أدب وفن

مُقارَباتٌ ثَقافِيَّةٌ وأَدَبِيَّة – الحلقةُ الثَّالثة

تحتوي هذه الصورة على سمة alt فارغة؛ اسم الملف هو image.png
الدكتور وجيه فانوس

الدكتور وجيه فانوس

أَجْرَت “مَجْموعةُ حِبِر أبيض”، مُنْذُ أيَّامٍ قَليلَةٍ،
لِقَاءً مَعَ الدكتور “وجيه فانوس”؛
أُثيرَت فيهِ باقَةٌ مِنَ المَوْضُوعاتِ الثَّقافيَّة والأدبيَّة؛
وقد خَصَّ الدكتور فانوس، تَجاوُبَاً مَع كَثيرٍ مِنْ تَمَنِّيَّاتِ الأَصْدِقاء

مَوْقِعَ “حَصاد الحِبْر
بِهَذِهِ السِّلسِلَةِ، التي تَتَضَمَّنُ بَعْضَ ما قيلِ في الِّلقاء.


الحلقةُ الثَّالثة

 (في الأدب والنَّقد)

أسئلة الشَّاعِر مردوك الشَّامي والشَّاعٍرة سميَّة تكجي والرِّوائِيَّة ضُحى المل والشَّاعر إلياس زغيب والأستاذ أحمد رامي.

1- مردوك الشَّامي

ثمَّة عتب كبير على النَّاقد الأكاديمي، أنَّه لا يغادر المدارس النَّقديَّة المُعَلَّبة ولا قاعاتِ التَّدريس؛ ليكون مع النُّصوص وأصحابها، في شوارعِ الحِبْرِ والحياة. ثمَّة غِيابٌ للنَّاقد؛ تركَ الحبلَ على الغارِبِ، لِكُلِّ هذا التَّهتُّكِ في النِّتاج الشِّعري والأدبي عموما. ماذا تقولُ في ذلك؟

  • إن الأكاديميّ، الذي يظلُّ قابعاً بين جدرانِ مكتبه و نزيلَ قاعات تعليمه، هو مجردُ مدرس أكاديميّ، و هذا يعني أن أكاديميتَه ناقصةٌ و نظريةٌ، إذ لا يدخلها صاحِبُها هذا، رحابَ الحياةِ العملية. إني من الذين يرون أن الأكاديميا نظرٌ، يسعى إلى فهم الحياةِ، و يعمل جاهدا إلى العيشِ الفاعل في رحابها. و قد يكون بعض الأكاديميين قد اكتفوا بالوجود النظري، لما حصَّلوه من معرفة مدرسية عبر تخصصهم الجامعيّ، أكان وجودهم هذا وجودا أدبياً أو وجوداً متحصِّلاً من أي واحدٍ من ميادين الفكر و المعرفة، غير أن هؤلاء يبقون، عملياً، عند الضِّفاف الأولى للأكاديميا و لا يجرؤون إطلاقاً، على مغادرتها.
  • من خلال تجربتك، أستاذاً وناقداً ومؤرِّخاً وكاتباً، كيف تجد الشِّعر العربي اليوم؛ بل كيف تجد اللُّغة؟
  • إنَّ “الشِّعر”، قبل أن يكون عربيَّاً أو غير عربيٍّ، مَسْعىً يَرُومُ تعبيراً جماليَّاً لرؤيةِ إلى الحياةِ والعيشِ فيها. ولمَّا كان كلُّ مسعىً جماليِّ يرتبطُ بمفاهيم صاحبه وقِيَمِهِ وبيئته، إذ المرءُ شاء أم أبى، لا يكونُ إلاَّ مِن بيئتِهِ، وحتَّى حين هو يرفضُ هذهِ البيئة، فإنَّ رفضه لها تأكيدٌ واضحٌ على انبثاقِهِ منها؛ فإنَّ الشِّعرَ العربيَّ، لا يمكن أنْ يكونَ إلاَّ ضمن هذا المسعى الجماليّ، المرتبط بمفاهيم أصحابه وقِيَمِهِم وبيئاتهم. بكلامٍ آخر، الشِّعر العربيُّ ابنٌ شرعيُّ شديدُ الأصالةِ للبيئة الثَّقافيَّةِ الحضاريَّةِ العربيَّةِ التي يعيشُ فيها الشَّاعرُ؛ وهي بيئة ما انفكَّت يَغْلُبُ فيها الانْفِعالُ على الفِعلِ، ويستحوذُ كثيرٌ من الوصفِ الإنشائيِّ على الإبداع التَّحليليّش عند كثيرٍ من ناسِها.

2- سمية تكجي

سمية تكجي

في زمن كورونا، القرَّاء عادوا إلى إعادة قراءة الأعمال الأدبيَّة الكبيرة، التي تتناول الأوبئة المختلفة التي توالت عبر العصور” روايات “كاموس” و”جيوفاني بوكاسيو” و”سراماغو” و غيرهم؛ كيف ينظرُ الباحثُ والنَّاقدُ، الدكتور وجيه فانوس، إلى “أدب ما بعد كورونا”: هل سيشهدُ الأدب أعمالا عظيمة، كما في السَّابِقِ، وخاصَّةً في الرِّواية؟


  • لعلَ مِن محاسنِ هذا الحَجْرِ المنزليّ،ِ الذي نُعايشه في هذه الأيَّام، أنَّنا عُدنا، بِما صارَ لنا مِن فُسُحَاتِ الوقتِ الواسِعَةِ، إلى المَكْتوباتِ الأدبيَّةِ الكُبرى، بما فِيها تِلكَ التي عالَجَتْ في مضامِينِها جوانِبَ من مُصاحَبَةِ الأوبئةِ ومخالَطَةِ مُجْتَمَعاتِها، وخاصَّةً تلكَ المَكتوباتُ التي طالما ظلَّت مَرْكُومَةً على بَعْضِ رُفوفِ مَكْتباتِنا، أو ما عَتِمَت مَحْشورةً في صَناديقٍ عَتيقَةٍ لنا، كادَ بَعْضُنا يَنْسى ما وَضَعَهُ فِيها. وإذا ما كان من تساؤلٍ جدِّيٍّ ومحقٍّ عن ما يمكن أن يسمَّى “أدب ما بعد كورونا”، فإنَّ هذا “الأَدَبَ”، إنْ ظَهَرَ، فهوَ دليلٌ على حَيَوِيَّةِ الكاتِبِ العَرَبيِّ وتَوْقِهِ إلى مُواكَبَةِ الحَدَثِ؛ كما أنَّ أيَّ إمكانيَّةٍ لِظُهورِ هذا “الأدب”، إنَّما قد تكونُ مَلْمَحاً بَيِّناً لِوَضْعِ إبداعٍ أدبيٍّ عربيٍّ، قد يكونُ عَظيماً ومُقيماً في الوجُودِ الأدبيِّ العربيِّ، كما قد يكونُ بَسيطاً وعابِرَ سَبيلٍ في هذا الوجودِ؛ يتوقَّفُ الأَمْرُ، كُلُّه، على مَدى عُمقِ الثَّقافةِ الإنْسانِيَّةِ للمُرسِلِ الأَدَبِيِّ، كما يسْتَنِدُ إلى مجالاتِ الاتِّساعِ المعرفيِّ لهذهِ الثَّقافَةِ ولإمكانِيَّات صاحِبِها التَّعبيريَّة وما ينهضُ عليهِ حضوره الإنسانيّ من استشرافٍ للرُّؤى الإنسانيَّةِ الجماليَّة. 

3- إلياس زغيب

إلياس زغيب

أستاذي الدكتور وجيه فانوس، صاحب الرُّؤيا والدِّيناميَّةِ والفِكْرِ النَّاق؛، كيفَ ترى إلى واقعِ النَّقدِ اليوم، في العالم العربي؟ وكَيْفَ أثَّرت جائحة كورونا في الواقع الثَّقافي العربي؟

  • أمَّا النَّقد، أيُّها العزيز الغالي، والتَّركيزُ، ههنا، على النَّقد الأدبيِّ العربيِّ، فما برح على عهده منذ أنْ اشتدَّ عوده المعرفي، يُساجلُ، غالبَ الوقتِ، في ساحاتِ الانطباعِ ويتودَّد في ميادين الصداقات ويتحفَّز في أودية السياسة ويقع في مهاوي الأعماق الأكاديميَّة. هذه حاله، وما هذا جميعه سوى انعكاس لا بدَّ منه لأحوال ناسه من مرسلين ومستقبلين على حدٍّ سواء؛ وحال النَّقد، كما سواه من أمور الحياة التي نعيش، يخضع لمقولة وردت في النَّصِّ القرآني، الآية 17 من سورة “الرَّعد” تقول ” فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ”؛ فللنَّقد الانطباعي مجالاته ومواقعه وناسه، وللنقد القائم على الصداقات الشخصية والمصالح المشتركة، مساحاته، كما للنقد المبني على توجُّهات السياسية وتبعياتها، رهطه وأتباعه، ولأهل النقد الأكاديمي أتباعهم ومعارضوهم وكل ما يلزم لامتحان أحقيَّة ما يقولن به وصوابيته. هي الحياة تتمثل، أيها العزيز، في مجالات النَّقد مساراته؛ وما الناس إلاَّ عابرون في دروب لها ومسالك وسبل، كلٌّ يأخذ حاجته ويسعى إلى مرضاة فكره وإدراكه ووعيه؛ ولكن الخلاصة الأخيرة، تبقى في أنَّ ” فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ”.

4- ضُحى عبدالرَّؤوف المل

ضُحى عبدالرَّؤوف المل

يُعاني الأدب اليوم من التَّمزُّق في ظلِّ التَّقدُّم العلمي الهائل والسَّريع؛ كيف سَيُمْسِكُ الادبُ بهذه التَّغيُّرات، واهمِّها الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة، في العالَم؟

  • الأدبُ، ابنٌ شَرْعِيٌّ وواقِعِيٌّ لِبيئتهِ؛ يَنْتَقِلُ مِن الانفعالِ بِها، والتَّفاعُلِ مَعَها، إلى مَساعٍ لِلتَّأثيرِ فيها؛ ومِن ثَمَّ، فإنَّ جُلَّ ما قَدْ يَتَطلَّبه الأمرُ، قد يَكونُ في الوَعْيِّ الثقَّافِيِّ والمَعْرِفِيِّ والجَمالِيِّ الحَضارِيِّ، لَدى مُرْسِلِ الأَدَبِ، لِيَعْرِفَ كَيْفيَّةَ وَضْعِ هذا الأدب، وَلِيُصْبِحَ أَدَبُهُ مَشْروعاً لِنَصٍّ لا يَسْتقِيمُ سِوى بِمشارَكَةِ مُسْتَقبِلِ، أَوْ إن شِئْت مُتلقِّيهِ؛ وحينَ يَتعاظَمُ وجودُ هذا المُسْتَقْبِلِ، فإنَّ فاعلِيَّةَ النَّصِّ/الأدبِ تَتَحَقَّقُ في مَيادين ما ذَكَرْتِ مِنْ تغيُّراتٍ في العالَم.

5- احمد رامي

Image result for proflie pictures logo

في ظلِّ الخراب الذي يعمُّ العالم العربي، هل مازالت القصيدة تحقِّق الحضور المطلوب لها؟

  • حضورُ القَصيدة، بِنظري، يَكونُ بِوجودِها؛ ووُجودُ القَصيدةِ لا يكونُ إلاَّ بِعلاقَةٍ تَنْشأُ بَيْنَ نَصٍّ مُرْسَلٍ، مِنْ جِهَةٍ، ومُسْتَقْبِلٍ لِهذا النَّصِّ، يُشارِكُ في إظْهارِهِ وتَجَلِّيهِ، مِنْ جِهَةٍ أُخرى. أمَّا ما تُشيرُ إِلَيْهِ مِن خَرابٍ، يَعُمّ العالَم العَرَبِيَّ، فَهذا الخرابُ، ليسَ بِجديدٍ على الإِطْلاقِ؛ ولَكِن، كَم مِنْ قَصائدَ حَقَّقت حُضوراً لَها في أَجْواِئِه ومَهَاوِيه ومَضائِقِهِ؟ لا يَكونُ النَّصُّ، عُموماً، والنَّصُّ الشِّعريُّ، مِنهُ خاصَّةُ، إلاَّ عَبْرَ تلاقُحٍ إيجابِيٍّ بَيْنَ الأَديبِ والشَّاعِرِ، واضِعِ النَّصِّ أو مُرْسِلُهُ أو مُطْلِقُهُ، مِن جِهَةٍ، والقارِئِ، مُسْتَقْبِلِ النَّصِّ أو مُتَلَقِّيِه، مِنْ جِهَةٍ أُخرى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى