص الأدبي وعلى الرغم اختلافنا مع تصرفاتها أو انهيارها الفكري أو الأخلاقي فإنها تشكل بطولة فنية داخل العمل الأدبي.
مواكبة
القاصة والروائية فاطمة سلطان المزروعي، تقول: «تواكب الرواية في الوقت الحالي من خلال موضوعاتها التقنيات الحديثة وتقنية الاتصالات التي أحدثت تغيرات كبيرة، صحيح نحن في بدايات تلك التقنيات، لكنها تشكل بيئة خصبة، كما يمكن أن نقول إن معاناة البطل قد تتطرق إلى محاربة أيدولوجيا هدامة تنتشر عبر التطبيقات الذكية».
*نقلا عن جريدة الخليج الإماراتية