أدب وفن

قارئة الكف/ بقلم القاصة هند يوسف خضر- سوريا

قارئة الكف

التقيت بها عندما كان فم الصباح يوزع ابتساماته على وجوه عبس بها الزمن فأحدث فيها تجاعيد لا يمكن للعطار أن يصلحها ،كانت الساعة حوالي السابعة، حسب توقيت الأرق ،نهضت من سريري منهكة القوى ،فاقدة للسيطرة على توازن جسدي وكأن المخيخ لدي أصيب بضمور أبدي ،فتحت نافذتي لأتنفس الصعداء وأرسم على زجاجها حلماً بلون الشقاء ،امتزجت رغباتي بأنين الناي و صوت القصب المبحوح ،وضعت يدي فوق حاجبي لأترقب من وراء النافذة أين هو طريق الفرح فأتبع دعساته ،لمحت امرأة طاعنة في السن تجلس على رصيف مدينتي المتعايشة مع وجعها ،تجتمع حولها بعض النساء ، كل واحدة منهن تنتظر دورها لتقرأ لها كفها ،تملكني الفضول لأفعل مثلهن ،سابقت خطواتي و قصدتها ،على جمر الانتظار تقلبت حتى جاء دوري ،كنت لحظتها كغريق يتعلق بقشة لينجو ،تقدمت منها ،أعطيتها كفي وبدأت قراءته ..
خط القلب يا ابنتي متعب ،تعلوه دائرة تحول بينه وبين نبضات الفرح ،تلك الدائرة لا تهبه إلا أنصاف الأشياء (نصف الحب ، نصف الفرح ،نصف اللقاء ونصف الأمل ) كل هذا يجعل طريقك معبداً بحجارة الواقع القاسي و يجعلك حبيسة أنصاف الحلول ،تتشابك الأفكار في رأسك دوماً كخيوط يصعب فكها ،تشعرين أن الفراغ يطبق فكيه على تلك القطعة من المشتهى ،وأكثر ما يتراءى لك في عمق لحظات الوجع هو ذاك الطيف المتكئ على الأريكة الذي ينادي باسمك ،يغسل كآبتك ،يشاطرك الحنين ،يدعك تتذوقين حكايات بنكهة الجنون ،يلون أمسياتك بألوان البنفسج الحالم ،يمسك بيدك حتى أطراف العمر ،ينهض بك من مستنقع الأمس ،يسعى جاهداً ليصنع من كفك كفاً قوية تقاوم أمواج المستحيل ،يبتر أصابعك الضعيفة لتنمو مكانها أنامل تمسك العالم وتحركه كما تشاء بجرة قلم …
هذا ما أخبرتني به قارئة الكف وكأنها تؤكد لي أنه على الرغم من تأرجح أفكارك ما بين الشيء ونصفه ،الشك واليقين ،الالتباس والوضوح ،التراجع والتقدم فأنت على موعد مع بصيص أمل …


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى