أدب وفنمقابلات

حوار مع الروائية هيام التوم حول الكتابة الإبداعية و” ورشة ٢٩ “

حاورتها الشاعرة سمية تكجي

الكتابة هذا العالم اللامتناهي…و هذا المنجم السحيق…كم من أجنحة…..و كم من رئة يلزمنا لنلامس الكاتب الساكن فينا…!!!

ملكة الكتابة موهبة و بنت الإلهام و أن الكاتب يولد و لا يصنع .. هكذا اتفق ان يُقَال … ثمة عبارة شهيرة لسيمون دوبوفوار ، “الكتابة هي حرفة تتعلمها بينما تكتب” لكن مدارس تعليم الكتابة الإبداعية تجعلنا نعيد النظر و نتساءل حول هذا المفهوم بدأت تلك المدارس في الظهور و تموضعت في خريطة الأدب و الولايات المتحدة كان لها السبق في هذا المضمار ثم انتقلت الى الدول الأخرى و وصلت إلى لبنان , مما دفعنا لنطرح العديد من الأسئلة ، هل الإبداع يبقى سجينا في الدواخل عند البعض إلى أن توقظه دروس الكتابة الإبداعية ، هل معظم الكتاب الكبار يوافقون على هذا الأمر؟ فهل كل العوامل التي تحسن الحس الجمالي كالقراءة خاصة لا تكفي و هل و هل …و اللائحة تطول…
في هذه المقابلة سوف نسلط الضوء على هذا الأمر و مدى قدرته على تعزيز القدرات الإبداعية و مهارات الكتابة و تقوية الفكرة و دق باب المختلف…و قد كان لنا أكثر من وقفة حول هذا الموضوع مع الروائية هيام التوم و المسؤولة في مشروع “ورشة ٢٩” حول هذا الموضوع و طرحنا عليها العديد من الأسئلة

قبل أن تكتب علينا أن نكون قارئين
هل يؤخذ هذا المعيار بعين الاعتبار في صفات طالب الكتابة الإبداعية…؟

بل هو المعيار الأول والأساس بالنسبة لكل كاتب سواء تعلم الكتابة أو مارسها بالفطرة، فالقراءة تشكل المدخلات التي تتفاعل مع طبيعة وخلفيات كل منا لنستطيع الحصول على مخرجات بجودة عالية .
القراءة والكتابة كالشهيق والزفير يشكلان معا عملية التنفس الابداعية .وكل كاتب لا يغذي فكره وخياله بالقراءة والتأمل والمشاهدات يفرغ تدريجيا . لذلك من السهل أن نكتب روايتنا الأولى لأنها في الغالب قصتنا ولكن الإبداع يأتي لاحقا من القدرة على توظيف قراءاتنا ومشاهداتنا لكتابة روايات أشخاص غرباء عنا .

التقنيات و القوانين هي أيضا قيود تحد من حرية الكاتب ما رأيك ؟
برأيي فقط حين أعرف القوانين أستطيع أن أخالفها بذكاء وكل ما عدا ذلك يحيلني إلى جهل . كيف أعرف أنني أفكر خارج الصندوق إن لم أكن أعلم ماذا تحتوي الصناديق في الأصل
الإبداع هو أن تخلق طريقك الخاص ولكن كيف نعرف أننا نبتكر أمرا جديدا ما لم نعرف طرق الآخرين .

_كيف لطالب الكتابة الإبداعية أن يكون كاتبا و ناقدا في آن معا؟
هذا ما نتعلمه في ورش الكتابة ،على الكاتب أن يكون ثلاثة أشخاص في آن هو كاتب وقارئ وناقد ،حين يتعلم أن يكون هذه التوليفة يعرف النجاح .
فحين يقرأ نصه الإبداعي بعين القارئ يستطيع أن يعرف مثلا متى شعر بالملل وأين كان النص ماتعا ،متى قلل الوصف ومتى أسهب فيه، أين أوصل حواره حرارة المشهد وأين أخفق، ويعي أن القارئ لا يسكن في متخيله الروائي وأن عليه أن ينقل له هذا الخيال أو أن يمسك به ويغرقه في عالم روايته حتى أذنيه .
وبالمقابل عليه أن يقرأ بعين النقد قلا يجوز لنص أن يخرج من غرفة نومه دون غسل وجهه وتسريح شعره وارتداء ملابس تليق بقارئ ذكي .

تعليم الكتابة الإبداعية نسبيا حديث في لبنان
هل لاحظتم إقبالا متزايدا على هذا الصعيد ؟

هو حديث في الوطن العربي نسبيا أيضا، بدأ في الغرب في أواسط القرن العشرين ثم بدأت به بعض الدول العربية مطلع هذا القرن . أما في لبنان فنستطيع القول أنه أمر جديد على ثقافتنا وكل أمر جديد يتفاوت الإقبال عليه ففي أذهاننا ما زالت الكتابة ترتبط فقط بالالهام ووادي عبقر وشياطين الوحي ونعيش حالة إنكار لحقيقة واضحة هي أن كل مهنة أو حرفة لها قواعدها وتقنياتها وأدواتها ومفاتيح نجاحها وعوامل فشلها . لماذا نقبل أنه من الضروري لكل شغوف بالموسيقى أن يتعلم النوتات والسلم الموسيقي ودقائق هذا الفن . ونقبل أن على الرسام دراسة تقنيات الرسم وننكر ذلك على الكتابة مع التنويه أن الابداع هو مرحلة تفوق التعلم والدراسة وقد تنفصل عنها لكن برأيي كل محترف لأمر ما عليه حكما معرفة أساسيات ومنطلقات وتقنيات وأدوات حرفته ثم تقرير ما يسقط منها في أعماله وما يتبنى .

هل الكاتب يُولَد أم يُصْنَع ؟
هل النبتة تولد أم تصنع
هل الحب يولد أم يصنع
باستطاعتي أن أعطي مئات الأمثلة عن أشياء تولد أو تتهيأ للولادة لكن لا تبقى حية إن أهملنا دور الصناعة هل يبقى الحب دون أمور عملية تعبر عنه ،هل يعيش الورد بغير ماء
وأكثر من ذلك، كثيرون يحلمون أن يصبحون كتابا لكنهم لا يدركون كيف، كجنين في رحم ساعة ولادة متعثرة ربما بتدخل بسيط من طبيب يبصر النور وربما يموت في الأحشاء في حال عدم التدخل .
لا أدعي أن ورش الكتابة تصنع كاتبا ،الشغف ضرورة ولكنه لا يكفي حتما قد يكتب عملا واحدا ينقل فيه نفسه إلى الورق ولكنه لن يصبح كاتبا محترفا للكتابة ما لم يتقن تقنيات هذا العمل
لماذا تعتقدين انه يتعين على الكاتب أخذ دروس في الكتابة الإبداعية. ؟
لقد كتبت روايتي وأنا بذهنية العرب القديمة أن الكتابة محض إلهام وحين دخلت إلى هذا العالم عرفت أخطائي ولو أن الرواية كانت مميزة أي بفطرتي كتبت بشكل جيد لكن الآن أستطيع أن أدل على الكثير من النواقص فيها .
كما أن انتظار الوحي يخسر الكاتب عمرا من الإبداع وهو ينتظر .
وعدم معرفة ماذا يقرأ ولمن ومن هم رواد مجاله يجعله يضيع الوقت في أمور لا تفيده ولا تطور منه .
وعدم معرفة نقاط الضعف في الرواية ومراكز القوة والكثير من الأشياء الأخرى التي تساعده فيها دروس الكتابة الإبداعية يجعله يخسر الوقت ويبذل الجهد المضاعف ويجعله طائرا يتخبط في الضباب .

-كمسؤولة في هذا المشروع ماذا أضافت لك ككاتبة و كقارئة هذه الدروس في الكتابة الإبداعية؟ ماذا تعلمتِ من طلابكِ ؟
أثبتت ما قلته سابقا، في الورشة الأولى تعاملت مع هواة للكتابة دون تجارب سابقة ومعا كتبنا رواية مشتركة هي قيد الطبع الآن وأفتخر أنني كنت السبب في ولادة ٧ كتاب شباب وأن تجاربهم الأولى كانت رائعة ،في الورشة الثانية كانت الغالبية ممن لديهم إصدارات سابقة ( ونكتب أبضا عملنا المشترك ) واستطاعوا رؤية المسار الطويل الذي اجتازوه بين أعمالهم السابقة وبينهم بعد الورشة مثلما أدركت من قبلهم، الفرق أنني أنفقت وقتا طويلا وجهدا أكبر وأنهم قطفوا نتيجة جهدي بذكاء وكنت فرحة جدا كشجرة يؤكل من ثمارها وتشكر .
ثم إن محترفات الكتابة تنتج تمازجا جميلا للأفكار والآراء وتفاعلا فكريا بين المتدربين يفتح الآفاق أمام الخيال .

هل وسائل التواصل و العالم الرقمي يدعم مشروعكم انتشارا و ذيوعا؟ هل انت من الرأي الذي يقول أن العالم الرقمي يسيء إلى الإبداع….؟

برأيي العالم الرقمي يساعد مشروعي على الانتشار في الورش السابقة كان لدي طالبات من الجزائر ومن سيراليون ثم إن طبيعة التدريب عبر الأونلاين ساهمت في تمكن المتدربين من تخطي عقبة المكان خارج لبنان وساهمت في تخفيف كلفة الانتقال داخل لبنان ،وأنا ممن يؤمنون أن لكل أمر حسناته وسيئاته كهذا العالم تماما لكن الذكاء أن نفيد من الحسنات ونحاول تجنب السيئات
هذا الزمن السريع الذي بأكل بشكل تصاعدي من وقتنا للقراءة ، هل تنمي الكتابة الإبداعية حب القراءة ؟
مع الأسف هذا الزمن ليس زمن القراءة ولا الكتابة ،لا نعيش أياما متعافية صحية نحن في أزمة ،أو أزمات أزمة فكر وأزمة ثقافة وأزمة هوية ولكن ثمة أناس على قلتهم ما زالوا يتذوقون الكلمة ولهؤلاء نكتب كما أن الكتابة واجب المثقف للنهوض من تلك الأزمات ومن الطبيعي أن تنمي الكتابة الإبداعية القراءة بل وتشير بالبنان لمن نقرأ وعلى أية تجارب يجب أن نطلع ، هذا في المجال الإبداعي عدا عن ذلك على الكاتب أن يقرأ في كل المجالات في علم النفس وعلم الاجتماع والتاريخ والسياسة وإلا كيف له أن يخلق شخصيات حقيقية لكل منها تركيبته النفسية الخاصة وكيف له أن يبني أحداثه وأمكنتها ويحسن حبك روايته . المعرفة المتأتية من القراءة حجر أساس الكاتب المحترف .

بين الكتّاب من جيل السبعينات يحرصون في المحافظة على الحميمية و الخصوصية ،بينما يحصل العكس مع جيل الناشئة ، أيهما يخدم الإبداع أكثر ، عند الكتابة ؟
الإبداع لا يخضع لمنطق الصح والخطأ، ويتأثر بالذائقة الأدبية في الورش نعطي المتدرب حسنات وسيئات كل خيار وهو من يقرر

ما هو جديدك ؟ و مشروعك المستقبلي ؟
مشروعي الحالي هو تنمية “ورشة ٢٩ ” أفقيا وعاموديا لذلك توسعنا لتدربس كل أنواع الأدب وحين تستقر الظروف وتصبح الورش حضورية سنبدأ بتدريس الفنون . وهناك ورش مستقلة لزيادة الوعي في كافة المجالات الإنسانية سنعلن عنها قريبا جدا .
على المستوى الشخصي أحاول إنهاء روايتي وديواني الشعري وكتابي عن الكتابة الإبداعية ولو بوتيرو بطيئة .

ما هو السؤال الذي لم يطرح و ترغبين بطرحه عليك ؟
ما هو ؟

لقد أحطت بالموضوع من كل جوانبه عزيزتي ليس سؤالا ربما إضافة ،
أود القول أن الكتابة شفاء للروح وأن فوائدها جمة وأنا اؤمن كما قيل أن داخل كل إنسان روائي لرواية واحدة على الأقل هي روايته ومن الجميل والمريح نفسيا أن يكتبها والأروع أن ينطلق لكتابة قصص وحيوات الآخرين .الكتابة محاولة جادة لأن نأخذ أكثر من فرصة واحدة في الحياة .

كلمة أخيرة
لطالما كان منبركم داعما للثقافة والمثقفين وزاخرا بكل أدب جميل ،أشكرك صديقتي سمية على عملك الدؤوب من أجل الفكر والوعي وأتمنى دوام النجاح والتقدم لكم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى