الشاعرة دلال موسى
في خضم الأزمات التي تعصف بالمجتمعات، سواء كانت سياسية، اقتصادية أو أمنية، تظل الثقافة الحصن الأخير الذي يحمي الهوية ويرسخ الانتماء . إنها ليست مجرد وسائل ترفيهية يتم التنازل عنها في الأوقات العصيبة، بل هي قوة مقاومة تنبض بالحياة وسط الخراب. الثقافة هي النور الذي يبدد العتمة، وهي الصوت الذي يرفض الاستسلام ويرفع راية الأمل في وجه اليأس.لكن هذا النور يحتاج إلى من يحمله، وهنا يأتي دور الإعلام الثقافي. إنه ليس مجرد ناقل للأخبار أو وسيط للإعلانات، بل هو سلاح في معركة الوعي. الإعلام الثقافي يسهم في تشكيل الرأي العام، في تسليط الضوء على قضايا الثقافة التي قد تغيب وسط ضجيج الأحداث المتسارعة. إنه المنبر الذي يربط بين إبداع المفكرين واحتياجات المجتمع، ويجعل من الثقافة قوى دافعة نحو التغيير، حتى في أصعب الظروف.
في هذا اللقاء، نفتح نافذة على هذا الدور الحيوي للإعلام الثقافي، ونناقش مع ضيفنا المتخصص كيف يمكن للإعلام أن يحافظ على بريق الثقافة ويعزز تأثيرها، رغم كل ما يحيط بنا من تحديات.
في فضاء الإعلام الثقافي، يبرز محمد عمرو كأحد الأسماء التي أعادت تشكيل مفهوم الإعلام ودوره في دعم الثقافة والإبداع. بخبرة واسعة تمتد على مدى سنوات، أسس محمد صفحته الرائدة “زمان الأخبار”، التي تحولت إلى منارة ثقافية تسلط الضوء على كل الأنشطة والفعاليات الأدبية والفنية في لبنان. من خلال هذه المنصة، لم يكتفِ محمد بنقل الأخبار فحسب، بل صنع مساحة نابضة بالحياة، حيث يلتقي الكتاب والشعراء والمبدعون ليعرضوا أعمالهم ويتواصلوا مع جمهورهم.”زمان الأخبار” ليست مجرد صفحة على مواقع التواصل الاجتماعي، بل هي مشروع إعلامي يهدف إلى تمكين الثقافة من الوصول إلى كل زاوية في المجتمع اللبناني. محمد عمرو، بروحه الريادية ورؤيته العميقة، جعل من هذه المنصة نافذة يطل منها المبدعون على العالم، وحولها إلى مرجع ثقافي يُحتذى به. في ظل مشهد إعلامي مليء بالتحديات، يواصل محمد رفع راية الإبداع، ليبقى صوت الثقافة حاضرًا وقويًا.في هذا اللقاء، نستكشف رحلة محمد عمرو مع “زمان الأخبار”، وكيف تمكن من تحويل شغفه بالثقافة إلى مشروع إعلامي ناجح، يحرك المشهد الثقافي اللبناني ويعطي المبدعين المساحة التي يستحقونها.
إذا كانت كل ثقافة تعكس نوعًا من “الحقائق” الخاصة بالمجتمع، هل تعتقد أن الإعلام الثقافي يعرض هذه الحقائق بشكل كامل، أم أنه يختار منها ما يتماشى مع القوى المسيطرة؟ وهل يمكن للإعلام الثقافي أن يكون يومًا ما حراً من هذه الضغوط؟
= الإعلام الثقافي إن لم يكن حراً فلا ضرورة لوجوده، ولهذا عند نقلنا أي أمسية نقدمها للجمهور، فإن دورنا هو النقل المباشر دون تدخل منا، وهذا ومن خلال متابعتنا لأننا لا نتدخل في ترتيب او مجريات أي نشاط .. لذا لا أحد يفرض علينا شروطاً لأن هدفنا ثقافي بحت وليبقى متابعو الصفحة على إطلاع على كافة الأنشطة الثقافية وفي كل مكان تسمح لنا الظروف والوقت بالتواجد في كل حدث ثقافي .
_ في عالم يتسارع نحو التحول إلى كل ما هو افتراضي، هل تعتقد أن القيمة الحقيقية للثقافة تتضاءل تدريجيًا؟ أم أن الإعلام الثقافي قادر على انقاذ جوهر الإنسان الذي يضيع في عالم مليء بالرموز والبيانات؟
= العالم وعلى كل المستويات تحول إلى ما يشبه العالم الافتراضي، وهذا ليس غريباً على كل المجتمعات فالكل مشارك بهذا العالم الافتراضي ..
أما موضوع الثقافة في العالم الافتراضي هو نفس الحال كما كان في العالم الورقي من صحف ومجلات .. ولا أظن أن الإعلام الثقافي قادر أن يقوم بهذا الدور الإنقاذي لأسباب عديدة، لأن من يتولى زمام الأمر لا يسعى إلى توعية الجمهور إلا من خلال شعارات، أضف إلى ذلك أنهم في كثير من الاحيان تزعجهم الكوادر المثقفة لأنها لا تطيعهم، إذ يفضلون من يتماشى مع رغبتهم وآرائهم وهم قلّة ممن يدّعون الثقافة ويعملون لترويج الزعامات السياسية .
_ هل سبق لك أن واجهت لحظة شك عميق حول جدوى ما تقدمه؟ وإذا كان الهدف النهائي للإعلام الثقافي هو إثراء الفكر، فهل تعتقد أنك تحقق هذا الهدف فعلاً أم أنك جزء من دورة إنتاج المحتوى التي قد تكون أحيانًا فارغة من المعنى؟
= نقوم بدورنا الإعلامي ضمن الإمكانات المتاحة ، فلا نقبل أي دعم مادي من أي جهة كانت. مهمتنا الإعلامية واضحة كوضوح الشمس ألا وهي الإضاءة على كل النشاطات الثقافية دون تفرقة ، وبعيداً كل البعد عن السياسة والاحزاب. ولا أظن أن ما نقدّمه يحمل أي محتوى فارغ، ربما هناك بعض العقول الفارغة التي تأمل أن يصمت المثقفون عن ممارسة دورهم الثقافي.
_ إذا كانت كل تغطية ثقافية تحمل تحيزات ضمنية، فهل كان عملك في تغطية النشاطات الثقافية والأمسيات فيه نوعا من هذه التحيزات ؟ وهل يمكن للإعلام الثقافي أن يكون صادقًا دون أن يخون المبادئ التي تفرضها متطلبات السوق؟
= استغرب سؤالك كاعلامية حرة.. لهذا أسألك ومن خلال معرفتك ومتابعتك لعملي هل لمستِ مني تحيزاً؟!
الإعلامي اذا خان مهامه فالأفضل أن لا يحمل هذا اللقب، مع العلم أن هناك الكثيرين ممن يحملون الألقاب ويخونون المبادئ المهنية ربما من أجل لقمة العيش أو لأن فرص العمل معدومة .. وقد ذكرت لك سابقاً أن عملي حالياً في المجال الثقافي لا مردود من ورائه لذا فإنني متحيز فقط لكل نشاط يخدم الثقافة.
_ هل تعتقد أن تغطية الثقافة أصبحت مجرد تسويق لمنتجات فكرية وفنية، أم أن هناك مكانًا لا يزال للفكر الحر والمتسامي عن المصالح التجارية؟ وكيف توازن بين دورك كناقل ثقافي وبين ضغوط الترويج والدعاية؟
= التغطية الثقافية اعتمدناه لأسباب عديدة منها أن العديد من الأشخاص لا قدرة لهم على تحمل نفقات النقل لحضور الأمسية، ثانياً هي لتعريف الجمهور على الشاعر والأديب من خلال بث الأمسية..
أما عن دورنا فنمارسه بعيداً عن الدعاية والإعلان لأن هدفنا إيصال الكلمة الراقية والفكر الذي يُثري الأدب إلى كل الناس .
_ هل يمكن للإعلام الثقافي أن يتصالح مع فكرة “النهاية”؟ بمعنى آخر، إذا كانت الثقافة قادرة على تقديم تأملات عميقة حول الموت والفناء، فهل تعتقد أن الإعلام قادر على تقديم هذه الأفكار دون أن يسطحها أو يفرغها من عمقها الفلسفي؟
= لكل بداية نهاية إلا في موضوع الثقافة والدليل أن الحفاظ على التراث الثقافي والأدبي حفر أسماء الكثير من الشعراء والادباء بماء من ذهب والدليل ان رغم غيابهم بالموت إلا أن أدبهم ما زال حياً وما زالوا حتى اليوم يشكلون علامة فارقة في المجال الثقافي ومثال يُحتذى به. وإن حاول البعض تغييب أي مثقف، فالاعلام الرصين سيظل حاضراً وضمن الإمكانيات المتاحة ليُنصفه ويوصلَ حرفه طالما هو مستحق .
_ كيف تتعامل مع الفكرة القائلة إن كل محاولة لتمثيل الثقافة في الإعلام هي بالفعل “تحوير” للثقافة؟ وهل تعتقد أن ما نقدمه من خلال الإعلام الثقافي هو مجرد إعادة تفسير للواقع، وربما ليس الواقع نفسه؟
= للأسف الإعلام لا يعطي الثقافة حقها من خلال برامج هادفة لنشر الفكر والأدب، والسبب لا يخفى على أحد وهو أن معظم المؤسسات الإعلامية تبحث عن التمويل، والشركات التي تقوم بالإعلان بعيدة كل البعد عن الثقافة لأنها عامل غير جاذب للمشاهدة وبالتالي لا جمهور ولذلك نفتقر إلى مثل هذه البرامج الهادفة .
من هنا كان هدفنا وبوسائلنا المتواضعة التركيز على الأدباء والشعراء والإضاءة على كل ما هو جديد وداعم للحراك الثقافي. ونحن نعمل بقدر إمكاناتنا المتاحة لنتغلب على الواقع ولا أنكر أن الظروف أحياناً تفرض نفسها علينا وتقلص من عطائنا، لا سيما أن الظروف اختلفت عما كان عليه الوضع سابقاً ..
_ إذا كان دور الإعلام الثقافي يتطلب منه التعامل مع الأسئلة الكبيرة حول المعنى والوجود، فهل تعتقد أنك تقترب من تلك الإجابات أم أن كل ما تفعله هو طرح المزيد من الأسئلة؟ وهل شعرت يومًا أن كل ما تقدمه قد يكون مجرد “تسلية” فكرية؟
= سأبدأ بالرد على سؤالك من الاخر عن أي تسلية تتحدثين .. وكل هذا الجهد والمتابعة من أجل ماذا؟!..
ربما لسنا من المؤسسات الإعلامية الكبيرة التي تتلقى الدعم المالي الذي نرفضه أساساً ولا نفكر فيه، لكننا نمارس دورنا بما يمليه علينا الواجب وضمن قناعتنا .. فالاعلام الثقافي باقٍ رغم كل محاولات تغييبه عن الساحة، وسنظل نمارس دورنا المستقل بكل شفافية ومصداقية..
_ إذا كان الفن والثقافة يسعيان إلى خلق نوع من “الخلود” للفكر البشري، فما هو دور الإعلام الثقافي في هذه العملية؟ وهل تعتقد أن الإعلامي قادر على منح الفن قيمته الحقيقية أم أنه يسهم في تحجيمه وتحويله إلى شيء مؤقت وعابر؟
= الخلود كلمة كبيرة ، دورنا معروف ونمارسه بالامكانات المتوفرة، فالإعلام يضيء على الواقع وليس هو المسؤول عن الواقع ..
أما محاولة تحجيمه وتحويله إلى شيء مؤقت وعابر فأظن أنه أمر صعب جداً طالما هناك من يسلط الضوء على دور الثقافة ألا وهو الاعلام الذي يعتبر الرئة الداعمة لكل النشاطات الثقافية التي هو واجهة المجتمع بكل تواجهاته الإنسانية والسياسية.
_ ما النصائح التي تقدمها للشباب الراغبين في دخول مجال الإعلام الثقافي؟
= نصيحتي المتواضعة لكل الراغبين في دخول مجال الإعلام والإعلام الثقافي تحديداً أن تؤمن بأنك حر و ألا تخضع لمن يطالب منك السير ضد قناعتك لأنك المسؤول المباشر عما تكتبه أو تقوله كاعلامي والتاريخ لا يرحم ..
حافظ على مبادئك ولا تكن مروّجاً لأفكار تخالف قيمَك الفكرية والإنسانية، والأهم أن تتعلم من أخطائك، وألا تفقد الشغف الذي يحفّزك للعطاء أكثر والنجاح.
في نهاية هذه الحلقة أتوجه بالشكر للأستاذ محمد عمرو على هذه الحلقة القيّمة وأيضا لفريق عمل مجلة كواليس ولكل المتابعين والأصدقاء والأحبة .
كنتم مع مديرة الصفحة الثقافية لمجلة كواليس : دلال موسى
مع كل الحب وإلى اللقاء في حلقة مقبلة من سيرة شاعر .
نقلا عن موقع كواليس