رسالة الدُّكتور وجيه فانوس، رئيسُ المركز ِالثَّقافِيِّ الإسْلامِيِّ، لِمُناسَبَةِ حُلولِ شَهْرِ “رَمْضَان” المُبارَك.
رسالة الدُّكتور وجيه فانوس،
رئيسُ المركز ِالثَّقافِيِّ الإسْلامِيِّ،
لِمُناسَبَةِ حُلولِ شَهْرِ “رَمْضَان” المُبارَك.
بسم الله الرّحمن الرَّحيم
أَخَواتي وأُخْوانِي الكِرام،
السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
الحَمْدُ للهِ، رَبِّ العَالَمِين، الذي أَكْرَمَنا بِاسْتِقْبالِنا لِشَهْرِ “رَمَضان” المُبارَك، في هذا العَام؛
والصَّلاةُ والسَّلامُ على رَسُولِ اللهِ، مُحَمَّدٍ بنِ عَبْدِ اللهِ، نَبِيُّ اللهِ الذي دَعانا إلى الإسْلامِ؛
والشُّكْرُ، أَبَداً لِرَبِّ العالَمِينَ، الذي أَوْجَدنا، مَعْ أهْلٍ يَتَّبِعونَ هذا الدِّينَ الحَنيفَ، دينُ الفِطْرَةِ الإنْسانِيَّةِ السَّوِيَّة، التي ذَكَرَها اللهُ، سُبحانَهُ وتَعالى، في الآيةِ 30 مِن سُورَةِ “الرُّوم”، في مُحْكَمِ تَنْزيلِهِ؛ إذْ قالَ {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}.
ما مِنْ أَحَدٍّ، في هَذهِ الأيَّامِ القاسِيَةِ، أيُّها الأَخَواتُ والأُخْوَةُ، إلاَّ ويَأْلَمُ مِمَّا يُحِيقُ بِنا جَمِيعاً، في بَلَدِنا هذا، مِن مَآسٍ مُفْجِعَةٍ وأرزاءَ طاحِنَةٍ ونَكَباتٍ فتَّاكةٍ؛ وما يَتَحَصَّلُ عَن كلِّ هذا مِنْ إمْلاقٍ مُنتَشِرٍ وبُؤْسٍ مُسْتَشْرٍ ومَشَقَّةٍ مُحْبِطَةٍ. وهذا، جَمِيعُهُ مِنَ الأمورِ التي لَمْ تَشْهَدْ المُجتمعاتُ الإنْسانِيَّةُ مَثيلاً لها، سوى في أيَّام الحُروبِ الإجراميَّةِ الدَّاميَّةِ، وأَزْمِنَةِ الكوارِثِ الطَّبيعيَّةِ المَاحِقَة. ومع كلِّ هذا، ها نحنُ، نَفْرَحُ بِقدومِ شَهْرِ الخَيْرِ والبَرَكَةِ، شَهْرُ الألْفَةِ بَيْنَ النَّاسِ وزَمَنُ التَّراحُمِ فِيما بَيْنَهُم؛ استجابةً مِن أهلِ الإيمانِ، إلى دعوةِ الرَّحمنِ؛ إذْ نحنُ في أَمَسِّ الحاجَةِ إلى رَحْمَةِ اللهِ، سبحانَهُ وتَعالى، بِنا وتَلَطُّفِهِ بأحوالِنا؛ وكيف لا، وهوَ الذي قالَ في الآيةِ 2 مِن سُورةِِ “المائِدَةِ”، { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}.
الأملُ، أنْ نَكونَ، في هذا التَّراحُمِ، وما يَلْحَقُ بِهِ مِنْ تَّعاضُدٍ، مِنَ الذينَ ذَكَرَهُم العَليمُ الحَكيمُ واللَّطيفُ الخَبيرُ، في مُحْكَمِ تَنْزيلِهِ، في الآيةِ 3 مِنْ سُورَةِ “العَصْر” {الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}.
فَلْيَكُن لَنا، ونَحنُ نَعِيشُ رِحابَ هذا الشَّهرِ الفَضيلِ، الذي قالَ فِيهِ اللهُ، سُبحانَهُ وتَعالى، في الآيَةِ 185 مِنْ سُورةِ “البَقَرة” { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ}؛ فضيلةَ تَقوى اللهِ، وفضائلَ الخَيْرِ في حُسْنِ عِبادَتِهِ، وفيوضاتِ البَرَكَةِ التي سَتَهِلُّ عَلَيْنا، بإذْنِهِ ورُضاهُ، جرَّاء ما سَيُبْدِيهِ بَعضُنا تجاهَ بَعْضِنا الآخَرِ، من وشائجِ التَّوادِ وأَحوالِ التَّعاطُفِ والاسْتِباقِ إلى أَعْمالِ التَّعاوِن الخَيِّر، والتَّنافُسِ على فِعْلِ الخَيْرِ ورَفْعِ الضَّيمِ وحُسْنِ الأَداءِ وجَمِيلِ القَوْلِ؛ وليَكُن دَيْدَنُنا التَّباري في هذا، والاسْتِباق في مجالاتِهِ، مُمارَسَةَ تَقْوىً خاشِعَةً وتَأدِيَةَ إيمانٍ راسِخٍ بقولُ العَفُوِّ الرَّؤوفِ، مالِكِ المُلْكِ، في الآيةِ 26 مِن سُورةِ “المُطَفِّفين” {إِنَّ الأبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ عَلَى الأرَآئِكِ يَنظُرُونَ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ}.
نحنُ، أيُّها الأحِبَّةُ جميعاً، مُقْبِلونَ على شَهْرِ التَّنافُسِ الخَيِّر، وأَفعالِ الجُودِ والعطاءِ، في سبيلِ تَقوى اللهِ؛ وَسَعْيَاً، على المستويينِ، الفَردِيِّ والجَمْعِيِّ مِنْ كُلٍّ مِنَّا، إلى خِدمَةِ بَعْضِنا لِبَعْضِنا الآخَر، بما يُرْضي اللهِ. وإنَّنا، جَميعاً، في بلَدِنا هذا، وفي أيَّامِنا هذهِ، بِأمسِّ الحاجَةِ إلى هذا التَّنافُسِ، وإلى ما سَنَجْنيهِ جميعاً، بِإذنِ ربِّ العالَمين، المُقْسِطِ الجَامِعِ الغَنِيِّ المُغْني، مِنْ بَرَكاتِ اللهِ ورُضوانِهِ، وما فيهِ خَيرنا الاجتماعيِّ والإنسانيِّ.
كُلُّ سنةٍ وأنتم بخير.
بيروت، الأحد 29 شعبان 1442،
11 نيسان (أبريل) 2021.