جمال عبد الناصر رجل في امة وامة في رجل
جمال عبد الناصر
رجل في امة وامة في رجل
بقلم المحامي عمر زين*
جمال عبد الناصر الذي كان همه السد العالي المنوي اقامته بعدما بينت الدراسات اهميته في رفع الاقتصاد المصري الى الامام بقطاعاتها الزراعية وقطاعاتها الصناعية، فمنع فيضان النيل الموسمي، والانتهاء من الاضرار الجسيمة التي يلحقها بالمدن والقرى المشاطئة لمجراه، واستصلاح مئات آلاف الفدادين المصحرة، وتعميم نظام الري، وكهربة مصر بكافة مناطقها ومدنها وقراها، واستحداث قطاعات جديدة صناعية كانت غير متوقعة بسبب افتقاد الكهرباء، حيث من اجل كل ذلك كان السعي المتواصل دولياً وعالمياً للتمويل وتأمينه وخاصة من الدول العربية الغنية والبنك الدولي، التي انتهت كلها الى لا شيء خاصة عندما اعلن البنك الدولي انسحابه من تمويل السد، الا ان جمال عبد الناصر الذي ادرك واعياً ان ضغط الولايات المتحدة الاميركية ومعها دول الغرب هو الذي قاد البنك الدولي الى الانسحاب من التمويل، كان الرد التاريخي بقوله: اذا كان الغرب والبنك الدولي قد اقلعوا وانسحبوا من تمويل بناء السد، فنحن في مصر سنجد الوسيلة التي تمكننا من انشاء السد العالي، وكانت مفاجأته للبنك الدولي وللدول الغربية في خطاب الاسكندرية في 26/يوليو/تموز/1956: تأميم الشركة العالمية لقناة السويس واعلانها شركة مساهمة مصرية… لقد كان تأميم قناة السويس واستلام ادارتها فور اعلان جمال عبد الناصر لذلك في المهرجان حدثاً عالمياً، انتفض المحتل بإدارة القناص فكانت المؤتمرات، وكانت المفاوضات، وكانت الضغوطات، التي انتهت كلها بإعلان الحرب على مصر، والتوجه لاحتلال القناة من دول العدوان الثلاثي: بريطانيا – فرنسا – اسرائيل في 29/9/1956، وكانت مصر بالمرصاد قيادة وحكومة وجيشاً وشعباً بالمرصاد، واعلان جمال عبد الناصر من فوق منبر الجامع الازهر: “سنقاتل سنقاتل سنقاتل دفاعاً عن شعب مصر وحفاظاً على حقنا في القناة ولن نستسلم”. وانتهى العدوان بالخذلان وانتصرت مصر بقيادة جمال عبد الناصر.
وجمال عبد الناصر بالمكانة التي احتلتها مصر في الميدان العربي والعالمي بعد كسر احتكار السلاح، وبعد تأميم قناة السويس، وانتصارها في حرب العدوان الثلاثي، وانهزام دوله الثلاث، جعلت منه قائداً مصرياً وعربياً ودولياً عالمياً دفعته الى التطلع لبناء محور دولي (محور دول الحياد الايجابي) بمشاركة: جوزيب بروز تيتو رئيس يوغوسلافيا الاتحادية، وجواهر لال نهرو رئيس وزراء الهند، واحمد سيكوتوري رئيس اندونيسيا والصين الشعبية ووزير خارجيتها تشو أن لاي، وكان مؤتمر باندونغ 1956 في اندونيسيا تلك المناسبة العالمية التي اخرجت الى الوجود محوراً دولياً جديداً يقف بين المعسكريين التقليديين العالميين (المعسكر الشرقي الشيوعي والمعسكر الغربي الرأسمالي الاستعماري الامبريالي) متقلداً قيادة العالم الثالث بقاراته الثلاث آسيا وافريقيا واميركا اللاتينية، ومدافعاً عن امم هذا العالم وشعوبه وبحقه في الحرية والاستقلال وبناء مجتمعاته الوطنية المستقلة بكل كرامة سياسية واجتماعية، وكانت تبعاً لذلك نشوء حركات التحرير بالعنف الثوري تتوالد وتتواصل فيما بينها، فكانت هذه الثورات ظاهرة عالمية اثبتت شرعيتها ووطنيتها واستقلالها وخاصة: حركة تحرير فيتنام وتوحيدها وطرد الاحتلال الامريكي – حركة تحرير الجزائر واستقلالها وطرد الاستعمار الفرنسي – حركة تحرير كوبا وطرد النظام العميل فيها للمدعو الجنرال باتيستا وطرد الاستعمار الاميركي منها.
وجمال عبد الناصر، هو الرئيس الاول للجمهورية العربية المتحدة التي قامت في 1/2/1958 بوحدة مصر وسوريا، هذه الجمهورية التي كانت اول ردة فعل عربية على واقع التجزئة العربية الذي فرضه الاستعمار الغربي على اختلاف دوله الاوروبية: الانكليزية والفرنسية والايطالية والاسبانية والبرتغالية، هذا بالاضافة الى استلاب بعض المناطق العربية والحاقها بالدول المجاورة: فلواء الاسكندرون الحقته دولة الانتداب الفرنسي على سوريا بتركيا 1939، وعربستان العراقية الحقت بإيران 1935 ومدينتي سبتة ومليلية المغربيتين لازالتا تحت السيادة الاسبانية حتى الآن، واما الانتداب الدولي الذي اقرته وفرضته عصبة الامم المتحدة بعد انتهاء الحرب العالمية الاولى وعهدت به الى الدول المنتصرة، فقد بدا بكل وضوح انه نظام استعماري جعل فرنسا المنتدبة على سوريا تلجأ الى تقسيم سوريا الى خمس دول وهي: دولة دمشق، دولة حلب، دولة العلويين على الساحل السوري المطل على البحر الابيض المتوسط ودولة لبنان الكبير (1/ايلول 1920) ودولة جبل الدروز الى جانب سلب لواء الاسكندرون واعطائه لتركيا، اما بريطانيا المنتدبة على فلسطين والعراق فقد قدمتها دولة الانتداب الانكليزية هدية بوعد بلفور لاقامة وطن قومي يهودي صهيوني، وكل ذلك جاء مخالفاً لمحادثات شريف مكة والحجاز – ومكماهون الانكليزي بتمكين العرب من بناء وحدتهم العربية في حال اعلن شريف مكة الحرب على الاستعمار التركي، ولكن الذي حدث كان تطبيق اتفاقية سايكس –بيكو وزيري خارجية بريطانيا وفرنسا، تلك المعاهدة السرية على شريف مكة التي اعلنت للعالم من موسكو بعد انتصار الثورة البلشفية فيها، والتي انطوت ايضاً على انشاء المملكة العربية السعودية في عام 1926 بتوحيد منطقتي نجد والحجاز، وانشاء امارة شرق الاردن باقتطاعها من سوريا والحجاز، وانشاء مملكة العراق التي اعطيت الاولى للأمير عبدالله ابن شريف مكة والثانية للملك فيصل بعدما طرد من سوريا الى العراق بمعركة ميسلون التي خاضها الجيش الفرنسي ضد الجيش السوري واستشهاد وزير الدفاع السوري يوسف العظمة.
لقد كانت الثورة المصرية بقيادة جمال عبد الناصر ولم يمضِ على قيامها ست سنوات، وبعثه للحركة القومية العربية الواعية لوجود الامة العربية المتكونة بنتيجة عوامل تاريخية في الزمن المديد، وتأييدها العارم من جماهير الامة العربية فوق الارض التاريخية بين الخليج العربي والمحيط الاطلسي وتنظيماته الحزبية والشعبية المتطلعة نحو الوحدة، وبعدما رأت في شخصيته وآرائه وكتاباته الشخصية القيادة التي توسمت فيها الخير، وبعد هذه السنوات الست من الكفاح المتواصل – المشار اليه اعلاه – ان وحدة مصر وسوريا وحتميتها بهذا الزمن الواعد وبهذه القيادة التاريخية هو الموقف المستجيب للتاريخ وإرادة هذه الامة وهو الذي يقول:
” لقد كانت دولة كبرى في هذا الشرق، ليست دخيلة فيه ولا غاصبة ليست عادية عليه ولا مستعدية، دولة تحمي ولا تهدد، تصون ولا تبدد، توحد ولا تفرق، تسالم ولا تفرّط، تشد أزر الاخ والصديق، ترد كيد العدو لا تنحرف ولا تنحاز توكد العدل، تدعم السلام توفر الرخاء بقدر ما تتحمل وتطيق”.
*الأمين العام السابق لاتحاد المحامين العرب
بيروت في 14/7/2021