“نو شو NÜ SHU “اللغة السرية للنسوة الصينيات.
“نو شو NÜ SHU “اللغة السرية للنسوة الصينيات.
في خريف ٢٠٠٩ توفيت يانغ هوانهي و قد شارفت على إكمال قرن من العمر…مع قدميها اللتين تقزمتا بسبب ثقافة القمع ضد النساء في عصرها، هي كانت المرأة الأخيرة في عصرها القادرة على الكلام بلغة ال “نو شو” .. اللغة الغريبة السرية و الحصرية للنساء .
“”نو شو”” تعني حرفيا ” كتابة النساء” و قد ولدت هذه اللغة في المجتمع القروي كطريق للهروب و كأداة للتمرد ضد مجتمع ذكوري بشدة، و بالتحديد ظهرت هذه اللغة في هونان في جنوب الصين ، هونان هي منطقة الادغال الرطبة و المروج الشاسعة الغنية بالأرز و رواسب المعادن , مجتمع هونان بغالبيته قروي و النسوة هناك و كأنهم خلقن كي يعشن و يمتن مثل الوحوش ، المرأة ممنوع عليها تلقي التعليم و الدخول إلى المدرسة أو حتى التعلم عن طريق حسابها الذاتي ، بل أكثر من ذلك ممنوع عليها أن تتمشى في الأحياء ، و عليهن أن يبقين في حالة الإنعزال طوال حياتهن.
يعشن تحت حراسة آبائهم ثم لاحقا تحت حراسة أزواجهم الذين يبعدونهن عن كل أفراد عائلاتهن منذ اللحظة التي يتزوجن بها. مهمتهن في الحياة فقط تنحصر في التطريز، الطبخ و الإهتمام بالزوج.
هؤلاء النسوة اللواتي اجبرن أن يكن أميات كل حياتهن، اخترعن ألفباء خاصة بهن، خلقن لغة سرية معقدة عاشت دون أن يلحظها الرجال خلال قرون، و هي على عكس اللغة الصينية المكتوبة التي تعتمد على الرموز ،حيث كل رمز يمثل كلمة ، فإن ال”نو شو ” تعتمد على ٦٠٠ من الرموز التي تدل على مقاطع الكلمات .
و هي تكتب مثل الصينية من الأعلى إلى الاسفل او من اليسار إلى اليمين. اللغويون و علماء الألسنية يعتبرون أن هذه اللغة وسيلة تواصل فريدة لأن لا مثيل محكي لها .
بالرغم من أن هذه اللغة اكتشفت عام ١٩٨٣ بفضل البروفيسور غونغ سيبينغ(GONG ZHEBING) عندما سمع سيدتين تتواصلان بلغة غريبة ، لكن يرجح أنها موجودة منذ القرن الثالث ، الدارسون و الباحثون في اصولها لم يتوصلوا إلى توافق في هذا الأمر و لكن الجدير ذكره أن هذا اللغة نجحت أن تمر فوق السيطرة الذكورية خلال قرون.
استخدمت لغة ال “نو شو” للتعبير عن العواطف المختلفة، و سرد انعكاس المشاعر ووصف الأشياء اليومية و كذلك لكتابة الأغنيات الفولوكلورية و الألعاب الحسابية و ترجمة قصائد صينية قديمة وكذلك لتبادل رسائل سرية مموهة كالرسوم التجريدية مطبوعة فيها المزهريات و المراوح و اللوحات، بين الأمهات و بناتهن و الأخوات و زوجات الأخوة اللواتي جسدن الشخصيات بشكل فني و حرفي . و قد ساعدت هذه الأساليب الفنية في عملية إخفاء الرسائل بطريقة مثالية.
من الملفات الأكثر شهرة في تلك اللغة “نو شو” هي “رسائل اليوم الثالث” وهي رسائل من الأمهات و الأخوات التي تكتب على قطع من القماش تتضمن نصائح و إرشادات للمتزوجات حديثا،و ترسل في اليوم الثالث للزواج، لأن الزواج كان قاسيا فالفتاة كانت مجبرة أن تترك قريتها و تذهب الى قرية جديدة و تعيش مع رجل لم تره قط من قبل .
و كذلك لا تقل أهمية رسائل “الأخوات المحلفات” و ما زالت هذه العادات حتى يومنا هذا ، حيث تقسم النساء فيما بينها إثنتان إثنتان قسم الدعم لبعضهما. و هذا تمرين قديم على تقوية أواصر الأخوّة. و بعض هذه الرسائل ترجمت منها على سبيل المثال :
الرجال يجرأون على الخروج من البيت و مواجهة العالم الخارجي و لكن النساء لسن أقل شجاعة منهم، إن النساء خلقن لغة فيما بينهن لا يعرفها الرجال ، نحن علينا إرساء علاقات أخوية بيننا منذ الصبا و أن نتواصل عبر لغتنا السرية ، الرجال يمتلكون ملكة الكتابة و لديهم كتب و نصوص و هم فاضلون، و نحن ايضا لدينا لغتنا و نصوصنا و كتبنا و نحن ايضا فاضلات.
قليلة جدا النصوص الاصلية التي وجدت من “نو شو ” و ذلك بسبب أن لا يكتشف أمر هذا الأسلوب من التواصل السري ، الأرجح انه كان يتم حرقها في اللحظة التي تقرا فيها و من ثم دفنها إلى جانب صاحبتها ساعة موتها ، و كذلك فإنه خلال الثورة الثقافية تم تدمير آلاف النصوص خوفا من أن تتحول إلى لغة سرية و من جهة أخرى خشية الأوصياء الحمر و سعيهم إلى مهمة طمس اي مؤشر إلى الثقافات القديمة . لكن بعد الثورة الشيوعية و عندما حصلت المرأة على حقها في التحصيل العلمي، وقعت لغة “نو شو” في الإهمال .
حاليا لغة” نو شو NÜ SHU ” تعتبر وسيلة جذب سياحي ، في عام ٢٠٠٦ سجلت هذه اللغة في لائحة التراث الثقافي الوطني و بعد عام من ذلك افتتح متحف و مكان في جزيرة PUWEI : حديقة” النو شو ” يتضمن و يعرض فيديوهات، لوحات و معارض تزين الجدران و يعطى فيها الفتيات دروسا في التطريز
وكثير من النساء في الجزيرة يكتبن “رسائل اليوم الثالث “باللغة” نوشو “و يترجمونها إلى لغة الماندارين على قطع من القماش و بإطارات مطرزة و يبيعونها للسياح و الطلاب في الجزيرة .
و هكذا فإن إعادة إحياء هذه اللغة كإرث تاريخي و فني في الجزيرة شكل مصدرا لتمكين النساء و نيلهن مصدرا للرزق و الاستقلالية.
ترجمة و اختيار سمية تكجي المصدر/ cultura inquieta