أدب وفن

التشابه الثقافي في الأمثال العربية والصينية – الفصل السادس


بحث للباحث والمفكر البروفيسور تشو ليه سليمان الصيني رئيس جامعة الدراسات الدولية في بكين


“حصاد الحبر ” نشرت الفصول الخمسة الأولى من البحث، واليوم تنشر “حصاد الحبر الفصل السادس و الأخير ، يتحدث عن العفّة و التمسّك بالعدل و المحافظة علي الشهامة و الإباء . 

العفّة و التمسّك بالعدل و المحافظة علي الشهامة و الإباء

 ان العفّة من العرف الأخلاقي المبدئي للمجتمع الانساني، وهي تعني عدم الطمع في الأموال والثروات وان يكون الانسان نزيها شريفا.و من مفاهيم الأخلاق التقليدية أن العفّة او النزاهة أساس السياسة وأصل الحكم و السلطة. فالحاكم النزيه المستقيم مسجّل في التاريخ و ذائع صيته بين الجماهير. وان عمر بن الخطاب ثاني الخلفاء الراشدين الأربعة خير نموذج للنزاهة و العدل عند العرب . و بوقونغ الوالي المشهور في أسرة سونغ خير نموذج للنزاهة والعدل عند الصينيين وترى كلتا الأمتين العربية والصينية ان العفّة اكرم من الابتذال والعفة شرط من الشروط التي تضمن النصر والنجاح وان العدل أهم من العبادة.

 وإن المحافظة علي الشهامة والإباء من مضمونات المبادئ الأخلاقية وهي متعلقة بموقف الانسان في مواجهة الغنى والفقر، الحياة والموت، الشرف والذل، المصلحة والسلطة. وقال كونفوتشس: يمكن ابادة قائد الجيوش ولا يمكن اهانة شرف جندي . وقال مون تسي العالم الصيني المشهور: يجب على الانسان ان يتمسك بشرفه سواء أكان غنيا أم فقيرا،أم مهيبا. و يرى العرب أنة علي الانسان ان يختار المنية ولا الدنية، النار ولا العار، وأن التحمل على العطش أفضل من شرب الماء الفاضح، اذ أن العفة والتمسك بالعدل والمحافظة على الشهامة والإباء من العرف الاخلاقي التي تدعو اليها الأمة العربية وهي منذ العصور الماضية أثّرت في حياة الجماهير العرب اليومية، وبطبيعة الحال

انعكست عنها الأمثال العربية بصورة واضحة.مثلا:- 

العفّة أكرم من الابتذال.

– عدل ساعة في حكومة خير من عبادة مئتين سنة.

– من سلمت سريرته سلمت علانيته.

– آكل لحمي ولا أدعه لآكل.– المنية لا الدنية.

– النار لا العار.

 يري الصينيون أن الموت من الشعب والوطن شريف والموت الشريف أحسن من الحياة الذليلة والموت واقفا خير من الحياة راكعا، أنة على القلب أن يكون صافيا مثل الماء وعلى العظم أن يكون قويا مثل خشب صلب،على الانسان أن يكون عفيفا عادلا مستقيما في السلوك، صريحا في الكلام، مخلصا في معاملة الناس لا يسعي وراء المصالح والشهوات الشخصية. والأمثال الصينية التي تنعكس عن هذه المفاهيم كثيرة، مثلا:

– النزيه نظيف الكفّ عظيم الهيبة.

– العدل كنز الحياة.

– اذا كانت قامتك مستقيمة فلا تخف من ميل الظلّ.

– ميتة بطولية خير من حياة ذليلة.

– لا تكسب الأموال بطريقة غير شرعية.

– الموت شريفا خير من الحياة معيبا.

ان الحضارة منبعها الانتاج والحياة، لذا تنعكس   ميزتها علي الانتاج والحياة، وفي نفس الوقت تنعكس الحضارة عن الانتاج والحياة. والامثال العربية عنصر مهم من عناصر الحضارة العربية، وهي تنعكس مباشرة من حيث المضمون عن سمات انتاج الأمة العربية وحياتها، كما تجسّد الحضارة الروحية للأمة العربية. فهي تدعو الى طلب العلم بلا كلل ولا ملل، اذ ان العلم ثروة لاتنفد، والى الحذر في الكلام ومعاتبة المبالغة والكذب، والى الاستقامة والعدل والصدق والالتزام بالوعد، والى الكرم والسخاء ومعارضة البخل، والى التواضع ومعارضة التكبر، والى التسامح و الصبر ومصادقة الأصدقاء المخلصين ومعاتبة النفاق والخيانة، والى المحبّة والتضامن ومعارضة الحقد والعداوة، والى العفّة والمحافظة على الشهامة والإباء ومعارضة مخالفة القانون والنظام والطمع في الاموال والثروات، والى احترام العمل والجدّ فيه والتقشف والتمسك بالموقف الايجابي والواقعي في الحياة ومكافحة البطالة. ويجب الاشارة الى ان ما ذكرناه في هذا البحث جزء يسير من اخلاق الأمتين العربية والصينية التي انعكست عنها أمثال هاتين الأمتين. وهناك الكثير الكثير ينبغي ان نتعمّق في بحثها ودراستها. ولكن مما ذكرنا عرفنا اكثر عن عظمة أمتينا وعظمة الحضارة التي خلقتاها.


حقوق النشر و الطبع محفوظة لصالح الباحث و يرخص بالنشر عبر موقع مجلة حصاد الحبر  اللبنانية من قبل الباحث ومركز الشرق الأوسط للدراسات والتنمية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى