مقابلات

حوار حصاد الحبر مع الأديبة حنان رحيمي

حنان رحيمي :مهمة الكاتب وضع الإصبع على الجرح و الدلالة على مواطن الضعف في المجتمع و إظهار ما خفي من قصص الحياة .
فوجئت، حين كنت في إحدى المدارس و كيف اجتمع حولي التلاميذ ،وأخبروني عن قصصي و ماذا استخلصوا منها من عبر …
الروائية و الشاعرة حنان رحيمي ، تعيش الأدب قصة وشعرا و في الحياة، تسبح في بحره ولكنها تجيد إبقاء قدميها على أرض ثابتة، و بينما أنا بين سطورها، في مجموعتها “بائعة الأعشاب ” ،أحسست بجيوش، و صهيل خيل و اصوات لا يمكن تجاهلها، فالكتابة بالنسبة لها، هي فعل حرية و تحرير ،شكل آخر من النضال و التمرد على أشكال الحياة التي تحيط بنا و تولد لدينا حالة الرفض تجاه العادات والتقاليد البالية ، تجاه الظلم بكل اشكاله، و كأن حبرها يقتات على الوجع، تلتحم بالقضايا حد العمق و تسمي الأشياء باسمائها، في سرد بسيط، عميق ،صريح، كثير الضوء في الأماكن الأشد ظلمة ، لن تتمكن وانت تقرا قصصها إلا أن تتوقف و تقول …هذا انا …او هذا فلان و فلان …. في مراياها، نرى وجوهنا و كذلك أرواحنا المثقلة بالف سؤال و لوم و بالف حلم يحتاج عيونا مفتوحة على الحياة …
كان لنا معها هذا الحوار في حصاد الحبر
-1 الكاتبة حنان رحيمي سنبدأ بالخاص لننتقل الى العام..
في مجموعتك القصصية “بائعة الاعشاب” مواضيع مختلفة وبيئات مختلفة..كيف تمكنت الى الولوج الى هذه البيئات ومعرفتها عن كثب؟.

ج- للكاتب عين ثاقبة وكاميرا خفية داخل روحه يرى ما لا يراه الاخرون…لذلك من واجباته ان يترصد هموم الناس ويوثق صورا لشرائح من المجتمع اقل ما يمكن ان توصف فيه انها فئات مسحوقة وهي نتاج من افراز واقع بغيض حيث تواجه هذه الطبقات صراعا مع المعاناة لا ينتهي..وتحيا واقعا قاسيا يفرط في قسوته على هذه النماذج البشرية البائسة..والذين لم يلقوا اي اهتمام من الدولة تلك الدولة التي لم تنظر يوما من عليائها لترى ما يحدث على ارض الواقع وخلف جدران البؤس..
من هنا ولدت مجموعة بائعة الاعشاب وباقي مؤلفاتي.
بائعة الاعشاب مؤلفة من 13 قصة كل قصة قضية..اضأت من خلالها على عدة قضايا ملحة على الصعد الانسانية والسياسية والاجتماعية…كبارالسن..والمعوقين..والارث..والزواج المبكر..والعمال الاسيويين..والحرب الطائفية وغيرها..لم احتج الى الخيال كي اكتبها لان واقعنا اغرب من الخيال..

-2 الكاتب عندما يكتب القصة وخاصة القصيرة يحس في اعماقه بانه ينقل رسالة..هل نجحت؟..ما هي غاية الادب؟ وهل ما زال قادرا على تغيير رؤى وقناعات الناس؟..

ج- اذا لم تكن كتاباتنا ساعي بريد يسلم رسائله الى حيث يجب ان تصل من المعنيين اصحاب القرار ومن نفوس نائمة في عتمة الجهل..فلا حاجة بنا لتأليف كتب يطويها القارئ وينام..
مهمة الكاتب وضع الاصبع على الجرح والدلالة على مواطن الضعف في المجتمع واظهار ما خفي من قصص الحياة…
نعم نجحت من خلال ما كتب من قراءات عن كتبي للعديد من الكتاب والنقاد العرب واللبنانيين..والطلب المستمر عليها ..ولكن للاسف لا يوجد منها حاليا في السوق بسبب نفاذ طبعاتها الاولى وعدم اعادة الطبع بسبب ظروف قاهرة…وايضا النجاح الذي افتخر به وصول رسالتي للناشئة.. من طلاب المدارس والثانويات التي اخذت مجموعات من كتبي لطلابها لانها وجدت فيها توجيها لهذا الجيل من نبذ للحروب والطائفية ودعوة لمحبة الانسان لاخيه الانسان واحترام عامل النظافة كما نحترم اي انسان ذو شأن ..
فوجئت حين كنت بندوة باحدى المدارس كيف اجتمع حولي التلامذة ..اخبروني عن قصصي وعما استخلصوه من عبر.. كانوا يحفظون كل كلمة منها..
قال لي احد التلاميذ: كنت اسخر من عامل النظافة وانظر اليه على انه انسان وسخ يعيش بين الاقذار..الان اصبحت احبه واحترم عمله …اقف الى جانبه بالشارع احدثه واشكره على تعبه لاجل نظافة شوارعنا..
واخر قال: لم اكن اعلم كم يعاني الانسان المعوق..كنت انظر اليه بسخرية واشعر بانني افضل منه لانني كامل الجسد..بعد ان قرأت قصة ابو حجر وقصة الساحرة تغيرت نظرتي واكتشفت ان الاعاقة الحقيقية هي في عقول الاشخاص الذين بلا ضمير ولا انسانية.. واصبحت اراه انسانا طبيعيا غير مختلف عني لا بل افضل واقوى.

س- بين ما يقول الراوي وما يشعر به القاريء مساحة مشتركة كيف تصلين الى قلب القاريء واحساسه؟

ج- لانني اكتب واقعه ..اكتب منه وله…اكتب من شوارع الذل والقهر الى سلطة المال والطبقية…باسلوب جريء مبسط مما جعل كتاباتي تدخل عقل وقلب القارئ على امتداد الوطن العربي..فلا يوجد انسان في هذا الزمن بلا معاناة..
هذا القارئ الذي وجد نفسه ومعاناته في مكان ما من قصصي..وجد لحروفي افواها تبادله الحديث من بين السطور وتفتح له باب النقاش مع ذاته ..
وايضا قدرتي على تقمص اي حالة انسانية اواجهها ..اتخيل نفسي مكان هذا الانسان واكتبه.. وعلى سبيل المثال هناك قصة في كتاب بائعة الاعشاب عنوانها مقبرة الاحياء..ثمة الكثير من هذه المقابر التي تسمى “دور العجزة” منتشرة في مجتمعاتنا ندفن فيها اهلنا في اواخر حياتهم وهم احياء..زرت العديد من هذه المقابر..رأيت ما لا يصدق من عذاب انساني.. رأيت جهنم..احترقت بنارها حين وضعت نفسي مكان عجوز تسعينية كانت تحتضر وحيدة في غرفة باردة والعاملة تصب جام غضبها وهي تنظفها بقرف شديد…هذه القصة تمثل كل مخلوق في هذا الكون فهو يوما ما سيصل الى العجز وسيتمدد على سرير هذه العجوز..

5- “الفايسبوك” قصة قصيرة في مجموعتك, ما هو رأيك عن السوشيل ميديا والإنغماس فيها, وما هو تأثيرها على الذائقة الادبية؟

-ج مواقع التواصل الاجتماعي والتي اصبحت لا اجتماعية..سرقت الكثير من جمالية ودفء حياتنا..واخلاقياتنا…ساهمت بتفكيك الروابط العائلية وساعدت على الانحراف..اخذتنا الى التخلف عوضا عن التطور.. السوشيل ميديا لها ايجابيتها وسلبيتها …بقدر ما كان يجب ان تاخذنا الى التطور اخذتنا الى التخلف.. اظهرت كبت مجتمعاتنا..حولت بيوت الناس الى زجاج يرى الجميع ما بداخلها…الفايسبوك اصبح بحرا للنفاق وصلت الامور ببعض الناس لاخذ صور وفيديوهات لهم مع جثث الاموات ومع انسان يعاني سكرات الموت..واثناء الصلاة…لم يعد بعض الفايسبوكيين يتركون صحن طعام او كوب عصير ينزل في بطونهم قبل عرضه على الفايسبوك…رأيت صورة اثرت بي حتى الجنون
حين قام احد الاشخاص ذو مكانة اعلامية وثقافية باخذ صورة سلفي لوالدته اثناء لفظ انفاسها الاخيرة..تخيلته حيوان جائع يبحث من خلال نشر هذه اللحظة الرهيبة عن علف اللايكات والتعليقات…ومن ايجابياتها انها ساهمت بانتشار الكتاب والتعريف بالكاتب.. وبنفس الوقت ساهمت بانحدار الثقافة بسبب الكم الهائل من المواقع والمنتديات التي تنشر السيء من الكتابات واعطاء الشهادات والالقاب لمن لا يستحقون..حيث نرى شهادات التقدير تمطر على صفحات الفايسبوك لتلاقيها عاصفة من اللايكات والكومنتات ممن لا يقرأون.فاصبح اكثر الفايسبوكيين شعراء وادباء ودكاترة وسفراء.

6_ما هي التحديات التي تواجهها القصة العربية لاختراق ابواب العالمية؟
_ج…التحديات كثيرة ..اصبح لكل امور حياتنا مافيات حتى الثقافة والادب…
7_ هل لديك طقوس خاصة في الكتابة متى تكتبين؟..

ج_ اكتب ليلا وبالظبط عند الساعة الثانية فجرا لا اعرف سر هذا التوقيت كل ما اعرفه انني في هذا الوقت تشرئب حواسي وتتزاحم افكاري فانسى ما حولي ولا يبقى سوى نسمات الليل تعبق في ارجاء روحي فانا لا اكتب في غرفة مقفلة حتى في الشتاء اكتب على الشرفة…
8_ روائيين قرأت لهم…
أ_ جعلك تحبين الادب
ب_ أثر بك حد الدمع
ج_ ألهمك وحملك على الكتابة

__ج_قرأت للكثير من الادباء …تأثرت بمن كتبني..ولكن من الهمني وحملني على الكتابة هو رفيقي بالصف وانا طفلة في التاسعة من عمري…تعرض رفيقي للذل والاهانة من ادارة المدرسة لانه لم يدفع القسط مات والده ووالدته مريضة كان يطرد يوميا من الصف كنت اراه يبكي بحرقة هو التلميذ المتفوق..تخيلت نفسي مكانه..تألمت كثيرا لم احتمل ان اكون مكانه..فكرت ان اساعده اوحى لي عقلي الطفولي ان اكلم الادارة ولكني لم اجرؤ لانهم سيسخرون مني..خطرت لي فكرة كتابة رسالة للمدير..وكتبت الرسالة..فإذا بها قصة..انهالت علي كلمات الثناء والاعجاب وفاخر معلم العربي بنفسه وبتلميذته..ولكن احدا لم يلتفت الى رفيقي ولم يحاول احدا مراعاة ظروفه ومساعدته…مات رفيقي دهسته سيارة..واكملت طريقي بقلم موجوع لا زال موجوعا لان الزمن غادرته الانسانية منذ ازمنة…تذكرني هذه الحادثة بزمننا الحاضر ..القصص ذاتها والظلم ذاته..لا زلنا مكاننا لم يتحرك بنا الزمن…

_ س…الجوائز الادبية هل كلها تكون بمثابة دليل على مستوى الجودة الادبية؟ حدثينا…

_ج…طبعا لا…طالما هناك جوائز مدفوعة الثمن مسبقا…وما اكثر الدكاكين التي تبيع التكريمات دولية وعربية ومحلية وكل تكريم مطبوع عليه ثمنه…وكم من مدعي الكتابة حصلوا على جوائز واوسكارات من منظمات وهمية مكتوب محفور عليها: الكاتب الكبير والشاعر الاكبر..دون ان يكون لديه اي اصدار.. وايضا بعض المنتديات في كل امسية شعرية ياتون باكداس من الشهادات..يصطف المكرمون بالطابور من حاملي لقب شاعر او كاتب لاستلام شهادات على ابداعهم دون ان يعلموا على ماذا يتكرمون وما صفة من يكرمهم..لتبدأ بعدها هجمات التهنئة والتبريكات على صفحات الفيسبوك.
بالنسبة للتكريمات التي حصلت عليها كانت من جهات تقدر الادب..اذكر منها درع تقدير من نادي القراء بمدرسة راهبات سيدة الرسل زحلة..درع من الجنرال الركن جوزف روكز..شهادة من رئيس جامعة بابل..ووسام الابداع الدولي..اثناء مشاركتي بمؤتمر الابداع الدولي في العراق..وجائزة بمهرجان دولي بمصر دورة الاديب سعدالدين وهبة..وشهادة من مهرجان العنقاء الذهبية الدولي..ودرع من وزارة الثقافة وبلدية الشويفات..وغيرها العديد من التكريمات.
_ س…ما هو مشروعك الادبي الجديد؟

_ج…لدي ثلاثة مسودات..مذكرات بائع يانصيب رواية..ريتا مجموعة قصصية…بالاضافة الى ديوان شعر..ولكن الحالة الصحية والعصبية لابنتي التي هي من ذوي الإحتياجات الخاصة وتحتاج الكثير من العناية.. ما جعلني افقد الوقت للكتابة..

السيرة الذاتية
حنان رحيمي كاتبة روائية وشاعرة
عضو إتحاد الكتاب اللبنانيين
عضو نقابة الفنيين السينمائيين في لبنان
عضو مجلس الادباء والمثقفين العرب
نائب رئيس جائزة الاكاديمية العربية
مؤسسة ورئيسة منتدى بيت النجوم الثقافي
ناشطة في مجال ذوي الاحتياجات الخاصة
صدر لها:
ديوان جنى المطر
رواية حياة في منتصف الموت
مجموعة قصصية بائعة الاعشاب طبعة ثانية
مجموعة قصصية الانتحاري والفول طبعة ثانية
وقيد التحضير مجموعة قصصية بعنوان ريتا
بالاضافة الى مشاركتها بعدة كتب
نالت العديد من الجوائز والتكريمات منها جائزة مهرجان العنقاء الذهبية الدولي..وجائزة القصة في مهرجان همسة الدولي للاداب والفنون في القاهرة دورة الاديب عبد الجليل وهبة…ووسام الابداع الدولي وشهادتي تقدير من جامعة بابل ومن ملتقى الابداع الدولي في العراق..

-احتل اسمها الى جانب عمالقة الادب العربي من خلال ثلاث دراسات عن كتبها في كتاب “إبداع الغربة أم غربة الإبداع؟”..للكاتب والباحث والناقد العراقي كامل الدليمي.
– دخلت مؤلفاتها الى عدد من الثانويات والمدارس اللبنانية وتم تكريمها من عدة مدارس.
– لها عشرات المقالات الصحفية في الصحف اللبنانية والعربية والمواقع الالكترونية.
لها عدة قصائد مغناة..
ترجمت مجموعة من قصائدها الى اللغة السريانية والانكليزية
-أحيت العديد من الامسيات الشعرية.
– نظمت عدد من المهرجانات في مناسبات وطنية واجتماعية
– اقام عدد من المنتديات الثقافية ندوات حول مؤلفاتها.
تم انتاج فيلم من تأليفها بمصر من اخراج وفاء رمضان يعرض حاليا في فرنسا..
ومسرحية بعنوان ابو حجر بالعراق اخراج المخرج اسامة السلطان.

حوار : رئيسة التحرير
سمية تكجي

باقة من مؤلفات الاديبة حنان رحيمي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى