أدب وفن

المجتمع الليبي الثقافي في نصوص محمد القذافي مسعود

المجتمع الليبي الثقافي في نصوص محمد القذافي مسعود

زيد الشهيد – 

في قراءة متأنية لمجموعة من نصوص الشاعر محمد القذافي مسعود، نخلص إلى أنَّها نصوص تحاول أن تجترح لها مساحةً تناهض الواقع، الذي يعيشه المجتمع الليبي ثقافياً، فهو يريد لنصوصه أن تكون أداة تمزيق الرتابة التي يعيشها الناس، ومقاساً محدداً للشعر يكتبه الشعراء بحالة من تقليدية لا يخرجون عن أسر شعرنا التقليدي المكرور، ولا يحيدون عما قرأوه، سواء في المناهج الدراسية أو عبر المجاميع التي تصدر عن الشعراء المتواجدين على الساحة الثقافية الليبية. فهو يختار عناوين صادمة تكاد لا تلقى قبولاً لدى المتلقي، فـ«عرجون مذبوح الآهات»، و«أكثر.. أقل»، و«لوز المعنى» تتمثل عناوين تعبّر عن استفزازها للمتلقي المعتاد على عناوين مألوفة ترمي معانيها من قراءتها، فلا تحتاج إلى الوقوف عندها ومحاولة التعرّف على ما جعل الشاعر يقدمها في واجهة النص.. وإذا ما واربنا أبواب النص ودخلنا فسنجد أنفسنا كمتلقين باحثين عن لؤلؤ الفحوى وكنوز الدواخل، إننا أمام نصوص تضم كلمات تناهض انسيابية النص في قراءته، وتحاول طعن الذائقة القرائية في صميم النص: «حاولت الاختباء خلف حذائي/‏ لكنه خذلني/‏ إذ تنحى جانباً»، و«مشيتُ متعرجاً /‏أرمي الظل بحجر/‏ فيرتد رصاصاً/‏ وعراجين تنزف»، وهذه نصوص تحمل في داخلها روح تمرد الشاعر عن كل ما يحايث الواقع ويخضع له. فالذات الشاعرة هنا تعلن تمردها، إذ هي تأتي بمفردات لتضعها في غير محلها إنتاجاً لصورة مشوشة في ذهن المتلقي.

نصوص الهايكو

ويجيد الشاعر في نصوص الهايكو، حيث يأتي بصورة جميلة تستعذبها ذائقة المتلقي، فتجد فيها مغزىً وتخرج منها بمدلولات.. ففي هايكو «يعلم ولا يعلم»، تأتي الصورة جميلة ومعبرة، إذ هو يدين أولئك الذين ينظرون إلى الآخرين على أنهم نكرات من دون أن يعلم أنه هو النكرة وأن الآخرين هم المُعرفون. وتلك التفاتة شعرية تجعل المتلقي يرى في مثل هكذا هايكو حكمة.

يسندُ مَيلَ سؤالِه

الشاهقِ

مِن دون أنْ يعلمَ

أّنَه المائل.

وفي هايكو آخر جميل يرسم الشاعر خيبةً في محاولة تقريب متضادين: الشمس والظل. لكن الظلَّ الذي يتشكّل من حاجز بتأثير وجود الشمس ككينونة ضوئية لا يؤدي دوره كرفيق للحاجز، فيتسبب بالإخفاق، وهو ما صور الشاعر عندما اكتشف قرينه يخذله في ساعة تمناها زهواً وحيازة سعادة:

فكلما دنت شمس مني

أخفقتُ في ركوب ظلي إليها.

ويأتي مثل هذا الإخفاق في نص آخر «بعد الخيبة»، يحمل صورة يأس يتصف به الشعراء الحالمون، الذين يجهدون بعاطفة فوّارة في بناء يوتوبيا، لكنها يوتوبيا لن تجلب غير الخيبة وموت الحلم بيقين يحملونه في عقولهم التي تصارع العاطفة. وهو ما عبّر عنه الشاعر:

أرقبُها فلا تمطر

أعودُ مأخوذاً بما

أحملُ من يَقين

أنَّ بعد الخَيبةِ

حلمٌ يموت.

ويبتدئ نص «عرجون مذبوح الآهات» بأسئلة يقولها الشاعر توجهاً للأنثى، التي لا يعطينا أوصافاً لها، فهو بوح شعراء يترك الكلمات تشكل المعاني الدفينة:

من أوجدك في أرضي

كذبة؟

من ألبسك فتنة الأسئلة؟

وأثارك في عاصفة؟

وتلك الأسئلة تحمل بعداً فلسفياً تتداخل فيها الأسئلة بالأسئلة، فترينا لغةً تعبّر عن حيرة المتسائل الذي يجد نفسه يبحث عن إجابة شافية تزرع في روحه شيئاً من طمأنينة تشكل الحل الأوفى لهاته الأسئلة.

إن نصوص محمد القذافي مسعود تقدّم شاعراً يعيش في خضم عالم من القلق والتوتر، ويسعى لأن يجد فسحة من الأمل يجترح من خلالها إيماناً يُبعده عن ساحة العدم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى