أدب وفن

سليمان ابراهيم: آمِنَة ناصر، تنثرُ أَوراقها على ضفافِ قلبٍ لتروي الزَّمان الآتي من رذاذ آهاتٍ لا تجفُّ!!

الشاعرة آمنة ناصر

الأديب سليمان يوسف إِبراهيم

كتبَها المِدادُ حتَّى أَغواني،
فأَيقَظَ سِحرُهُ عقلي،
وراودَ نورُهُ وجدانِي
يا طيبَها روحٌ تغاوَتْ؛
فدَغدَغَتْ بدِفئها الرُّؤَى:
قَطفًا لدانِياتِ الأَمانِي…
آمِنَةُ، بالحُبِّ آمَنَتْ دينًا،
فناصَرَتْهُ مذهبَ إِخلاصٍ
كالأَرزِ وإِباءِ النَّفسِ: غيرَ فانِيْ!!  
 
هُناك، تنتصبُ هامَةً بطيف امرأةٍ، صدرُها مِرجَلٌ من شعورٍ وقلبُها قيثارةٌ شَدَّت نياطَهُ أَوتارًا تُعندلُ الأَحاسيسَ عليها، بنبضِ حنانٍ وحنينٍ توقِّعُها الحانًا أُنثويَّةَ صادقةَ الوَقع في نفوس سُمَّاعها وقرّائها، بآهٍ فأخٍ تتلاحقان فوق السُّطور وفي إِثرها…. أَلفاها امرأةً تتناثرُ عاطفةً من قلبٍ موثوقٍ إلى فكرٍ،برذاذٍ من أَملٍ وطوفانِ حسرةٍ، الفرحُ خلَلِها شحائحُ ربيع عُمرٍ تحملُ الثّورةَ في قلبها وَقودًا يصلُها بمُجتمعِها، كما منه الوريدُ يُغذِّيه  بالدِّماء. حِبرُكِ آمنة ناصر، يضخُّ الورق بصرخاتِ ثورةٍ حتّى ارتواءٍ… نارُها، آنًا تئيدُ دِفئًا وآونةً اكتواء… خسارةُ الأَحبَّة،أُختًا فأبًا تُلظِّي روحَكِ فقدًا وتُهيضُ منكِ الجناحين هجرانًا يُعيقُكِ عن تحليقٍ، تارككِ مُتضوِّرةً إلى رفقةِ بسمة أُختٍ، وإِيماءة رضىً من هامةِ أَبٍ، لطالما احتضنَ أُمنياتِكِ وهدهدَ آمالَكِ عند كلِّ محطَّةٍ… كم دانَت بينكِ وبينهما من وشائجَ وروابطَ، قطعت جسر عبورها يدُ فراقٍ موجعة القبض!!
كتابُكِ آمنة ناصر، مُغرِقٌ يدمع الفِرقة، معجونٌ بمسحوق الوفاء؛ بعد أن غاب من دفتر يوميَّاتكِ مَن يليق بهما الوفاء الأَوّل. زرعتِ أَديم كتابكِ ببذور محبَّةٍ وطيب إِخلاصٍ من كفِّ سخاءٍ وراحتَيّ صدقٍ: فأتى صورةً مطبوعةً عنكِ؛ بظلالٍ وارفةٍ إِنسانيَّةً، يستظلُّ القارىء أَفياءَ قصائده… فمن قلبكِ، تتناثرُ المشاعر على درب كلِّ قلبٍ… وهاتيكَ العينان الرَّانيتان إلى الوجود ببسمة أَملٍ، بالرُّغم من فيض الأَلم، إلى كلِّ غدٍ وكلِّ وجهٍ يؤمُّ صفحةَ كتابكِ المُترقرق بأَمواجِ طيبةٍ ولا أَغنى، تعوَّدها منكِ كُلَّ مَن صادفكِ أو تعرَّف بكِ.

أَمَّا تلكَ الــ “قدّ” الإِحتماليّة، المُكرَّرة على عتبةٍ الإِهداء أَربعًا، فتليها تلك الــ “لن” النّاقلة فعلَ “أَنسى” إلى المُستقبل من الزَّمان، وكأَنّي بــ “لم” و “لا”، تسيقان الفعلَ مُضمَرتَين، لتحفظ حُبَّكِ لحبيبٍ لن تسمحي لحُبِّه أن يهجرَ فؤآدكِ…
تُخالجُكِ الإنفعالات ردَّاتِ فعلٍ لأَفعال حسٍّ،تنتابكِ مُتناوبةً على قلبكِ، لعُمرٍ من حُبٍّ صادقٍ، قريبٌ منكِ، أَحالَهُ الفراقُ وهمًا لن يتكرَّر، وإِن تحسَّستِه مُقيمًا بكِ ما دامت لكِ حياةٌ، وما فتئَ قلبٌ في صدرِكِ ينبضُ بشتّى صُنوف المشاعر المُتوقِّدة للغد البعيد!!
باكورتُكِ آمنة ناصر، لأَبٍ غاب ولأُختٍ عن ملاعب فرحكِ ذوَتْ، موصيتُكِ قبل رحيلٍ: حفظَ موهبتِكِ والعمل على إِنمائها، لأَنَّها رأت فيها خشبةَ خلاصٍ، لن تخذُلَ أَحلامَكِ بحبِّ عطاءاتٍ تتمنّينَ فيضها فوق أَشرعة الورق.وللأرز أَهديتِ كلماتِكِ لتستمدَّ مجدَ بقائها بين النَّاس من خاصّية خلوده!! وللحبيب “الحُلم القَصيِّ” أَهدَيتِ كلماتِكِ كذلكَ، لرُيَّما لأَنَّكِ لم تجدي بين الرِّجال رجُلًا، أَهلًا لطيبتكِ وعُمق صادق شعوركِ… ولستُ بلائمِكِ، لأَنَّ دون الحَظوة نُدرَةٌ.
رأى فيكِ مُقدِّمُ الأَثر، النَّاقد الدّكتور عماد يونس فغالي: “شاعرةٌ في رُتبة قلب” بكلِّ ما اكتنزتِ من صفات امرأةٍ امرأة، وسمَات أُنوثةٍ تطغى وتميِّز المضمون وتطبَع شخصكِ الشَّفيف المُرتقي عِلمًا والرّاقي حضورًا، فأتَت كلماته أَنوارًا تُضيءُ جوانب النِّتاج بتفاصيلٍ مُغنِيَةٍ… فبقيتِ بعد جواز غرباله مِمَّن “يُقدَّرون فيفيدون”، والنُّعمى لمَن يدخل محرابَ قلبكِ خاشعًا، ولكِ منه مَعينَ ابتكارٍ لا ينضبُ سيلًا، من نبع امرأةٍ بحنون الملامس تفيض، ولو مسَّ الأَلمُ مواجعَها…مِمَّا جعلَ نثرَ أَوراقكِ آمِنةُ، زرعًا ثابتَ الجذور، باسقَ الأَغصان،وارفَ الظِّلال مشاعرَ، يفيءُ إِليها ويجِدُّ بإِثرها، طمعًا بإنسانيّة كاتبتها المُغويَة المُتضوِّعة بجمالات أَحاسيسٍ تحيا في النَّفس مديدًا…
صدفتُكِ امرأةً “على ضفاف قلبٍ”تعيشُ الحياة بملئها، تنبسطُ فوق الورق أُمَّا، مُعلِّمةً، حبيبةً، إِبنةً وأُختًا، بكلّ ما فيكِ من سِمات الأُنوثة وراقي الحضور، تُزيِّنين المرأةَ بكلّ ما زرع الرّبُ فيكِ، أَمينةً على جمع ما فاضَ عليكِ، من مزايا الإنسان في شخصِك. شِعرُكِ يتطاولُ قِيَمًا ومبادئَ، بإحساسٍ مُغرقٍ بعاطفةٍ جيَّاشةٍ، وعطرٍ ينسكبُ قوافٍ من نَغم روحٍ لا يجفُّ طيبُه!
ولَكَم تركتِ بيروتنا، بأوجاعها وما أَلمَّ يها من عوارض هجرها أَلمًا، لا يهدأ بنا… ولا يستكين. ذاكَ أنَّ الوفاء فيكِ طَبعٌ طبعَ إبداعكِ بمختلف مضامينه وتجلّياته…   
آمنة ناصر، امرأةٌ أَنتِ، أَلبستْ من حَوكِ أَحاسيسها أَوراقَها الأَلمَ والحنينَ، لبُوس التَّضمين من غير التَّصريح، في مُعظم الوِقفات، تاركةً لقارئها مُتعةَ التَّلذُّذ باكتشاف مقاصدَ وتخمين نهاياتٍ…
فأَلفَيتُ طيّ الوفير من “مُتناثراتِك آمنةُ، على ضفاف قلب”، مشاعرَ تتناثرُ على شاطئ عُمرٍ، أَتمنَّاه مُزيَّنًا بِما تطيبُ له روحُكِ وتسكُنُ إليه نفسِك، دواءً من أَوصاب حياةٍ تتعتعنا آلامها، كما ونزهو ببعض أَفراحها آمالًا تتحقَّق…
أَمينةٌ على وفاءٍ تربَّيتِ عليه آمنة ناصر، أَراكِ بكلماتِكِ ترسمين الحنين شوقًا في روحكِ مكينًا، يغدو “خطَّ هوىً” ما امّحا، ما بين إِعجابٍ وعِتابٍ، تنشدين من خلاله: أن تكون كلمتكِ لحنَ حياةٍ لا يُنسى.
إِيمانُكِ آمنةُ، نهايةً، بدا لي مُستظِلًّا روحَ الله عبادةً خاشِعةً في محراب إِنسانيَّات تعيشينها، تبثِّينها الحياةَ وأَهلَها حِسَّ امرأةٍ رهيفٍ، تستدعي الأَحزانُ كما الأَفراحُ سيلَ مدمعِها سُقيا وإِنباتًا لامرأةٍ  تُحبُّ الحياةَ، بمثل ما تتعشَّقُ فصولَها، بنفسٍ مؤمنةٍ.
آمنةُ محمَّد ناصر، دُمتِ أَمينةً ما حييتِ، على لُغةٍ عربيّةٍ، أِردتِها مُشعَّةً، سبيلكِ لإِيصال ثورتكِ وكلّ ما ينتابكِ من راقي المشاعر، علّكِ لثورةٍ أُنثويّة مُعاصرةٍ، في وجه كلّ تظلُّمٍ وظُلمٍ يطال المرأة  تُعدِّين وتستنهضين من بين قرَّائكِ هِمَمًا وتشحَذين…
أَتركُ لكَ قارئي ختامًا، أن تقرأ “أوراقٌ متناثرة على ضفاف قلب”، داعيكَ إلى تذوّق الشَّهد من ثوله، لأَفضل هو، من توزيعه في قصعاتٍ باردة. 

  
عنَّايا، في 7-8-2021

الأديب سليمان ابراهيم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى