أدب وفن

للحياة كلمة أخرى/ بقلم الكاتب محمد حسين

للحياة كلمة أخرى
تمشي الحياة على رأسها عندما نريد الرقص على أنغام موسيقى الرغبات ، تحشرنا في زوايا المثلث الحادة، لكن الروح لا تمل من معزوفة المحاولات .
شهد الطالبة الجامعية في السنة الثانية بكلية الطب المرغمة على دراسة هذا الفرع لأنه حلم والديها المنحدران من أسرة غنية، شهد الملفتة للإنتباه في ملبسها ومأكلها ومصروفها كانت محط أنظار الجميع الكل يرافقها يرحب بها يقرأها حسب رؤيته .
يوسف الطالب المنحدر من أسرة فقيرة جدا كان يدرس في نفس الكلية حيث كان محط أنظار أساتذته وزملائه على حد سواء لتفوقة،
يجاهد في سبيل استمراره في الجامعة رغم سكاكين الحياة لكن مرض والده المعيل الوحيد لأسرته قلب كل المعادلات، فبدأ يبحث عن عمل ليأخذ مكانه وكانت الجامعة حلمه وحلم أسرته الضحية الأولى لهذا القرار ، لم يعد يذهب إلى الجامعة افتقده الجميع وكانت شهد الأكثر تأثراً فهي المعجبة جداً بهذا الشاب الذي يحمل صفات مميزة أحبتها جميعاً دون أن تتحدث بها مباشرةً معه( هناك شيئا يمنعني من مصارحته حدثت نفسها ذات مساء )، هو كذلك أحب ثقافتها وذكائها لكنه في كل جلسة معها برفقة أصدقائه كان يسيطر عليه سؤال لم يجد له جواب ﴿ أنا وهي الفوارق كبيرة، يبدو أن الحياة ستحرمني حتى من الحب )
بدأ يوسف يعمل في مؤسسة دفن الموتى حفاراً للقبور ، تواصل غيابه الكبير عن الجامعة حتى أصبح مثاراً لأسئلة زملائه وأساتذته ، لم يستطع أحد التواصل معه ، في أحد الأيام جهز قبراً وانتظر صاحبه كعادته .
حضر المشيعين انتابه نوعاً من الحيرة والمفاجأة فقد كان أغلب الحظور من زملائه ، تقدم سمير صديقه القريب وعانقه بقوة
سمير : ماذا تعمل يا يوسف ولماذا ترتدي مثل هذه الثياب !؟
يوسف : أنا أعمل في مؤسسة دفن الموتى حفاراً للقبور
سمير : تترك الجامعة وتعمل في هذا العمل !؟
يوسف : إنها الحياة يا صديقي ، قل لي لماذا أنتم موجودين هنا ؟
سمير : لقد توفيت زميلتنا شهد بجلطة والبعض الآخر يقول أنها أخذت جرعة زائدة من الدواء وانتحرت لا أحد يعرف الحقيقة.
يوسف؛ ماذا تقول شهد؟
يبدو أن الحياة مستمرة في توجيه الطعنات لي الواحدة تلو الأخرى.
أحضر والدها وأشقائها النعش وبدأوا بإنزاله إلى الحفرة إلا أن النعش أبى أن ينزل ، تقدم يوسف منهم وطلب المساعدة لكن والدها رفض بقوة لأنه غريب ولا يجوز ملامسة جسدها ، استشار والدها الشيخ الموجود مع المشيعين وأخبره أن عامل المقبرة يريد المساعدة ، وافق الشيخ على مساعدته ، وضع يوسف يديه المرتجفتين على النعش لمساعدة أشقائها فإذا بالنعش يهرول نحو الحفرة، صدم الجميع من هذا الموقف حتى بدت علامات الحيرة تملأ وجه الشيخ. بعد الإنتهاء من مراسم الدفن
غادر الجميع بقي يوسف مكانه متسمرا أحسّ بشيء ما يحاول أن يفجر صدره ، جلس قرب القبر، أسند رأسه على طرفه غرق في نوم عميق جدا حتى بزغت شمس الصباح عليه في اليوم التالي، حارس المقبرة الذي تعود على أن يقوم بجولة صباحية داخلها شاهده هرع إليه هزه بقوة أطلق صرخات متتالية في كل الاتجاهات لكنه يبدو تأخر كثيراً.
محمد حسين..كاتب وقاص فلسطيني.. سورية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى