الشاعر والخبير التربوي حسن علي شرارة //
الحبُّ والزّواجُ:
متى وَجدَ الإنسانُ الحبَّ فقدْ وجدَ أساسَ الحياةِ والقوّةِ الّتي ينتصرُ بها على كلِّ عدوٍّ .
لولا الحبُّ لما كانَ لأيّ تفاهمٍ قيمة.
الحبُّ هوَ الرّابطةُ الأساسيّةُ لا الزّواجُ، فالزّواجُ يُكملُ الحُبَّ، ولا يُكملُ الحبُّ الزّواجَ .
فالحبُّ قضيةُ جمالِ الحياةِ كلِّها، وإشتراكُ النّفوسِ في هذا الجمالِ .
والزّواجُ إنعتاقٌ منَ الوحدةِ؛ لتحقيقِ وحدةِ الحياةِ .
وهوَ تعانقُ روحيْنِ، وتناغمُ قلبيِّن برباطِ المحبّةِ الجاهزِ أبدًا للعطاءِ الأتمِّ، والولاءِ الأسمى .
لا يقومُ الزّواجُ إلاّ على الحبِّ، ولا يقومُ الحبُّ إلاّ على الجمالِ .
فالزّواج عقدٌ اجتماعيٌّ يأتي فيه الشّريكانِ برأسِ مالٍ حسٍّيٍّ ومعنويٍّ .
وهوَ عقدٌ حبيٌّ وُلدَ وعاشَ ونما قبلَ العقدِ الاجتماعيِّ بأزمنةٍ، وليسَ العقدُ الاجتماعيُّ إلاّ الثّوبُ الخارجيُّ الّذي يجعلُ الزّواجَ شرعيًّا في الحياةِ الاجتماعيّةِ .
وهوَ مسؤوليةٌ اجتماعيّةٌ كُبرى، يقتضيْنا الزّواجُ توفيرَ عناصرَ فكريّةٍ نفسيّةِ هيَ غايةٌ في الدّقّةِ والأهميّة قبلَ الإقدامِ عليه، ذلك الإقدامُ الجميلُ الرّائعُ لحياةِ الإنسانِ واستمرارِه .
إنَّ الرّجلَ والمرأةَ ملكانِ مُتساويانِ، يتولّى أحدُهما الشّؤونَ الخارجيّةَ، والآخرُ الشّؤونَ الدّاخليّةَ في مملكةِ العائلةِ .
لأنَّ الزّواجَ تعاقدُ عقليْنِ واعييْنِ معنى المسؤوليّةِ المُترتبةِ عليهما، فهما عقلانِ قدْ قرّرا الحياةَ معًا، والتّعاونَ بمُنتهى الصّدقَ والنّبلِ والوفاءِ؛ لغرضِ الزّواجِ الّذي هوَ المثالُ في الرّصانةِ والثّقةِ بالنّفسِ .
يقومُ الزّواجُ على التّوازنِ الفذّ بينَ غمرةِ الحبِّ البالغِ أقصى درجاتِ الرّوعةِ والجمالِ، وبينَ يقظةِ العقلِ والنّفسِ البالغةِ سموّ الإدراكِ والقدرةِ على تحقيقِ كلِّ خيرٍ .
فالزّواجُ قبلَ كلّ شيءٍ، وفوقَ كلّ أمرٍ هوَ التزامٌ مسؤولٌ تجاهَ كرامةِ الأمّةِ والمجتمعِ لتأسيسِ العقليّةِ الأخلاقيّةِ الجديدةِ وغرسِها في بِنيةِ النّشءِ جسديًّا وعقليًّا، ثمّ تعهّدِ تنميتِها بقدوةِ الأخلاقِ والمناقبِ السّامية .
يحققُ الزّواجُ أغراضَه الحقيقيةَ حينَ تحصلُ لدى الزّوجينِ النّظرةَ الواحدةَ الكُليّةَ إلى الحياةِ والكونِ والفنِّ، إلى الحبِّ والجمالِ، إلى التّربيةِ والرّعايةِ، إلى معنى الأملِ وعواملِ تكوينِه، إلى معنى الألمِ وعناصرِ نشوئِه.
فالزّواجُ هوَ الخميلةُ لكلّ الجذورِ المولدةِ لأفراحِ الحياةِ وأتراحِها، وهو بؤرةُ الإشعاعِ والتّألّقِ للقيمِ والفضائلِ كلّها إذا نجحَ.
وفي كنفِ الزّوجِ الواعي يتوهّجُ حنانُ المرأةِ ليعمرَ الكونَ، ويغمرَ الوجودَ بذلاً وعطاءً .
وفي رحابِ الزّوجةِ الواعيةِ المُدركةِ ينطلقُ الزّوجُ رجلاً محلّقًا في فضاء الخلقِ والإبداعِ.
حينَ تتكاملُ هذهِ النّظرةُ من خلالِ مفهومِ الزّواجِ، ترتقي المجتمعاتُ، وتنجحُ العلاقاتُ بينَ الزّوجينِ.