أدب وفن

الشاعرة سنـاء البنَّـافي ديوانَيهَـا الشِّعريَّين :” آدم وتاء الغواية “وَ ” رسائل الى مولانـا “

دراسة حول التصوف عند سناء البنا أعدها الدكتور ميشال سعادة

الشاعرة سنـاء البنَّـا
في ديوانَيهَـا الشِّعريَّين :
” آدم وتاء الغواية “
وَ ” رسائل الى مولانـا “
_

1

بَدءًا ، لا بُدَّ من إشارةٍ أولى الى أني عكفت على دراسة هذين الديوانين للصديقة الشاعرة سناء البنا ، حين كان لي الشرف أن تُهديني شعرها المتمايز والمختلف عن أبناءِ جيلهـا . لكني أسارع الى الإعتراف إني وقعت على مشروع هذه الدراسة بين أوراقي ، من طريق الصدفة . تعود مسوَّدة هذا البحث غير المكتمل الى العام 2015 .
وفي إشارةٍ ثانية ، شرعت في طباعتها حُبًّا ورغبةً في إرسالها الى الصديقة الشاعرة ، خوفًا من ألا تضيع ، كوننا في لبنان نعيش عدم الإستقرار ، ونعاني قلقًا على الوجود والمصير . هذا وقد حرصت على تناولِ هذي الدراسة من باب التجربة الصوفية التي أعارتها ، في شعريتها بالغَ اهتمام وأهمية .

2

نافذة على التجربة الصوفية .
________________________

إنَّ التجربة الصوفية ، في يومنا هذا ، هي محطُّ اهتمامٍ كبير ، عربيًّا وأوروبيًّا ، وعلى وجه الخصوص في لبنان عند الشاعرتين : سناء البنا وندى الحاج(1) ، على سبيل المثال ، لا الحصر . وقد رأيتُ الى هاتين الشاعرتين تسعيان بالشعر وعبره ، الى أُفُقٍ من الرفضِ والتجربة الخاصة ، قائم على مفاهيم الحدسِ والكشفِ ، وذلك بلغةٍ تقربُ الغرابةَ ، والوضوحَ الغامضَ ، وفيها تمتزجُ الأحلام والمثالية بالواقعية ، والآمال بالخيبات ، غير أنَّ التعاملَ مع اللغةِ هو عبارة عن تعاملٍ إبداعيٍّ ذي فاعلية ونبضٍ حيويٍّ ، حيث يختلط الشعرُ بالفلسفة ، والشعورُ بالفكر ، والواقع بالخيال ، والعقل بالأسطورة ؛ على أنَّ الأرضَ / اللغةَ هي المكان الأنسب للسكن .

3

لا يخفى أنَّ الكتابةَ تنحى في انسيابِ حوارٍ بين العقلِ والقلبِ ، بين الذات والموضوع ، بين الداخل والخارج ، حيث تنشط جدليَّةٌ من الخفاءِ والتجلِّي . إنَّ هذي الكتابةَ الشِّعريَّةَ تحتضن الواقعَ ، وتقرأه من الداخل ، وتعيد تحويلَهُ ، سعيًا الى الوصول لمفهومِ كتابةٍ جديدة .

4

رأيت أن أدخلَ عالم الشاعرة سناء البنا من باب التركيز على مفهوم ” التناص ” Intertextualité ” ، على اعتبار ان الشاعرة ، في حضور نصِّها الصُّوفيّ ، توجِّهُ رسائلَ الى مولاها جلال الدين الروميّ .
إن الكتابةَ هنا ، ممارسةٌ فكريَّةٌ ، جماليةٌ ، تتأسَّسُ على علاقاتِ المبدع بماضيهِ ، وحاضره ، ورؤيته الى كل ذلك ، في إطار أشمل ، حيث يتشكّل ظلُّ المعنى بين جدلِ الجماليّ والفكريّ ، وقلقِ المتناقضاتِ وصيرورة الثابت الى المتحوِّل .

5

إنَّ مَن يقرأ الشاعرة سنـاء البنَّـا ، بدءًا بكتابها الشعري الأوَّل ” آدم وتاء الغواية ” (2) ، وانتهاءً بكتابها الشعري الثاني ” رسائل الى مولانـا ” (3) ، يجد أنها امرأٌةٌ ألزمَتها حروفُها أن تخلعَ جميعَ الأقنعةِ من دون أن تُثيرَ أيَّ ضجيجٍ ، لتقولَ ، عبر كتابتها ، إنها ليست سوى صفعةٍ على الواقع المأزوم ،

هي ” الأنـا” _

” أمَّا أنـا !
فلآدَم وهجٌ آخَرُ
حرَّرتُه .. كبَّلنِي
إستَعيدني .. أعتقتُهُ
ولا زلتُ أُحبُّهُ أكثَرَ ” (4) .

إنها امرأة تتحفَّزُ للعبادة _

” تجلِّياتي ،
تتحفَّزُ للعبادة
وكونٌ يبتهلُ لوليمةٍ على عُشبِ السَّفَر
……..ِِ…………….
…ِِِِ…………………
تقول عاليةً الحضارة
أنا أبجديةُ احترافٍ جديدةٍ
أشهر تاريخي وأمضي
أبتكرُ قاموسًا للتبرُّجِ المُدُنيِّ
أخلقُ منَ الجمادِ
لغةَ وهجٍ كونِيٍّ
أُحلِّقُ
وأصيرُ وجعَ الأنـا العتيقةِ
أُقلُّ صمتًا ووجعًا
فيُشرقُ لونُ المدينة ” (5)

الشاعرة سنـاء شبيهـةُ الباحث السفسطائي عنِ الحقيقةِ . تعرف أن لا شيءَ ثابتًا ، ولا شيءَ دائِمًا ، الكلُّ يسعى الى التحوُّلِ والتكيُّفِ . إنَّ في هذا ما أتاح لها تفجيرَ كثيرٍ من الحدودِ في النظرة الموروثة الى الأنـا والجسدِ واللُّغة . تزدحم قصائدها بسطوة الموضوعات الحداثية المجرَّدة ، كالحبِّ ، الحرية ، الرفض ، الثورة والتجاوز . تسير جنبًا الى جنب ، مع سطوة اللغة في صورة المجازِ والإستعارةوالرمز ، بشكلٍ مكثَّفٍ ، وسطوة الأنَـا الغنائية ، والمفاهيم المجرَّدة ،المتعالية على قارئها بما تحتمل من غموض . أدركت أن ما يبقى هو الشعرُ ، وما يطرح من أسئلة . هذا ، وسؤالُ الشعر هو عبارة عن سؤال وجوديّ ؛ لذا نراها تتخذ الشعرَ الذي بمثابة هويتها الخاصة . الشعرُ هو هذي اللغةُ المشتركة بين الناس ، في كل زمانٍ ومكان . إنه لغة الإنسان القلق ، المُنشطر المتشظِّي ، والباحث المهموم دائمًا بمشكلاته اللامتناهية التي ما تزال تزداد تعقيدًا . رأيت إليها تعتنق الصوفية التي ، في جوهرها ، ترفض الأشكال الطقوسيَّة ، وتسعى بحثًا عن السر الكونيِّ . تحيا الشاعرة سنـاء ما بين الصوفيَّة والحداثة، لما بينهما من اوجه شبهٍ . هذا ، وهي لا تنسَى دور الحركة الرومنسية ، ورائدها جبران خ. جبران في عودته الى الصوفية التي تركز على كلماتٍ / مفاتيحَ ، كالحرية ، والخيال ، والطهارة ، والبراءة ، والطبيعة والخير ، والحب والاحلام ، والصفاء الروحي ، واعتماد الذوق بدل العقل . هذه كلها قيمٌ صوفية . من هنا ، نرى الى الحداثي يشترك مع الصوفي في عشقه للحرية ، وفي انفلاته من جميع القوانين الفقهية ، ليكون العشقُ حالةً مباشرةً مع الله مع الغيب ، ومع المطلق . أقول هذا من باب التأكيد أن الشاعرة سنـاء ترغب في الصوفية عن قناعة وإيمان ، باعتبارها تجربة روحية . أرى اليها تحاول ان تعيد قراءةَ التاريخ بوساطةِ أبجدية ثانية ، تحاور الذات والمكان والزمان واللاشعور ، وتضوِّئُ لغةً طواها النسيان ، سعيًا الى لغةٍ تتحوَّل من كونها أداةً ، الى كونها فعلًا ، حيث يسكن الشاعر في هذي اللغة بالمفهوم الهايدجري . على هذا الأساس ، نرى الى اللغة تحلُّ في الشاعر ، والشاعر يحلُّ في اللغة . وعليه ، فإن اللغة ما عادت إناءً للأفكار ، وإن الشاعرَ ، بما يملك من حدسٍ وبصيرةٍ وكشفٍ ، قادرٌ على ابتكار السحريِّ وخلق المستحيل ، سعيًا الى إنسانٍ أفضلَ ، وذي أُفُقٍ أوسع . على هذا الأساس رأيتُ الى الشاعرة سنَـاء تسعى الى مناخِ حرية ، تنفلت فيه من أسرِ السلطة أيًّا كانت . لذا ، إن إحساسها بالحرية ، ونظرتَها اليها اقترنت دومًا بفكرة السَّفر والغربة ، وارتضت وطنًا يمتدٍّ فيه بصرُها وبصيرتُها . هذا ، ووسيلتها الشعرُ ، وحده الشعرُ ، هاجسُها البحثُ عن الحقيقة الغائبة دومًا ، ومتعتها في انها لا تصل اليها أبدًا ، كما الأسفارُ عند ابن عربي ثلاثة ” سفرٌ عنده ، وسفرٌ اليه ، وسفرٌ فيه .

6

وعليه ، فإن إحساسَ الشاعرة سنـاء بتجربتها ، دفعها الى الشعور بضيقِ الواقع ، فسعت الى ملاحقةِ زمانٍ لم يولد بعد . رأت الى القلبِ أفضليةً على العقل ، لأن العقل ، بعرفِ المتصوفة ، عبد للجسد لأنه يستمدُّ معرفته من الحواس ، بينما المعرفة الصوفية تستمدُّ معرفتها من الروح التي تتجاوز العقل ، باعتبارها أسبقَ من الجسد . لذا ، أعتمدتِ في شعرها فكرة الحب الذي هو دينٍ الصوفيِّ ؛ والذي هو دين الأديان . والحبُّ في الأساطير هو يخلق العالم ويُوحِّدُ في أن . هنا ، تُطرح أسئلةٌ كثيرة :
_ ما علاقة الشعر بالصوفية ؟
_ لماذا يلجأُ الصوفيُّ الى الرمز ؟
_ لماذا يتَّخذُ في التعبير عن ذاته
لغةالغموض ؟
_ لماذا يحتل الخيال حضورًا
مركزيًّا ؟
لا بدَّ من الأشارة هنا ، الى أن الثقافة اليونانية اعتبرت الشعر ينبع من مصدر الهي . والشاعر صوت للآلهة ، وهو يعتبر مفسِّرًا للعالَمِ . وكل ذلك بسلطة الكلمة ، مستعينًا بالإيقاعِ والحركة .
على ضوءِ هذه الأسئلة ، نرى الى انه لا يمكن لنا أن ندرس الإبداع منفصلًا عن سياقه النصِّي ، وعن العوامل المؤثرة فيه ، من فكرية واجتماعية وسياسية .

وإن الذي يتبحَّرُ في شعر سنـاء ، لا بدَّ له ان يلاحظ انها نهلت من ثقافات متنوِّعة ، ومصادرَ عديدة ، فشكَّلت معمارها الشعريّ . من هذه الوجهة ، فإن دراسة نصها في علاقته بالنص الصوفي يتطلب بحثًا في نظرية التناص ( Inrertextualité) نفسها ، وأصولها المعرفية ،كما طورتها العلوم اللسانية ( Linguistique ) ، في الغربِ عمومًا وفرنسا على وجهِ الخصوص .
وعليه ، فلا يمكن الولوج في مغامرتها الشِّعريَّة ، والإيغال في مناخ قصائدها ، وفي أُفُقِها من غير امتلاك معرفة لغويَّة وأدبيَّة ، وذائقة شعريَّة ، فضلًا عن الإتِّكاءِ على معارفَ نظريَّةٍ وفكريَّة معاصرة . ولا يخفى على قارئها أنَّ شعرها يضجُّ بتفاعلية تُعتبرُ سماتٍ أساسية لشعر الحداثة ، كون شعرها منفتحًا على ثقافاتٍ كثيرة ، ومذاهبَ فلسفيةٍ وجماليَّة ، يشي بانفتاحٍ دائمٍ على الآتي ، وعلى تواصل ثقافي مع الآخر ؛ قد لا تصل فيه الذات الى هويتها النهائية التي تظل دائِمًا في بحثٍ عنِ اكتمال لا يتحقَّقُ أبدًا ، باعتبار أنَّ لا إبداع منَ العدم . يقول أدونيس :
” مسألة التأثر غير مهمة في حدِّ
ذاتها ، ذلك أن التأثرُ قائمٌ بوصفه
ظاهرة تاريخية ترافق إبداعات
الإنسان بشكل وثيق ، وبوصفه
ظاهرة كونيَّة . فلا شيءَ في
الإبداع من لا شيء ، وما في الذات
مسكون بحضور الآخر قليلًا ، أو
كثيرًا ، بشكلٍ أو بآخر . ” (6)

ما يعني أن الأدب والشعر بشكل خاص أن أيَّ نصٍّ لا يُولد عشوائِيًّا ، فاقدًا أي صلة بالموروث . لا ينبت النص الشعري ما لم يكن على تداخل مع نصوص أُخرى ، ومتفاعل معها .
لا يخفى أن الشاعرة سنَـاء البنَّـا ، فضلا عن تأثرها بمصادرَ وسياقاتٍ حضارية وجمالية ، أرى اليها توظِّفُ الأسطورة التي تحوَّلت لديها الى بُعدٍ فنيٍّ ، لا غنى عنه في تشكيل القصيدة .

هنا لا بُدَّ من الإشارة الى الشاعر الإنجليزي ت . س . اليوت ، الذي مثلَّت قصيدته ” الأرض اليباب ” نموذجًا في استخدام الأسطورة ، أن يكون صاحب التأثير الأكبر على ما صار يُعرف بالشعراءِ التموزيين (7) .

الشاعرة سنا البنّا

7

أبحرت سنـاء في عالم الأسطورة وفقَ النهج الإليوتيّ ، ولنا على ذلك خيرُ مثال في قصيدتها ” وهم الفينيق ” (8) ، و” رسائل الى مولانـا ” جليل الدين الرومي . هذا الديوان شكَّل في نظري قصيدةً واحدة ، نعمل على كشف واكتشاف خفاياها تباعًا .
الأسطورة مصطلح يعني عند علماء الأنتروبولوجيا ما يتشكَّل عند البدائيين من أفكار لإرضاء حاجات روحية تسعى لتفسير العالَم . تقوم الأسطورة على مبدأ تجاوزِ الزمان والمكان ، وترتبط بالمجاز الذي يعدُّ عبورًا من المجسّد الى المجرّد ، ومن الواقعي الى المتخيَّل ، ومن المعقول الى اللامعقول . وأظنُّ انه لا يخفى ان الشاعرة سنـاء قد تسنّى لها ان تطلع على أساطير الحضارات السومرية والبابلية والأشورية والفينيقية وغيرها ، فوجدت فيها ما يلائم بينها وبين ما ترغب في قوله وابتكاره .

8

إنّ سنـاء البنَّـا شاعرةٌ إنسانية النزعة ، باعتبار الإنسان مصدر المعايير ، لذا ، انفتحت الشاعرة على التجربة الصوفية ، وقراءة الوجود ، شعرًا وفكرًا ؛ كما وقد مالت في ديوانها الثاني ، تحديدًا ، الى القصيدة الرؤيوية الطويلة . تمردت على الوزن والقافية التقليديين ، وربطت الشعر بالرؤية الغيبية ” ترى ما لا يراه غيرها ” ، فنبتت علاقتها كشاعرة بالكون والطبيعة ، تحديدًا ، ربما إيمانًا منها بقول الشاعر ادونيس _
” إبتعد الإنسان عن ذاته ، عن عالمه
الداخلي الحميم ، منذ ان ابتعد عن
الطبيعة .” (9)



رَأت الى الأشياءِ أنها امتدادٌ لها ، وأنها وأشكالٌ أخرى لجسدها وفكرها . تغلغلت في الكونِ ، في الطبيعة . فجعلت من ذاتها ناطقةً في الطبيعة ، وحيَّةً داخل أجزائها . وقد وعت ان شاعريتَها في الطبيعة ، وإن الطبيعة في شاعريتها . واجهتِ الغامضَ ، فسارعت الى كشفه ، واكتشافه . ولما رأت الى الغموض مستمرًّا ، كان الكشف مستمرًّا هو أيضًا . والكشف هذا يجدِّدُ في ذاتها قدرةً على التجاوز . و ” هذا يتضمن _ على حدِّ قول أدونيس _ أننا في حاجةٍ دائمةٍ جوهريةٍ الى تجاوز الراهن ، والشعر مقيمٌ في هذه الحاجة : يُضيئها ، يعمِّقها ، يدعو اليها ، إنه دائمًا عنصرُ القلقِ وسط الإطمئنان . ” (10)
مثِّلت تجربتها سفرًا قلِقًا ، ومستمرًّا داخلَ الهاجسِ الشعريِّ ، وكشفًا يقود الى الكشفِ ، وانشغالًا ما وراء الظَّاهر . إنها تتعقَّبت أسرار الوجود ، وتسلكُ طريقًا لا نهايةَ لها . فالسالكُ لا يصلُ ، وإذا وصل ، فالوصول هذا ، إيذانٌ بسلوكٍ في دورةٍ ثانية . ربما لأن الحقيقةَ هنا ، هي في أن السالك مكتشفٌ لا يقنع ولا يرضى ، وأن الطريقَ تظلُّ اكتشافًا لا ينتهي . تستخدم في شعرها كتابةً مميزة ومتمايزة ، فتتردد كلماتٌ رمزية ، صوفية ، من مثل : العطش ، الشرب ، الإرتواء ، الجوع والاكل والغذاء ، الدمع والبكاء ، الضحك ووالرقص والجنون …

هي كلماتٌ ذاتُ أهميةٍ تترجم رغبة الشاعرة في الإتحاد بالوجود .

9

آمنت أن الحقيقة لا توجد أبدًا ، في كتاب ، وإنما في الوجود ، في الحياة ، وفي التجربة . تلك حقيقة تنتظر دائما الكشفَ عنها . فمن البديهي التأكيد ان النصَّ الشعريَّ الذي اولته اهتمامًا كبيرًا يُمثِّل إرادةَ التأسيس للمتغيِّر الذي يسير في اتجاه معاكس للنص التقليدي المأخوذ بالبلاغية . النص الشعري الصوفي هو نص رافضٌ ، متحوِّل ، لا تضبطهُ قاعدة . لذا ، فلا غرابةَ إن وجد شعراء هذا العصر في الصوفية العالَمَ الذي حلموا به . وإنه من باب أَولى أن نقول إن هذا اللون من التصوّف ، هو عبارة عن محاولة جادَّة للتعويض عن علاقاتٍ روحية ، وصلات حميمة فقدها الشاعر .

10

في كلمة الختام _

لا بدَّ في كلمة الختام أن نشير الى أن المصادر الصوفية الأساسية في شعر سنـاء البنَّـا كثيرة ومتعددة ، غير أن حضور جلال الدين الرومي هو اللافت . وقد ذكرته بالإسم ، موجِّهةً اليه رسائلَها . واذا كان الرومي بعيدًا في المكان ، فزِمانُهُ قريبٌ جدًّا .
بِهذا الإرتحال الصوفي كان للشاعرة ان تواجهَهَ وتجالسه وتكلِّمه ، رغبةً منها في الحضور ذي الكشف والإكتشاف ، ايمانًا منها أن التصوفَ ، في حقيقته ، قلقٌ واضطرابٌ وحركةٌ متواصلةٌ ، فإذا وقع السكونُ ، فلا تصوُّف .
وعليه ، فإن الشعر هو زمنٌ وِشَكٌّ وتفجيرٌ وهدمٌ ، ومن ثَمَّ بناء . وهكذا ، بعد ان سكن الشاعر البيت الشعريَّ والقافية المتتالية ، زمنًا طويلًا ، وفي إطار إيقاعي لا يتغيّر ، نرىالى الشاعرة سنَـاء تلجأُ الى سُكنى البيتِ / النصِّ ، بعد ان ضاق بها البيت الشعريّ الكلاسيكي . وهذا ، تحت ضغط الفكر والشعور والخيال في حُمّى عصرنا الحالي .



ميشـال سعـادة

عام 2015

و هوامش الدراسة :


1 _ اشارة الى أني تناولت التجربة
الصوفية في دراسة ديوان ” أثواب
العشق ” للشاعرة ندى الحاج .
2 _ ” آدم وتاء الغواية ” ، دار فكر
للأبحاث والنشر ، طبعة أولى ،
بيروت 2011 .
3 _ ” رسائل الى مولانـا ” ، دار نلسن ،
طبعة أولى ، بيروت 2015 .
4 _ ديوان ” آدم وتاء الغواية ” ، ص 15.
5 _ ” آدم وتاء الغواية ” ، ص 17/22 .
6 _ أدونيس ، السوريالية والصوفية ،
ص 237 .
7 _ جبرا ابراهيم جبرا هو أوّل من اطلق
في دراسة نُشرت في مجلة ” شعر “
عام 1958 ، مصطلح ” الشعراء
التموزيين ” ، على كل من بدر شاكر
السياب ، أدونيس ، يوسف الخال
وخليل حاوي وجبرا ابراهيم جبرا .
8 _ ديوان ” آدم وتاء الغواية ” ص 35 .
9 _ أدونيس ، زمن الشعر ، ص 271 .
10 _ أدونيس ، زمن الشعر ، ص 314 .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى