أسماء وأسئلة : إعداد وتقديم : رضوان بن شيكار
تقف هذه السلسلة من الحوارات كل اسبوع مع مبدع اوفنان اوفاعل في احدى المجالات الحيوية في اسئلة سريعة ومقتضبة حول انشغالاته وجديد انتاجه وبعض الجوانب المتعلقة بشخصيته وعوالمه الخاصة.
ضيفة حلقة الاسبوع الشاعرة والإعلامية اللبنانية دارين حوماني
- كيف تعرفين نفسك للقراء في سطرين؟
دارين حوماني من لبنان، حاصلة على ماجستير في الإعلام، ومحررة وكاتبة في إحدى الصحف العربية. لديّ 6 مجموعات شعرية، وأنا عاشقة للكتب وللآداب والفنون بكل أشكالها.
- ماذا تقرأين الآن؟ وما هو أجمل كتاب قرأته؟
أقرأ كتب شعرية لفريناندو بيسوا ترجمها الصديق الشاعر إسكندر حبش إلى العربية. هناك عدد من الكتب هي الأجمل على قلبي، أحب بيسوا بكل كتاباته، أحب لسارتر “كلمات” و”الغثيان”، ولكافكا “التحول”، و”ذاكرة القراءة” لألبرتو مانغويل، و”إنسان مفرط في إنسانيته” لنيتشه، وغيرهم الكثير من سيلفيا بلاث ويانيس ريتسوس وآخرين. عربيًا أحب “خريف البراءة” لعباس بيضون، ربما كتاباته هي الأقرب إلى قلبي، وأحب “أوسمانتوس” لأدونيس وأحب “أشباح القدس” لواسيني الأعرج.
- متى بدأت الكتابة؟ ولماذا تكتبين؟
كنت صغيرة عندما بدأت أشعر بهذه الدودة في داخلي، شراء الكتب، كنت لا أزال في التاسعة من عمري عندما اشتريت قصصًا بـ”العيدية” التي أعطتني إياها أمي يوم العيد. بعدها بدأت أبحث عن مكتبات عامة، وكان هناك فقط واحدة في المنطقة التي كبرتُ فيها. كانت الحرب الأهلية اللبنانية مشتعلة في بيروت، فكنت أنتظر هدوء الشارع لأتمشى وأذهب إلى المكتبات العادية لأتصفح القصص، وأحاول أن أقنع البائع ببيعها لي بما جمعت من مصروفي الشخصي. هذه بداياتي الصغيرة التي تدفعك للكتابة باكرًا، وهذا ما حصل، فقد بدأت بكتابة القصص القصيرة في سن مبكر واحتفظت بها إلى الآن. ومنذ بدأتُ الكتابة كانت السعادة تفمرني كلما تمكنت من بثّ ما فيّ من شجن ومشاعر عميقة على الورق، ولا يزال هذا الشعور يخالجني إلى الآن، إنه نوع من سعادة غامضة، تمنحنا راحة كأن فيها علاجًا خفيًا لأحزاننا.
- ما هي المدينة التي تسكنك ويجتاحك الحنين إلى التسكع في أزقتها وبين دروبها؟
شارع الحمرا في بيروت، حنيني إليه خيالي، أشعر بموجة من الحزن كلما رأيته في الصور، فقد هاجرت إلى كندا منذ عام. بيروت كلها، عندما أراها في التلفزيون أشعر بقلبي يضعف. هو حنيني لها ووجعي عليها.
- هل أنت راضية على إنتاجاتك وما هي أعمالك المقبلة؟
الحقيقة إنني أحب عددًا من نصوصي الشعرية، لكن هناك نصوص شعرية نشرتها لكن حين أعود إليها الآن لا أشعر بالرضى عنها. ربما هو التقدّم في الزمن الذي يمنحنا بعضًا من النضج الفكري بالمقارنة مع أنفسنا في السابق. عندي مجموعة قصص لم أنشرها، بعضها قديم ويعضها حديث، أفكر أن أجمعها وأنقّحها، وأنشرها. أكتب رواية أيضًا، لكني أحاول قدر الإمكان أن أُبعدها عن سيرتي الشخصية، فكلما كتبت أشعر أني أذهب نحو الخاص، لذلك لا أعلم إن كنت سأنجح في كتابتها. ربما هي سلطة الرواية الأولى وما تأخذه من أنفسنا.
- متى ستحرقين أوراقك الإبداعية وتعتزلين الكتابة؟
عندما أشعر أني أكرّر نفسي ولا أكتب شيئًا جديدًا.. وربما عندما لا تعود الكتابة تشكّل لي ذلك الإشباع الروحي الذي أشعر به عندما أكتب..
- ما هو العمل الذي تمنيت أن تكون كاتبته؟ وهل لك طقوس خاصة للكتابة؟
منذ أيام كنت أقرأ لفريناندو بيسوا كتاب شعري بعنوان “دكان التبغ”، لا أدري كم مرة قلت هذه الجمل لي أنا، أنا التي يجب أن تكون كاتبتها.. بالنسبة لطقوس الكتابة، الموسيقى الحزينة تثير فيّ روح الشعر، وأحب الهدوء، وعادة أكتب قبيل شروق الشمس. هو الوقت المفضل عندي للكتابة.
8.هل المبدع والمثقف دور فعلي ومؤثر في المنظومة الاجتماعية التي يعيش فيها ويتفاعل معها أم هو مجرد مغرد خارج السرب؟
كان للمثقف أدوار مجتمعية حتى ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي عندما سقطت كل الأحلام العربية الكبيرة. الآن من يقرأ للمثقفين، ومن يسمعهم؟ وهل المثقفون يقولون ما يجب أن يقال؟! لا أعتقد ذلك.
- ماذا يعني لك العيش في عزلة إجبارية وربما حرية أقل؟ وهل العزلة قيد أم حرية بالنسبة للكاتب؟
العزلة الإجبارية ليست ممتعة، إنها قيد بهذا المعنى، ونحاول قدر الإمكان أن نستفيد منها لتحقيق ما فاتنا بسبب فوضى وضجيج الحياة. أما العزلة التي يختارها الكاتب فهي نتاج شعور دفين بالرغبة في الابتعاد عن العالم، وهي بهذا المعنى تجسيد للحرية. ربما الكاتب والشاعر لديه حساسية أكثر تجاه شرور العالم ولذلك هم أكثر الناس رغبة في العزلة.
- شخصية في الماضي ترغبين لقاءها ولماذا؟
أحب أن ألتقي بكل الذي قرأتهم والذين رحلوا. أنا عاشقة للكتب المترجمة، تحديدًا عن الفرنسية والألمانية، وخصوصًا فترة أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، وأنا أتمنى لو ولدت في ذلك الجيل الذي كان يمكن له أن يلتقي بكل الذي قرأناهم وأحببناهم.
- ماذا كنت ستغيرين في حياتك لو أتيحت لك فرصة البدء من جديد ولماذا؟
بالتأكيد طبيعة دراستك تحدّد لك مسار حياتك، كنت اخترت اختصاصات جامعية لها علاقة أكثر بالفنون.
- ماذا يبقى حين نفقد الأشياء؟ الذكريات أم الفراغ؟
يحدث الفراغ عندما نفقد الأشياء التي لم تكن تعني لنا كثيرًا، بمعنى أنها كانت حزينة، يصير الفراغ نوعًا من الفرح. أما الذكريات فهي ما يبقى بعد أن نفقد الأشياء الجميلة، التي يشكل فقدها خسارة لنا، ربما تصير الذكريات عزاء لنا..
- صياغة الآداب لا يأتي من فراغ بل لابد من وجود محركات مكانية وزمانية، حدثينا عن ديوانك الشعري الأخير “أشجار غير آمنة ” . كيف كتب وفي أي ظرف؟
كنت في حالة انفجار مكاني، والأشجار كانت حقيقة أن الأشجار تُقطع في بلادي بدون أي مبرر ودون أي ملاحقة. والأشجار هي أيضًا نحن، نحن اللبنانيون لا نشعر بالأمان في بلدنا “السعيد”، لذلك فإن المجموعة حافلة بالشعور بعدم الاستقرار، بالنقد الاجتماعي، وبالعالم المظلم..
- هل يعيش الوطن داخل الكاتب المغترب أم يعيش هو بأحلامه داخل وطنه؟
أعتقد أن الوطن هو المكان الذي نشعر فيه بالأمان العاطفي الحقيقي. أحيانًا يكون الوطن شخصًا بمعنى إنسانًا بالنسبة إليك. وأحيانًا يكون العالم كله هو وطننا ولافرق. الأمكنة التي نحمل ذكرياتها معنا هي التي تعيش فينا وتعيدنا إلى المكان دائمًا.. أينما كان هذا المكان، في بلدك أو في أي بلد في العالم.
- إلى ماذا تحتاج المرأة في أوطاننا لتصل الى مرحلة المساواة مع الرجل في مجتمعاتنا الذكورية بامتياز. إلى دهاء وحكمة بلقيس أم إلى جرأة وشجاعة نوال السعداوي؟
تحتاج إلى حاكم عادل لديه إنسانية. من كتب عن تحرير المرأة في عالمنا العربي قبل أي أحد، ليس امرأة. على المرأة أن تطالب دائمًا بحقوقها بكل شكل من أشكال الآداب أو الفنون، هناك نماذج نسوية سابقة رائعة وكان لها تأثير مهم وهناك نماذج حية ورائعة حاليًا، ولكن عندما تكون السلطة الحاكمة ذكورية ولا تريد التغيير، لا يمكن أن يحدث التغيير. خذ مثالًا في تونس الحبيب بو رقيبة، أنصف المرأة، لكن كم حبيب بورقيبة نحتاج، خصوصًا في لبنان..
- ما جدوى هذه الكتابات الإبداعية وما علاقتها بالواقع الذي نعيشه؟ وهل يحتاج الإنسان إلى الكتابات الابداعية ليسكن الأرض؟
بالنسبة للشعر، حاليًا جدواه محصورة بالكاتب ومحبي الشعر. بالنسبة للرواية، ربما تستطيع أن توصل بشكل أوسع قضايا إنسانية لها دورها في التأثير على وعي المتلقي. هناك الكثير مما يكتب في المسرح والسينما يلامس الواقع بشدة ويؤثر بشدة. ثمة جدوى حقيقية بكل شكل من أشكال الكتابات الإبداعية. والأرض هي التي سيصيبها الجفاف إذا لم يكن لدينا كتابات إبداعية.
- كيف ترين تجربة النشر في مواقع التواصل الاجتماعي؟
مواقع التواصل رائعة بقدرتها على إيصال الصوت بشكل أوسع، تقرّب المسافات بين جميع أفراد هذا العالم. الفايسبوك مثلا هو الذي عرّفني إليك، أليس هذا رائع أن تحصل على أصدقاء حقيقيين من خلال هذا الفضاء.. لا أريد أن أتحدث عن الجوانب السلبية له وأن الكل بات يكتب والكل بات شاعرًا بسبب الفايسبوك، بالنهاية الزمن هو الذي يُبقي من هو جدير بالبقاء.. أفكر فقط بالإيجابيات، وأجد أن تجربة النشر ليس لي فقط بل للكثيرين ممن لم يستطيعوا أن يدفعوا لدور النشر آلاف الدولارات من أجل أن تُسمع أسماؤهم باتت لهم مكانتهم الشعرية.
- أجمل وأسوء ذكرى في حياتك؟
ربما شعور الحب كان الأجمل، وشعور الخسارة كان الأسوأ.
- كلمة أخيرة أو شيء ترغبين الحديث عنه ؟
شكري الجزيل لك وتمنياتي لك بالنجاح والتألق الدائم..