هاجرَتْ نحو صمْتِ المنافي زغاريدُ لم يكتملْ ريشُ أحلامِها في جنونِ الرياحْ
لكنها لم يزلْ في ثنايا الضلوعِ صهيلٌ لها خبُّأتْه الأماني بأعماقِها رغمَ كلِّ الجراحْ
قواريرُ مِن زرقةِ الفجرِ قد عَبَّأتْها الليالي وظلتْ تواعدُ طيفًا يلوحُ لها في الصباحْ
تنتظرُ العصافيرُ قدومَ الربيعِ تبحثُ عن أمكنةٍ آمنةٍ ظِلِّليلةٍ ودافئةٍ تبني فيها أعشاشَها لكي تؤدي صلواتِها وطقوسَها في تجديد الحياة … إلَّا نحن… نعيشُ خارجَ الفصول لا خريف يتيحُ لنا عريُه قراءة الحقيقة ولا شتاء يروي غيثُه ظمأَ الروح ولا ربيع يقوى عشبُه وزهرُه على حمْلِنا إلى الينابيع ولا صيف تطهرُنا شمسُه من عتم قلوبنا … ـــ فمَنْ نحنُ ؟!
وحده الغضب الجارف… آخر ما تدخره الخوابي في زوايا البيوت العتيقة… وحده الغضب… القادر على جرف واقتلاع كل ما تراكم على ضفتي النهر من قهر وعفن وحزن وهوان… لنتوقفْ عن إنتاج المزاح والنكات والهزار والشكوى والبكاء … ولنبدعْ مما تبقى فينا مِن حرارةٍ في مواقدنا شراراتٍ تشعل حطام أيامنا غضبا… وحده الغضب يرفعنا إلى موانئ الحياة… الغضب ثم الغضب ثم الغضب يُسقط هياكل الليل ويعيد لنا وجهَ الصباح…