أدب وفن

سهيل كيوان في «بلد المنحوس» عن نكبة لم تنتهِ بعد

حمزة البشتاوي

سهيل كيوان في بلد المنحوس

* عن نكبة لم تنتهي بعد*

بعد أكثر من سبعة عقود ما زال الأدباء الفلسطينيون يكتبون عن النكبة كونها لم تنتهي بعد وما زالوا يعيشون تبعاتها حتى اليوم سواء كانوا في الشتات أو في الداخل مع إختلاف الأوضاع باختلاف الأماكن التي يعيشون فيها. وقدم الأدباء الفلسطينيون أعمال روائية شكلت قفزة نوعية في مسيرة الأدب العربي وحتى العالمي وكان حجر الأساس فيها هو الأسلوب الممتلئ جمال ولغة وإيقاع وحبكة مع وجود عدد من الروايات التي تعاملت مع النكبة وما قبلها وما بعدها بخطابية مباشرة مليئة بالوصف والبكاء ووقفت مندهشة وكأنها لم تصدق ما حدث وغلب على الكثير منها الطابع التسجيلي والتقريري بتواريخ وأحداث معروفة مما أفقدها عنصر التشويق.

وأما رواية بلد المنحوس للأديب سهيل كيوان الصادرة عن مكتبة كل شيء في حيفا تتميز بمعالجة مختلفة (ليوم النحسه) أي النكبة حيث تظهر الهوية كمثال للمقاومة الإنسانية وتهز قارئها من الداخل وتثير جدل مركب لسرديات يوم النحسه بشخصيات وحكايات رمزية تضع الأحداث تحت مجهر صراع الهوية والمصير والإنتماء ومتغيرات العيش اليومي.

في سؤال نكون أو لا نكون في صورة منحوسة ومنقسمة ومعقدة في صراع البقاء ، كما تميزت الرواية بالإضافة إلى عنصر التشويق بسعيها غير المباشر لبث روح الذاكرة والأمل رغم قساوة ما حدث برؤية فنية ملتصقة بالإنسان والزمان والمكان المنحوس بجرأة عالية لم تستسلم لما يعرف بالتعايش والتكيف على حساب مضمون وأصالة وصدقية الرواية الفلسطينية وقد استخدم الكاتب رؤيته وأدواته السياسية والفنية لتعرية الواقع من أجل فهمه وهي رواية لا ترطح مسألة الحنين بقدر ما تطرح مسألة الهوية بفنية عالية لا تحتمل التساهل أو التنازل للمغتصبين ولذلك إنقسمت الشخصيات في الرواية إلى قسمين:

الأولى: شخصيات تحمل روح البطولة والبساطة والطيبة والإنتماء للمكان وعاداته وتقاليده وثقافته.

الثانية: شخصيات لا تعرف سوى الخديعة والكذب والتزوير إلى حد الإجرام ولا تنتمي إلى المكان ولا إلى حكايته المتجذرة في الثقافة والتاريخ إضافة لتعريفنا بطريقة مختلفة على حقيقة تلك الشخصيات من حيث طريقة تفكيرها وأسلوبها في المياه.

وأيضاً على صعيد الأمكنة فقد ارتبطت الشخصيات الأولى بمدينة عكا وحاراتها وأبنيتها القديمة والسطوح القرميدية والشوارع المرصوفة بالحجارة السوداء وما يحتضنه المكان من أدوات ومفردات منبثقة منه ، وأما الشخصيات الثانية فجأت من مدن بعيدة لها عاداتها وتقاليدها وموسيقاها وأغانيها وسجائرها ومشروباتها وفي صراع الأمكنة والشخصيات يحتدم الصراع ويبرز الدور الأساسي الذي لعبته الدعاية الصهيونية التي ساهمت بغلبة الرواية المزيفة على الرواية الحقيقية التي إتكئ عليها الأديب سهيل كيوان إنطلاقاً من فهمه العميق ودوره في الحياة الثقافية والإجتماعية مستنداً في الرواية إلى الحكايات اليومية ومستخدماً الكثير من الترميز والدلالات حول تراجيديا يوم النحسة وتنكيله بضحاياه وكأنه يؤرخ لما حدث.

ولكنك وفي قلب الرواية تشعر بأن ما حصل كان مجرد كابوس نحس كلما حاولت أن تصحو منه إنهالت عليك الكوابيس التي لا يمحوها سوى حجر وليس خيمة. وبهذا المعنى يمكن وصف رواية- بلد المنحوس- بأنها رواية تضع أبطالها تحت مجهر الوجود الإنساني المقاوم للتزييف كما هي رواية تحدي للشروط المذلة والمفروضة منذ يوم النحسة الذي أراد منه الغزاة تغيير هوية المكان الذي بقي فيه من بقي من الأهل كي لا يسموا بشعب الخيام.

*كاتب و اعلامي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى