أدب وفن

“و عدتُ ملاكاََ” بقلم الشاعر الدكتور محمد حسين بزي

وعدتُ ملاكاً *
إلى أمي في عليائها

هاربة ٌ تِلكَ الصُّوَرْ
من بوَّابةِ البَوحِ العتيقة ْ
لا تشغلُني عنْها كلُّ داناتِ البحرِ
ولا ثرثراتِ الأزمنة ْ
ولا تُشعلُني آخرُ القبلاتْ
ولا رِضَابُها المَاسي
بوابة ُ البَوحِ شرّعتْ أسرارَها
ولا حقيبة
ولا خبزَ!
ولا أُسافرُ
ولا تُسافرْ ..

أنا.. سأَمكثُ هُنا
خلفَ الرِتاجْ
بين الدانةِ والقُبلة ْ
أحتقبُ الماضيْ مِنْ زَمَني
والفصولَ المنزوعةَ مِنْ حضنِ أُمي
وبعضَ خُبزِها القديمِ في كينونتي..
وقليلاً مِنْ دُعَاءْ
سأَبقى هُنا..
أنتظرُ مواسِمَ العَصْفِ
بين الشعرِ والحضنِ السَّماويْ..
أنتظرُ انبلاجَ الصُّفرةِ مِنْ لونِ الخريفْ
علها تحتضنُ بقايا زنبقةٍ مُسَافرة ْ
عبرَ الفصول.. حيثُ عُمْريَ الآخرْ..
عُمْريَ.. الذي أنتظرُهُ مُذ كنتُ كبيراً ..

أنا هُنا..
أحتطبُ للشتاءِ القادمِ بِضعَ ياقاتْ
أُدَثّرُ بها وجهَ السَّماءِ
الذي يُقابلُني بنورٍ باردْ..
سأَبقى هُنا..
أُمسكُ الغروبَ بينَ الشفقِ والماءْ
الفجرُ الجديدُ لا يُبشِّرُ بالوصولْ..

مِنْ هُنا..
سأُطلُّ على عُمري من شرفةِ الخريفْ
وأسعى بمسافةٍ فريدة ْ
لا تتعدى لحظةَ الياقةِ اليتيمة
قد تنخلعُ البوابةُ فجأةً
ويعبرُ البوحُ بِلا مسافة ْ
بِلا قيامة ْ
وأنتشرُ هناكْ
حيثُ عُمري المنتظِرْ
في يقينِ أُمِّي
في عينِ أُمِّي
مِنْ كفَّيها نحو السَّماء
يُطلُّ ربيعُ الملائِكْ
وتدلفُ مِنْ عيني منازلُ القَمَرْ
والزيتُ الأَزَليْ
يطفو على الشاطِئِ الأيمنْ
مِنْ سراجِ أُمِّي
مِنْ وَجْهِها المِشكاة ْ..

هُنا..
في حضنِ أُمِّي صلاةٌ لا تنقطِعْ:
سبحانُكَ ربِّي.. رجعتُ صغيراً
وعدتُ مَلاكاً بحُضِن أُمِّي.

  • نُشرت في جريدة السفير اللبنانية عدد 17/8/2009

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى