في النقد الثقافي (المقاربة الثانية)
الدكتور وجيه فانوس
¯ إنَّ ما ينقص الثَّقافَة العَرَبِيَّة في هذا المجال هو التَّعمُّق في مناهج النَّقد الثَّقافِيّ؛ خصوصا بعدما أن فقدت الثَّقافَة العَرَبِيَّة مساحة كبرى من حِسِّها النَّقديِّ في القرون الأربعة أو الخمسة الماضية، إذ انتقلت هذه الثَّقافَة من القدرة على المناقشة إلى القابليَّة المُرْعِبَةِ للقبول والاستسلام. وقد يمكن، ههنا، التَّفريق بين ما هو بنى “وفيَّة” للقديم والجديد، وبين ما هو “مقدَّسٌ” لا يتحمَّل التَّشكيك أو المناقشة على الاطلاق. إنَّ كثيرين قد يخلطون، في هذا المجالِ، بين “القديم” و”المُقدَّس”، فينظرون إلى القديم على أنه مقدس لا يمكن مناقشته أو نقده أو المساس به؛ ويدخلونه، مِن ثَمَّ، في لُجَجِ بحر المُسَلَّمات. طبعا هذا خطأ، لأن البنى الفكرية القديمة، كما هي الجديدة، مجرَّد أبنية ناتجة عن فكرٍ ونظرٍ في الممارسة؛ والفِكرُ الثَّقافِيّ، لأنَّه فكر إنسانيٌّ قابلٌ للمناقشة والمراجعة، بل إنه يفرض، بحيويَّةِ وجوده وسعيه إلى استمرار هذه الحيويَّةِ، إخضاعه للنَّقد. هنا لا بدَّ من إنقاذِ “القديم” من سطوة “المُقدَّس” والتفريق بينهما. فالمقدس واضح، بِحُكْمِ انبثاقه “العُضويِّ” من “الإلهيِّ”، بشكل خاص؛ و”الإلهيُّ” محفوظ بوضوح في الكتب المقدَّسة. ولذا، وعلى سبيل المِثالِ، فليسَ كلُّ ما في الطَّقس الدِّينيِّ أو الفكريِّ “القديم” أو السَّلفيِّ ينتمي إلى “المقدَّسِ”، ولا بدَّ من أن يخضعَ للنَّقد سعياً واقعيَّاً لتطوُّره وتجدُّده وليتناغم مع تغيُّرات الزَّمان والمكان ومفاهيم المعرفة المتجدِّدة؛ كلُّ ما ينقص، في هذا المجال، يكمن في الجراءة والثِّقة بالذَّاتِ عند التَّفريق بين “القديم” و”المقدَّس”.