لبنان إلى أين سياسيًّا واقتصاديًّا في مطلع العام ٢٠٢٣؟
الجزء التاسع والثلاثون
لبنان إلى أين سياسيًّا واقتصاديًّا في مطلع العام ٢٠٢٣؟
الجزء التاسع والثلاثون
الإعلامية والخبيرة المُتخصّصة في شؤون الطاقة لوري هايتيان:
لبنان دخل في حالة تغيير كبير والطبقة السياسية الحاكمة تعيش في حالة إنكار كامل للواقع، ولا أُفق لحلّ سياسي واقتصادي قريب في ظلّ انشغال الخارج بمشاكله وأزماته، المُستقبل لم يعُد لقطاع النفط والغاز، ويجب البحث في الاستثمار في قطاع الطاقة المُتجدّدة؟!
حمُّود :
تتسارع الأحداث السياسية والاقتصادية والمعيشية والقضائية، حتى الأمنية في لبنان في مطلع هذا العام، وتتفاقم الأمور على كلّ الصُعد بوتيرة خطرة جدًّا، ما يُنذر بالارتطام الكبير الذي يندفع لبنان نحوه منذ ثلاث سنوات، وقد بات قريبًا جدًّا، يا لَلأسف الشديد! وكما تعلمون، أننا في ملتقى حوار وعطاء بلا حدود، وجمعية ودائعنا حقّنا، كنا قد بدأنا، منذ نحو ثلاثة أشهر، هذه الورشة الكبيرة الهادفة لتشجيع سُبل الحوار بين اللبنانيين عبر سبر أو استطلاع آراء بعض النخب السياسية والاقتصادية والحقوقية والإعلامية والفكرية والثقافية اللبنانية حول مجريات وآفاق وإمكانات تطوّر الأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية المُتوقّعة للبنان في العام ٢٠٢٣.
ويا للأسف الشديد أيضًا! فإنّ معظم مُداخلات النُخب التي استشرفنا آرائهم أتت سلبية للغاية؛ حيث عبّر الكثير منهم عن تشاؤم كبير وانسداد في الأفق السياسي والاقتصادي والاجتماعي، حتى الأمني الذي يقف في الأيام الأخيرة على كفّ عفريت، أو على حافةِ الهاوية السحيقة، إن لم نكن قد وقعنا أصلًا في هكذا هاوية، كما يعتقد جميع الخبراء! فهناك تخبّط كبير، وسجالات ونقير ونقار بين جميع مكوّنات السلطة السياسية والمالية، وكباش كبير قضائي- مصرفي غير مُتكافئ بسبب تقاعس معظم القضاة عن القيام بواجباتهم المطلوبة بنصرة المظلومين وإحقاق الحقّ للمودعين الذين فقدوا جنى أعمارهم وكل ما يملكون! والمُضحك المُبكي في أوضاعنا هو أنّ الجميع يرمون المسؤولية على الآخرين، ويقولون بأنّ المشكلة ليست عندنا بل عند المحور الآخر، واذهبوا واسألوهم، وهم من أوصلونا إلى هذا الحضيض! حتى أن حاكم البنك المركزي في مقابلته التلفزيونية الأخيرة رمى بكامل المسؤولية على الدولة، قائلًا: إن المصرف المركزي أقرضها المال، وإن أركان السلطة هم من هدروا وفرّطوا بكل هذه الأموال، وحاول أن يَظهر كالحمل الوديع الذي لم يرتكب أيَّ جريمة بحقّ شعب كامل طَوال سنوات حاكميّته المُمتدّة منذ أكثر من ٣٠ سنة!
والجلسات النيابية لانتخاب رئيس جديد للبلاد لم تؤدِّ إلى أي شيء، بل أظهرت أن هناك تشتّتًا وتمترسًا وتباعدًا كبيرًا بين اللبنانيين، وحفلة نكايات ونكايات مُضادّة لا يظهر أنها ستؤدّي إلى تصاعد الدخان الأبيض في المجلس النيابي عمّا قريب.
في هذا الجو الساخن على كل الجبهات نُكمل اليوم استشراف آراء النخب السياسية والإعلامية ونضع بين أيديكم مداخلة الإعلامية والخبيرة المُتخصّصة في شؤون الطاقة، السيدة لوري هايتيان؛ ولمن لا يعرفها فهي أستاذة جامعية، ومنسقة ل”حزب تقدّم” الذي نجح في إيصال نائبين إلى البرلمان، وهي خبيرة نفط وغاز في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تترأس محفظة تطوير القدرات البرلمانية في معهد حوكمة الموارد الطبيعية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والتي تُركّز على الأدوار التشريعية والرقابية للبرلمانيين العرب للتقدّم في إصلاحات قطاع النفط والغاز، وتعمل هايتيان مديرة لمعهد حوكمة الموارد الطبيعية، وعلى قيادة البرامج البرلمانية والإعلامية. وقد ساهمت في معرفة الصناعات الاستخراجية.
وقبل انضمامها إلى المعهد كانت المديرة التنفيذية للبرلمانيين ضد الفساد في المنظمة العالمية، حيث عملت مع برلمانيين عرب لتعزيز القدرات التشريعية للمُساءلة والشفافية.
كذلك فإن هايتيان مسؤولة عن مشاريع تعزيز دور المرأة، وصنع السياسات في البحرين واليمن وغيرها.
وعملت مديرة واختصاصية في مجال الدعوة القانونية، ومُدربة في الكثير من المنظمات غير الحكومية والمنظمة الدولية، بما في ذلك مجلس البحوث والتبادُل الدَّولي والمنظمة الدَّولية لتنمية التعاون الزراعي ولجنة الأمم المُتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا مع التركيز بشكلٍ أساسي على حملات الديمقراطية للمجتمع المدني في لبنان والعراق.
ترشحت هايتيان للانتخابات دورة ٢٠٢٢ في قضاء المتن، ولم يحالفها الحظ، وهي ناشطة حاليًّا في المجال السياسي والإعلامي، وقد تقدمت مشكورة برأيها ورؤيتها لمسار الأمور وتقييمها في لبنان، سياسيًّا واقتصاديًّا، وخاصة لجهة تطوّر مسار ملف النفط والغاز في لبنان. وهي كانت قد شاركت معنا في ندوة مهمة نظّمناها في ملتقى حوار وعطاء بلا حدود منذ سنة ونصف تقريبًا حول ملف ترسيم الحدود مع العدو الصِّهيوني في إطار الحملة الوطنية التي نظّمناها للضغط لتعديل المرسوم ٦٤٣٣ بمشاركة نخبة من الخبراء والمعنيين بهذا الملف. ويأتي طبعًا هذا الاهتمام بسبر آراء مختلف الأطياف والمشارب والتيارات السياسية المتعارضة والمتواجهة في الكثير من الأحيان في لبنان، نتيجة سياستنا المُنفتحة في الملتقى، والتي تركز على تشجيع ثقافة الحوار والتلاقي بين جميع الأطياف، وحرصنا على سماع كل الآراء وتقريب وجهات النظر في محاولة السعي لزرع بذور الحوار مع الآخر المُختلف، علّنا نتلاقى جميعنا على قواعد مُشتركة صُلبة، تسمح لنا ببناء وطن أفضل نطمح له نحن اللبنانيين من مُختلف المشارب والانتماءات ونخب وناشطين من شتّى الميادين والاختصاصات.
هايتيان:
رأت هايتيان أن البلد دخل في حالة تغيير كبير، وأن اُسسه الاقتصادية والمالية تغيّرت للأسوأ، ولن يعود كما كان. وأضافت أنّ الطبقة السياسية تعيش حالة إنكار لكل هذا التغيير، مُحاولةً استعمال طُرقها القديمة في التسويات.
أمّا الخارج فغير مُهتم كثيرًا بواقعنا وبأزماتنا. فمثلاً، إن دول الخليج العربي تضع أولوياتها لأوضاعها الداخلية، ولا إيمان حاليًّا بلبنان في ظلّ وجود هذه الطبقة الحاكمة. وقد أسهمت أيضًا حرب روسيا وأوكرانيا بحرف الاهتمام عنا، كما أبعدت كلّ إمكانات الدعم المالي؛ وعليه، يجري حاليًّا ترقيع الحلول وتضييع الوقت.
أما في الداخل اللبناني فلم تُتخذ أي خطوة إصلاحية، ولنا في الكهرباء خير مثال، لا تعيينات للهيئة الناظمة للقطاع ولا استجرار للطاقة من مصر والأردن، ولا ثقة في الإدارة اللبنانية، والعبء يحمله المواطن وحده.
أما بالنسبة إلى الملفّ الرئاسي، فترى هايتيان أنه سيسلك الاتجاه السلبي ذاته، ولا رؤية واضحة، وفي ظلّ الحكومة الإسرائيلية المُتطرّفة الجديدة التي قد تخلق سردية جديدة قد تخدم حزب الله، فيزداد تمسّك هذا الأخير برئيس يُطمئنه، وهذا ما قد يُعقّد الأمور أكثر فأكثر عندنا. وأشارت أنه حتى في حال جرى انتخاب رئيس، فالحلول ليست هنا، وهي ليست جاهزة وحتمية وتحصيل حاصل. ورأت أنها تعمل في تطوير النظام وتحقيق المواطنة العادلة، وليست في ترسيخ الطائفية بالمثالثة، وفق رؤية تتساوى بها المكونات.
وأكملت فيما يخصّ اتفاق النفط والغاز، وبعد توقيع اتفاق الإطار بين شركة توتال والكيان الإسرائيلي، أصبحت الطريق مفتوحة للشركة للعمل بالبلوك رقم ٩، والحفّارة ستقوم بالاستكشاف قريبًا، وفي خلال شهر ٦ القادم، ستتمّ دراسة الأثر البيئي، ليبدأ الحفر، ولكن لم يتحدّد بعد مكان الحفر ولم يُعلن عنه، ونحن بانتظار إعلان التوقيت في تموز أو في نهاية هذه السنة، كما اُعلن مُؤخّرًا. وأكملت أنه خلال ٣ سنوات سيجري الاستكشاف، وعليه فهي تملك وقتًا كافيًا. أما البلوك ٤ فقد أُجِّل لسنة إضافية لحفر بئر إضافية، ضمن موضوع جولة التراخيص الثانية التي أُجّلت عدّة مرات حتى تاريخ اليوم. وننتظر إذا كان أحد ما مهتم بذلك، مع وجود حاجة للغاز على مستوى أوروبا والعالم، إلا أن الشركات بحاجة إلى التأكّد من عدم تأجيل أعمالها، كون مشاكلنا الاقتصادية قد تجعل الشركات تتخوّف من البدء والإقدام على خطوات كهذه، وعلى الدولة اللبنانية رفع مواصفات الشركات والتمسّك بمعايير جيدة حتى نستفيد من هذا القطاع.
وأضافت هايتيان: في حال وجود غاز في البلوك رقم ٩ ضمن الأراضي اللبنانية، سنضطر إلى تطبيق اتفاقية الترسيم التي وقّعنا عليها مع شركة “توتال” والكِيان الإسرائيلي، ليجري تطوير الحقل والعمل به، وهناك ٤ قوانين مُتعلّقة بالصُّندوق السيادي تُناقش في مجلس النواب، ولكننا بحاجة إلى رؤية اقتصادية واضحة في كيفية وضع القوانين، ومن يتحكّم بها وكيفية إدارتها، وهذا أمر مهم جدًّا لمستقبل البلاد.
وأنهت هايتيان أن المستقبل لم يعُد لقطاع النفط والغاز عالميًّا، ومن ثَمَّ فإنّ لبنان يضع آماله في قطاع ليس له أفق، وقد يخدمنا أن نستثمر في الطاقات المُتجددة؛ فإذا كان لبنان يرغب بأن يكون على خريطة الطاقة، فيجب مطالبة وزارة الطاقة بتحديد المعادن الأساسية وحوكمة هذا القطاع وتأمين مدخول خاص منها والاستثمار به، حيث إن النفط والغاز ولّى زمانهما، ولا يبنيان دول المستقبل، بل يجب أن نُفكّر بالصناعات المُستقبلية.
د. طلال حمُّود – رئيس ملتقى حوار وعطاء بلا حدود ورئيس جمعيَّة ودائعنا حقّنا